إشهار علاقة غير شرعية !

توقيع اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين وبين إسرائيل

ترددت كثيرا قبل أن أنشئ هذا الموضوع الشائك الذي قد يكون الحديث في حقيقته لا يرضي كل الأطراف، لكن لابد لأي مثقف كان أو مفكر أن يضع المفيد، فالشعار الذي رفع عن الإبراهيمية لا يبدو أنه كلاما عابرا.

لكن السؤال هل هو أساس فعال لعملية سلام نهائي وانتهاء لقضية تدرجت مسؤوليتها في الانحدار من الأمة الكبيرة إلى لا أحد إلا أهل فلسطين.

وهم الذين ليس كل سياسييهم جادين في متابعة القضية؛  وبعضهم ينتفع منها منفعة شخصية، وكذلك عند الصهاينة بنفس المنوال وثباتهم لتثبيت الاختراق للمنطقة الذي لم يعد له مبرر، فكان لزاما انتهاء الأدوار وخلق حالة من التعايش الهش لأنه لا يبنى على تثبيت الحقوق ولا تنظيم المنظومة التي ستنشأ وإنما إبدال حالة من الفوضى على ثقافة الإذعان .

اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل

 

وهي ليست ثقافة المسلمين ولا اليهود أيضا كيهود رغم أني لا أرى أن المشكلة دينية حقيقة؛ وإنما أقحمت الصهيونية اليهود وخاطبت مآسيهم التي حصلت في أوروبا في حقيقتها؛ لتحولها إلى استثمار في مناطق وشعب مسلم حماهم ودينهم عندما اضطهدوا من أجداد من يزعم اليوم أنه حريص عليهم.

الحركة الصهيونية سياسية تستقطب اليهود، لكن هنالك صهاينة مسلمين ومسيحيين، أولئك الذين تدفعهم عوامل أيدلوجية كالإنجيلين وضياع الهوية كما في المسلمين.

أما الصهيونية فهو تشكيل عملي لا صديق له،  وإنما يؤمن بفكرة الجنس المتفوق وهي ليست حقيقة كما نعلم فالصهاينة ليسوا ككل من سلالة إبراهيم عليه السلام.

ولكنهم كما العرب ينتمون لأصول غير إبراهيمية، والإبراهيمية ربما ليست في موقع السيادة أو القرار كسلالة، معاداة المسلمين لليهود أو غيرهم من أجل المعتقد غير موجودة.

ولا يوجد عائق ضد التعايش مع أي كان يهودي إبراهيمي أو أي كان من البشرية ومهما كان دينه، المسألة مسالة حقوق وليس تعايش وسكن، إن كان هنالك كيان يريد أن يؤسس وضع ثيوقراطي بصفة قومية فهذا دافع لاستمرار الصراع مع نزعة قومية  تتعاظم بعد تثبيط الحركات الإسلامية ، التي سقط بعضها سلوكيا وبعضها إعلاميا.

إن كان هذا الكيان يحرض الأقليات على الأكثرية؛  ويجعلها وفق نفوذه الأكثر قوة وتأثير فهو لن يتعايش،  ولا يمكن أن يكون هنالك علاقات صحية مع أناس يعلمون أن حياتهم مضطربة.

الصهاينة لا يحترمون حتى من وقعوا الاتفاق معهم بل يعتبرونهم أدوات تستخدم وترمى، وهذا ليس ظلما ولا ضيق أفق قطعا وإنما هو تعامل من يعرف ما يريد مع من لا يعرف ما يريد.

 

وإن  سبب اضطراب هذا الكيان وتدخلاته السلبية، كما أن الكيان يتعامل مع فلسطين على أنها أرض بلا شعب، وأن القتل مستمر والسجون ممتلئة كأي نظام استبدادي يزعم الديمقراطية والتمدن في المنطقة.

الصهاينة لا يحترمون حتى من وقعوا الاتفاق معهم بل يعتبرونهم أدوات تستخدم وترمى، وهذا ليس ظلما ولا ضيق أفق قطعا وإنما هو تعامل من يعرف ما يريد مع من لا يعرف ما يريد.

هذه الاتفاقات كما هي مع الأقليات العرقية والدينية هي استمرار لاتفاق مع أقلية اوليغارشية، وهذه الأقلية هي من الجيل الثاني الذي نسي أساس العقد الاجتماعي المؤسس لشرعيتهم، وهم بهذا يزيلون ارتكاز حكمهم وسيبقون بحاجة إلى دعم لن يستطيع الكيان أن يوفره لهم، كلمة تطبيع لا تتناسب مع وصف الحال .

فالتطبيع يكون بين جهتين في مجتمع واحد بغرض التكافؤ لواقع جديد، ممكن أن يكون بين الفلسطينيين والصهاينة بإعطاء حقوق ضمن دستور مفقود وقوانين غائبة.

استمرار القلق في الأقطار التي لا تعلن أو أنها لا تدخل ضمن ما يسمى بهذه العلاقات التي لا عوائد لها وبها بل هي كالسير على حبل السيرك أو رقص على رؤوس الأفاعي كما عبر عن طبيعة العمل السياسي في أجواء غائمة المرحوم علي عبد الله الصالح رئيس اليمن السابق.

هل يمكن تأسيس سلام على هذه الاتفاقات؟بعيدا عن الانفعالات الشعبية التي لا ينبغي الاستهانة بها وإنما لابد من معالجة أسبابها؛  وليس قمعها فإن مراد هذه الدول “المطبعة” ليس إلا الحماية من الداخل والخارج.

فقد قامت بمهام أكبر من حجمها، وربما تتصور أن هذا الاتفاق سيخلق جدار حماية لها من دول إقليمية كبيرة كإيران التي لا تشكل خطرا حقيقيا عليها قبل هذا الاتفاق وهي تعمل كأحد فصوص الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني، فحجج إشهار علاقات موجودة هي توظف السياسة المعلنة وربما تمهيدا لتفاهم مشابه مع إيران كما زعم وكرر ترامب إن ترجم كلامه بدقة.

ولم يضف الاتفاق شيئا لواقع الحال الفلسطيني الذي هو ثاني الحجج، فهذه النظم واقعا لم تهتم إلى إقامة معايشة حقيقية مع الفلسطينيين وإلا لضمنتها الاتفاقات بوضوح وإن كان مجرد إشهار؛ لأنها واقعا لا تمتلك تلك الرؤية الكبيرة والواسعة والكيان الصهيوني يدرك إن هذه الاتفاقات لا تساوي حبرها بأكثر من دعاية انتخابية لترامب ولشعبية نتنياهو. فالموقعون لا يعرفون على ماذا يوقعون، والتعاون للقضاء على الإرهاب من نظم جدلية في مسائل التآمر والقمع ولا ينظر لها واقعا إلا نظما وظيفية،  فلم ينظر إلى حقوق الفلسطينيين وحياتهم ولا إلى اليهود واستقرارهم وإنما كان مجرد توثيق لعلاقة خفية يحيطها القيل والقال والكلام.

فالكيان عملي جدا عندما لم يعط أي ميزة، فهذه النظم مصنفة من محيطها معزولة كأي فريسة  لهذا لا يعتبر رد الفعل رأيا عاما.
استمرار سياسة التعامل ودعم الأقليات الاوليغارشية لن يحقق شيئا ولا تطبيعا بل التحول إلى الاستقرار الاجتماعي وبناء وضع شعوب اقتصاديا وامنيا بما يليق بها عندها ستكون هنالك حلول مرضية لهذا الوضع والسلبيات التي نشأت من اتفاقات مع حكام تفاجئ الشعوب.

فدعم الأقليات لتبدي اضطهادا وتمردا للأكثرية لا يمكن أن يجلب استقرارا، وما لم ينعكس هذا الاتفاق على أوضاع المنطقة واستعادة هدوئها فالقادم لا يمكن أن يكون مسرا، فمن يعرف ما هي المشكلة هم الصهاينة والفلسطينيون أما الحكام فهم يخطبون حماية الولايات المتحدة لهم وهو ما لن يكون مضمونا، والولايات المتحدة لا تدرك وضع الشعب الفلسطيني وأهميته عند العرب والمسلمين، على الأقل الرئيس الأمريكي من خلال تصريحاته بدأ فهمه مضحكا (وشر البلية ما يضحك).

الخلاصـــة: من الواضح أن هذا الإشهار غرضه إعلامي لاثنين يعانيان من مشاكل داخلية أمام توابع هامشية تعاني من مشاكل داخلية وخارجية وتبتغي الحماية التي لاضمان ولا نية في تحقيقها، بل قد تترك لمصيرها في غليان المنطقة.

الأفضل النظر إلى دولة واحدة كونفدرالية ديمقراطية، إن كان الصهاينة يخشون النمو السكاني عند الفلسطينيين ،ويختار عاصمة أو عواصم إدارية لحين تحديد مصير القدس وترك الأمور لجيل آخر.

هذا ما يقوله من يسطح الموضوع ، لكن هذا الإشهار هو قضاء على كل الاتفاقات السابقة ومنها أوسلو وكل ما تلاها من تفاهمات حتى ما جرى بسرية فهي اتفاقية تخون الجميع، وحرب على المسلمين وتغول كبير ومستفز ولا يخدم الاستقرار بالمنطقة، انه قصر نظر ونقل الصراع لأجيال أخرى وتعميق لمآسي الشعوب، ويطلبون من الفلسطينيين الانصياع مثلما انصاعوا واتخذوا صفة العداء ضد عقيدة الأمة دينا وقيما، وبعقليات غير ناضجة تحتكم إلى العنف باسم السلام
ينبغي أن يبادر الكيان في تغيير جذي في سياسته في المنطقة ويتراجع عن هذه الخطيئة…
كونه مصدر الشر والمؤامرة سواء مباشرة أو بالإنابة عنه فلابد من عكس هذه المعادلة ويكون عقلانيا.
أن يحاول بناء مفاوضات جادة مع الفلسطينيين وتكوين منظومة تقوم على أساس من الثقة وليس الغدر والحيلة والصنائع، وجعل مصالح مشتركة ومصيرية.
الأفضل النظر بدولة واحدة كونفدرالية ديمقراطية، إن كان الصهاينة يخشون النمو السكاني عند الفلسطينيين ،ويختار عاصمة أو عواصم إدارية لحين تحديد مصير القدس وترك الأمور لجيل آخر.
التخلي عن إغفال الحقوق لأنها ستكون سببا في قلق دائم
إعطاء مرونة في القرار بما يمكن تسميته السياسة المستدامة، بان لا تحسم المواقف السلبية المختلف عليها وإنما إعطاء فرصة للحلول من الأجيال القادمة لتثبيتها.
إقامة الدولة لابد أن يكون حقيقيا ونموذجا نزيها يقنع الأمة المحيطة بجدواه
ما مذكور أعلاه ليس مطلبا أو أيدلوجيا وإنما فرصة للكيان ليصحح من وضعه قد لا تكون متاحة مستقبلا، بل لن تتاح مستقبلا مع هذه الفوضى ولعب الطفولة بأمر مصيري، وتغطية على سلبيات هذا الإشهار الذي يعتبره البيت الأبيض والكيان انتصار، لكنه واقعا ليس أكثر من كشف ورقة التوت فبات الناس أمام الناس عراة، مهما جمّله المطبلون، لهذا فلا ينبغي أن يولد غرورا لمزيد من الإيذاء للشعب الفلسطيني فتكون الغلطة كبرى.
إن الكيان جسم غريب ومصدر قلق، هذا ما يريده الكيان نفسه وواجب وظيفي كائن من كان مصممه، ففرض الأمر كواقع حال ولا يمكن أن يعطيه الشرعية لا مؤامرات أو إقلاق المنطقة ولا حكام حتى لو أتوا بآلية ديمقراطية؛ بل يحتاج إلى عقد اجتماعي محتمل، وتنازلات من قبله لا من قبل الفلسطينيين والعرب فهذا يعكس فهما مقلوبا للقضية، السؤال هل يريد هذا الكيان الحل وهو يرفع أوهاما أسطورية صدقها وهو يرى أن الأجواء الآن تسمح بذلك، لكن لا يرى تكرار هفوات التاريخ.                                                 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها