غزة من جرف لدحديرة

ألغت إسرائيل مساحة الصيد في بحر غزة تماما

غزة ليست كباقي المدن، فهي عبر التاريخ لم تنعم بسلام و لم تشعر بأمان، فغزة إبان الاحتلال الإسرائيلي و هي الفترة الأطول، كانت شوكة في حلق الغزاة.

في مطلع شهر يوليو تموز  2020، طالعتنا الأنباء الآتية من غزة، عن 4 حالات انتحار خلال أسبوع، كانت لثلاثة شباب و امرأة ، الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الرسمية و الشعبية، خصوصا بين أقارب و معارف الأشخاص الذين أقدموا على الانتحار وعزا  البعض السبب للوضع الاقتصادي.
اقتصاديا، غزة معدومة الموارد، بالنظر إلى حجم الموارد المتوفرة مقارنة بعدد السكان، فالموارد حاليا مقصورة على الزراعة و صيد الأسماك، أما الصناعة و السياحة و غيرها من الموارد فقد تم إعلان وفاتها مع الإنقسام و الحصار، مما يجعل من غزة ثقل على أي جهة تفكر في إدارتها.

ارتفاع نسبة البطالة في غزة

 

فما من فائدة مرجوة تجنيها من غزة، حتى حقول الغاز المزعومة على شواطئها، لن تستطيع أي جهة أن تستفيد منها بسبب معارضة إسرائيل لاستغلالها، كذلك فإن الفائدة المتوقعة من تلك الحقول ليست بالمطمع الكبير لشركات النفط و الغاز، كونها ستجلب الكثير من المشاكل لها بسبب وضع غزة القائم.

كل هذا يجعل غزة كتلة ثقيلة على من يديرها أو من يفكر في ذلك، فرابين رئيس الوزراء الإسرائيلي تمنى لو استيقظ من النوم و يجد غزة و قد ابتلعها البحر، و تحت عنوان (لو فيها خير ما رماها الطير) تم تمريرها للسلطة في صفقة اوسلو.

غزة التي تعاني تداعيات حصار ظالم منذ 14 عاما تقريبا، خاضت خلالها 3 حروب في أقل من 6 سنوات، و تعاني من انقسام سياسي، و عزلة دولية، دعك عن المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية التي ترتبت عن كل هذا، أضف إلى ذلك مشاكل ما قبل الانقسام و ما قبل أوسلو و ما قبل الانتفاضة.

و لتشخيص حالة كغزة فمن الظلم أن نحصرها في فترة معينة، أو نلقى بها على عاتق جهة ما، أو شخص بعينه، فما يحياه المواطن الغزي الأن هو تراكمات و ترسبات لمشاكل من عقود مضت و ليست وليدة اللحظة.

فغزة عبر التاريخ لم تشهد استقرارا قط، فقد توالت عليها الحروب و النكبات على مدار التاريخ، و لو سلطنا الضوء على تاريخها القريب و تحديدا لنعد ادراجنا لبداية القرن الماضي، نجد انها انتقلت من الحكم العثماني إلى الانتداب البريطاني، ثم للوصاية المصرية، ثم للاحتلال الإسرائيلي، فالسلطة الوطنية ليصل بها الحال لما وصلت اليه تحت حكم حركة حماس بعد حادثة الانقسام الشهيرة.

كل هذا حدث في فترة للا تتجاوز القرن، و غزة في عرف المدن مدينة صغيرة ، فغزة لا تتجاوز مساحتها ال 365 كيلو مترا مربعا، و عدد سكانها لا يتجاوز المليونَ نسمة، فلك أن تتخيل كيف يمكن لمدينة في هذا الحجم أن تتحمل كل هذه التبعات و التغيرات خلال تلك الفترة القصيرة.

فالانتقال من حكم لإنتداب ثم لوصاية فاحتلال، أثقل كاهل غزة و أهلها بتبعات جسام، و أورثهما تركة ثقيلة، يصعب على مدن عظيمة أن تحملها، فما بالك بمدينة صغيرة كغزة، فكل مرحلة عاشتها غزة كان لها أثرها و تبعاتها و تحدياتها على الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية فيها.

وصلت غزة الأن لأصعب عصورها، و أشدها فتكا، و اقساها شراسة، تتجرع آلام انقسام و حصار، و منع رواتب و سيولة، و تهديد وباء و جائحة عالمية، و تدفع أثمان عهود و عصور مرت و مضت

و غزة ليست كباقي المدن، فغزة عبر التاريخ لم تنعم بسلام و لم تشعر بأمان،  فغزة إبان الاحتلال الإسرائيلي و هي الفترة الأطول، كانت شوكة في حلق الغزاة، و كانت فوهة البندقية في وجه الأعداء و رأس الحربة في مقاومة المحتل، فمنها انطلقت شرارة انتفاضة 1987 لتنتقل و تمتد الي باقي مدن و قري و مخيمات الأرض المحتلة.

في عهد الوصاية المصرية تعرضت غزة للكثير من الاجتياحات و المجازر، كذلك زمن السلطة و هو الزمن الازهي لغزة في نظر أهلها، بالرغم من قصر فترته التي امتدت إلى 6 سنوات، تخللته بعض الأحداث الدامية.

و بسيطرة حماس عليها و بعد ١٦ عاما، خاضت خلالها ثلاث حروب شرسة مع إسرائيل، خلاف جولات الاشتباكات المتقطع بين الحين و الآخر، إضافة إلى فيروس كورونا الذي استطاع أن يجتاز الحصار المشدد عليها و غزاها و أصاب أبناءها فزاد الطين بلة لمحدودية الإمكانيات.
وصلت غزة الأن لأصعب عصورها، و أشدها فتكا، و اقساها شراسة، تتجرع آلام انقسام و حصار، و منع رواتب و سيولة، و تهديد وباء و جائحة عالمية، و تدفع أثمان عهود و عصور مرت و مضت، تظهر في الصورة وحيدة (تنتظر خبر السماء) أمام عالم أعمى و ابكم و أصم، يتجاهل معاناتها و يرقص على جراحها ويشاهد انطفاء ومض أبنائها و فلذات كبدها واحدا تلو الآخر، أما بانتحار و بحرق أو بغرق…غزة من جرف لدحديرة …

 

 

 

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها