البناء والهدم في مصر

جلست المواطنة المصرية تبكي على أنقاض منزلها المهدم رغم التزامها بقانون التصالح
جلست المواطنة المصرية تبكي على أنقاض منزلها المهدم رغم التزامها بقانون التصالح

 

من واجب الدول والحكومات وفقا لدساتيرها؛ بناء المساكن وتيسيرها لمحدودي الدخل و متوسطيه عونا لهم علي الحياة الكريمة.
 وقد كانت مصر سباقة في هذا؛  فمنذ اوائل الستينات قامت ببناء المساكن الشعبية والمتوسطة لتيسير هذه الضرورة: إعانة الشباب على الزواج، وتكوين الأسر وذلك حتى التسعينيات حين انحاز الرئيس المصري السابق حسني مبارك  إلي رجال الأعمال فمنحهم مساحات كبيرة من الأراضي بمبالغ زهيدة لإقامة المساكن الفاخرة والفلل والتجارة فيها.
 وبذلك فتح الباب واسعا للسماسرة و تسقيع الأراضي مما صعب فرص السكن علي محدودي الدخل و متوسطيه.
 فلجأ الناس إلى العشوائيات التي انتشرت بسرعة أمام سمع الحكومة وبصرها؛ 

ومع الزيادة السكانية المتصاعدة وضرورة التوسع في الإسكان ووصول الفساد في المحليات للركب كما صرح كبار المسؤولين أكثر من مرة دون أن يفكروا في حلول تواجه الظاهرة التي أخذت تتسع بشدة.

 أما في القرى فقد تركت لتحل مشاكلها بنفسها بالبناء على الأراضي الزراعية لزيادة الأسر وقلة الدخول (أكبر معدلات الفقر المدقع في القرى) إلى أن قامت ثورة 25 يناير ضد كل هذا التراكم لمشاكل المصريين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وكان شعارها: عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية .     
انقلب السيسي ومن معه من رجال الدولة العميقة على تجربة مصر الديموقراطية؛  التي كانت ضمانا للحفاظ على مقدرات الوطن وحقوق الشعب واتجه بسرعه لبناء عاصمة جديدة من مال الشعب ودمه لا يسكنها إلا الأثرياء ؛الذين تحوم حولهم كثير من الشبهات وتوالت هداياه لمؤيديه وداعميه من قيادات الحزب الوطني المنحل  والقيادات الجديدة من اللواءات والقضاة ورجال الأعمال .

اتهم عبد الفتاح السيسي ثورة 25 يناير بأنها السبب في اندفاع المخالفين نحو البناء على الأرض الزراعية.

حتي بانت سوءات كثيرة فاضطر النظام أمام تعقد المشكلة التي أهملها لعمل مشروع مصالحات مليء بالتعقيدات وليمكن السيسي وأنصاره من الانتقام من الشعب والانقضاض على الفقراء بالغرامات الباهظة والهدم والتدمير رغم أخطائه وفساد أجهزته ورشاوي المحليات التي غلب على قياداتها الضباط .
اتهم عبد الفتاح السيسي ثورة 25 يناير بأنها السبب في اندفاع المخالفين نحو البناء على الأرض الزراعية، وإهدار المساحات الكبيرة منها وبالمراجعة لتقارير هيئة حماية الأرض الزراعية الذي يثبت أن ما تم البناء عليه من 25 يناير 2011 حتى مارس 2018 هو 79 ألف فدان؛  وهو المعدل الطبيعي فقد كان في الفترة من 1983 وحتي مارس 2018 هو 400 ألف فدان حسب تصريح رئيس الوزراء مصطفي مدبولي .

فبذلك يكون 400 -79=321 ألف 321 ÷28 = 11,46 ألف فدان كل عام في حين بعد ثورة 25 يناير 90 ألف ÷9 =10 آلاف فدان فقط مع ملاحظة أن عدد المصريين في أوائل التسعينيات كان 50 مليونا فقط أما في 2019 فقد صار 100 مليون .

كما أن 90 ألف فدان تضم مساحات الأرض التي تم اقتطاعها بمعرفة الحكومة للشبكة القومية للطرق داخل الدلتا ومحطات الوقود ومحطات الخدمات للقوات المسلحة والتموين وأراضي السلاسل التجارية التي افتتحها السيسي بنفسه في طنطا والبحيرة والمنيا.

وما هو موقف الحكومة الآن من البيوت والشقق التي هدمها بدون سند من القانون أو مراعاة لأعراف الحياة والعدل وتعويضهم وإعادة الشيء إلي أصله ؟!

يزعم السيسي أنه يحافظ علي الرقعة الزراعية وهو هدف لا نختلف عليه لتوفير الغذاء لشعب كبير العدد لكن أين السيسي من هذا الهدف ؟!.. ألم تستول القوات المسلحة على أراض أصلحها الفلاحون في قنا وغرب المنيا وغيرها وتم بالقوة الجبرية للجيش ضمن مشروع المليون ونصف فدان وأين هو من الأراضي التي تم إنشاء شبكة الطرق عليها في الدلتا (طريق شبرا بنها وحده 40 كم اقتطع له وحده 1000 فدان ) وأين هو من أراضي الحزام الأخضر و الثورة الخضراء بمدينة 6 أكتوبر التي تم تحويلها إلى مبان لمصلحة الكبراء (محمود بدر حصل على 40 فدانا من أراضي مراكز البحوث الزراعية لبناء مصنع بسكويت)

أولى بالسيسي وحكومته أن يضعا للمواطنين إجراءات شفافة وموضوعية وأن يقضيا على الفساد والرشوة في المحليات التي يترأس غالبيتها ضباط كبار قبل الهدم والتدمير.
 ثم هذا الهدم والتدمير العشوائي لبيوت الفقراء في كل قري ومدن مصر والاستقواء بالجيش الذي بدل أن يحمي يدمر وبدل أن يبني للفقراء ويرعاهم يهدم بيوتهم ويطلب الغرامات التي لا تطاق ويكسر قلوبهم ويملأها غيظا وحقدا ..

 أولى به إن كان يريد الحفاظ علي الرقعة الزراعية؛  أن يستخدم قوة الجيش في إجبار إثيوبيا علي الحفاظ على حقوق مصر من المياه للزراعة وللشرب ولغيرها من الاحتياجات البشرية الطبيعية .
 ثم هل تصلح الأرض التي بنيت عليها أبراج وهدمت وتم صب مسلحات بها هل تصلح للزراعة مرة أخرى؟
 أم إن الهدف بعد الهدم والتدمير وابتزاز الفقراء.. أمر آخر وهو زيادة الفقراء فقراً والأغنياء غني وقمع هؤلاء الفقراء لكي لا يطالبون بشيء من العدل ويسألون إلي أين تسير قافلة الوطن ؟!
أمام غضب الشعب و فقرائه توقفت الحكومة وأعلن رئيسها أنها ستصلح من الإجراءات .. فهل ستتراجع الحكومة والجيش والشرطة عن طيشهم أم إنها لعبة علي المواطنين وهم بصدد إجراءات أخري تلتف حول رقاب الفقراء التي تضررت تماماً ؟!

 أولى بالسيسي وحكومته أن يضعا للمواطنين إجراءات شفافة وموضوعية وأن يقضيا على الفساد والرشوة في المحليات التي يترأس غالبيتها ضباط كبار قبل الهدم والتدمير.

وما هو موقف الحكومة الآن من البيوت والشقق التي هدمها بدون سند من القانون أو مراعاة لأعراف الحياة والعدل وتعويضهم وإعادة الشيء إلي أصله ؟!
إن العلل التي يتعلل بها النظام الهدام تفتقر إلى العقل والحكمة ، ففي الصحراء التي تصل إلى 95% من مساحة مصر متسع و1/3 قري مصر خلفها ظهير صحراوي يحل جزءا كبيرا من المشكلة.
 يزعم الجيش أنه يملكها دون أن يبين لنا من يزعمون ذلك أسانيد هذه الملكية أم إن الشعب خرج ولم يعد ؟!
ألا فليعلم الهدامون أن شعبنا سيعود قريباً ليدير أمره كما يشاء .
وليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها