هل يدل العلم على السعادة؟

صورة أرشيفية

كليات علم النفس لا تُعلم الطالبَ كيف يصبح سعيدا بل تركز في تعليمه على كيفية تشخيص وعلاج الاضطرابات و الأمراض النفسية ومواضيع أخرى بعيدة عن صنع البهجة.

هل يدل العلم على السعادة ؛أو بعبارة أخرى هل أثبت العلم أن اتباع طريقة معينة أو اعتماد سلوكيات محددة يرفع من مستوى السعادة لدى الإنسان؟
الجواب نعم !و لكن قبل الدخول في التفاصيل لنتفق على المقصود بكلمتي علم وسعادة.

أولا بالنسبة إلى السعادة، فإن المجال الجديد في علم النفس المهتم بذات الموضوع، لا يقف عند تعريف  معين لكثرة التعاريف من جهة و لأن الأهم من وجهة نظره، هو تصنيف الإنسان نفسه لنفسه و تقييمه لحاله، اعتمادا على استبيانات، بحيث  يكون هذا المنطلق والبداية لرحلة يكتسب خلالها ما يرفع مستوى السعادة لديه.

أما بالنسبة للعلم  فالمقصود العلم القائم على التجربة و قبله العلم المبني على  الاستقصاء و الإحصاء. للتوضيح  و بشكل تطبيقي لو أن فريقا علميا أراد القيام ببحث يهدف من خلاله معرفة عادات السعداء،  فقد يبدأ بتقديم استمارة إلى عينة من الناس تتضمن اسئلة بعضها حول مستوى السعادة و أخرى حول العادات اليومية أو الإسبوعية.

ثم و بعد الحصول على النتائج يقوم بمعالجتها ليتمكن من تقدير عدد و نسبة السعداء و كذلك تحديد العادات الملاحظة عند أغلبهم.

السعادة

 

تمثل هاتان الخطوتان  الاستقصاء(الأستمارة) و الإحصاء (معالجة المعطيات) يطلّ هنا سؤال منطقي عن علاقة هذه العادات بالسعادة أهي التي أنتجتها أم أن العكس هو الصحيح و أن السعادة هي التي تجعل الناس يكتسبون مثل هذه العادات، حلّ هذه المسألة يستدعي التجربة.

فمثلا سيحدد الفريق العلمي إحدى العادات الأكثر حضورا، انطلاقا من الدراسة السالفة، ثم يطلب من أناس لديهم مستوى متدنّي من السعادة ممارستها (العادة) لمدة محدّدة مع المتابعة و تسجيل أي تطور قد يطرأ على مستوى سعادتهم.

إن اتضح أن مستوى سعادة المشاركين ارتفع في آخر هذه التجربة يمكن إذن الخلاصة إلى أن لهذه العادة تأثير إيجابي على مستوى السعادة.
بمثل هذه الدراسات  بدأ توجه جديد في علم النفس مسيرة الهدف منها معرفة ما يؤثر على سعادة الإنسان و أي الطرق تؤدي  لحياة “تستحقّ فعلا أن تعاش”، سمّي هذا التوجّه بعلم النفس الإيجابي.

كليات علم النفس لا تعلّم الطالب كيف يصبح سعيدا !بل تركّز في تعلّيمه على كيفية تشخيّص وعلاج الاضطرابات و الأمراض النفسية ومواضيع أخرى بعيدة عن صنع البهجة و جلب الغبطة …

ولد علم النفس الإيجابي رسميا على يد مارتن سيلجمان رئيس الجمعية الأمريكية لعلم النفس سنة 1998، مارتن سيلجمان عالم النفس الذي كان معروفا قبل هذا التاريخ بأبحاثه وتجاربه المشهورة حول الاكتئاب و المسببات لهذه الآفة الخطيرة.

فما الذي جعله عندما تولّى رئاسة جمعية من بين الأعرق و الأقوى عالميا في تخصصها؛ أن يعطي انطلاقة توجه جديد، مخالفا  بذلك لما كان معروفا و مهتمّا به من قبل.

الإجابة عن هذا السؤال تأتي على لسان العالم نفسه وفي كتبه عندما يروي ما وقع بينه و بين ابنته الصغرى بوصفها له، بعد أن صرخ في وجهها، بحادّ الطّبع و صاحب المزاج السّيء.

لابدّ من التذكير هنا أن الطفلة تصف أباها بهذا الوصف و هو الأستاذ الجامعي و المعالج النفسي و الباحث المشهور، كل هذا لم يجعل عالمنا يدخل السعادة إلى بيته؛ بل لم يجعله هو نفسه إنسانا سعيدا باعترافه، لماذا إذن ؟

لأن هذا هو طبع عالمنا من جهة، و الكلام له دائما، و لأن كليات علم النفس التي أمضى فيها عمره لا تعلّم الطالب كيف يصبح سعيدا !بل تركّز في تعلّيمه على كيفية تشخيّص وعلاج الاضطرابات و الأمراض النفسية ومواضيع أخرى بعيدة عن صنع البهجة و جلب الغبطة …

كان إذن تقلّده المنصب الأول في الجمعية الأمريكية لعلم النفس فرصة لتصحيح الوضع وإعطاء انطلاقة “توجّه جديد “لعلم نفس “يدرس جوانب القوة في شخصية الإنسان ليعينه على مواجهة الضغوط وحل المشكلات وتحقيق الوجود الأفضل”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها