أصالة .. “عاللى جرى” للفن العربي

عمر المختار والسيسي في فيديو كليب لأصالة

عاللي  جرى من مراسيلك عاللي جرى
بس أما تيجي وأنا احكيلك عاللي جرى
بهذه الكلمات تغنت الفنانة السورية أصالة ذات يوم ولعلها إحدى أكثر الأغاني التي ساهمت في شهرتها ونجاحها.
غير أن الزمان جرى وهرب بالفنانة ذات الصوت الشجي من معشوقة الجماهير إلى عاشقة الديكتاتوريات.
فسخطت عليها قلوب المعجبين وهاجمتها ألسنتهم وكتاباتهم؛  والسبب أن أصالة أضاعت كل شيء جميل في فنها، حتى ذهب صوتها في أغنية متوسطة الألحان كاذبة الصور والدلالات ؛ غاب فيها الفن وصعدت السياسة .
الذي جرى وحدث أن أصالة في لحظة حاولت المزيج بين النقيضين بين الديكتاتور القاهر لشعبه المتسلط عليهم، الذي تمتلئ سجونه بالمظلومين ، بل وتلخطت يداه بالدم ..

وبين من خرج من رحم الشعب ليدافع عن الشعب وحق الشعب في تقرير مصيره، بل وجاهد وقاتل وقتل إعداما على يد أعدائه الطليان، فرحل جسد المختار وبقيت سيرته يحكيها الليبيون جيلا وراء جيلا : نحن شعب لا نستسلم نموت أو ننتصر بها اختتم حياته وظل الناس يرددونها على لسان عمر المختار شيخ الجهاد الليبي والعربي .
فأي مزيج بين الرجلين وأي مقارنة؛وماذا حقق الرئيس المصري الغالب بحكم القوة العسكرية من إنجازات وبطولات حتى توضع صورته إلى جانب عمر المختار؟ 
أي رسالة غير منطقية تحدثت عنها أغنية الحب والسلام ؟
أتلمح أن الرئيس المصري سيحرر ليبيا من الليبيين، ومن حكومة شرعية اعترف بها العالم بأسره وبالتالي، فالسيسي مجاهد كعمر المختار ضد الاحتلال الإيطالي .

فأي مزيج بين الرجلين وأي مقارنة؛وماذا حقق الرئيس المصري الغالب بحكم القوة من إنجازات وبطولات حتى توضع صورته إلى جانب عمر المختار ؟

ولم تقف المطربة التائه عند هذا الحد بل أظهرت الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات رمزا للسلام.
 والسادات يوحي للسلام والسلام يدل على كامب ديفيد ، وما ترتب عليها من قنوات التطبيع مع الكيان الغاصب المحتل ، فهل قصدت أصالة ذلك ؟تساءل مهاجموها المعجبون بالأمس الغاضبون اليوم.

الذي جرى على   لأصالة جرى على غيرها ، فقد سقط قبلها فنانون من عشاق الديكتاتوريات؛فتلك إلهام وملهما بشار الأسد ، وهذا صبحي يفدي الديكتاتور بأبنائه ، وهذه ماجدة الرومي تغني لبن سلمان بعد أيام من فضيحة الجثة المقطعة في قنصلية إسطنبول .
وغيرهم كثر بين ممجد ومبارك للدماء ، ومن يقود الثورات المضادة واحتفالات التبجيل والتعظيم الصاخبة ويرقص في ميدان المجازر على أشلاء دماء لم تجف بعد .

المطربة السورية أصالة

وحتى  صاحبة السعادة التي كنا نظنها بعيدة عن السياسة ببرنامجها الفني الاجتماعية ، أخرجت سموما من قلمها ، فكتبت إسعاد وحذفت بعد هول الضربات والانتقاد.. عن الفلاحة الريفية ذات الشكل القميء حسب وصفها، التي طردت من المنزل بالشبشب على حد قولها
لقد بثت إسعاد يونس الفنانة والمذيعة كل ضغينة وعنصرية في مقال أقل ما يقال عنه أن عنصري ، فسقطت هي الأخرى على شاكلة أصحابها  من الفنانين ونجوم المجتمع الذين يتقاضون الملايين في وقت يحتاج فيه العالم من ينقذه من جائحة ألمت به ، والمفارقة أن راتب الفنان الذي يسخر من شعبه ويحتقره؛ عشرات أضعاف راتب الطبيب المقصود بابه في هذا الزمن بحكم الكورونا.

إننا جميعا نعرف أن الفن ليس حقيقة ونعلم أنه كذبة ولكن تلك الكذبة تجعلنا ندرك الحقيقة ..
يحاكي قصصنا و أوجاعنا يألمنا ويجعلنا ندرك حقيقة واقعنا، نعلم أن الفنان يمثل وأن المغنية تردد كلمات مكتوبة لها، ولكننا نتفاعل مع ما يلامس وجداننا ويحاكي واقعنا .

في إسبانيا وفي القرن العشرين  كان هناك فنان عظيم  يدعى بابلو بيساكو سئل ذات يوم عن الفن والفنانين فقال كلمته الشهيرة : إننا جميعا نعرف أن الفن ليس حقيقة  ونعلم أنه كذبة ولكن تلك الكذبة تجعلنا ندرك الحقيقة ..
أجل تقمص الفنان أمام الكاميرا لدور يحاكي قصصنا و أوجاعنا يؤلمنا ويجعلنا ندرك حقيقة واقعنا ، نعلم أن الفنان يمثل وأن المغنية تردد كلمات مكتوبة لها  ولكننا نتفاعل مع ما يلامس وجداننا ويحاكي واقعنا .
إن الفن كان رسالة عظيمة قبل أن تخطفه السياسة والساسة ، بل يخطفه المستبدون كما خطفوا كل شيء من شعوبهم حق الاختيار و العيش والحرية وحتى حق مشاهدة ما يحبون ويسمعون
لو تعرفون وتعرف أصالة أنها  ستسقط، لما تغنت به واعتذرت عن تلك الكلمات العابرة ولغضبت لشعبها وشعوبنا المقهورة بفعل من تغنت لهم.  فقد كانت تصارع من البداية لكي تنجح وتشتهر ويخشى أن تكون هذه النهاية .. فالمشكلة الحقيقة في الفن كما يقول بيساكو
هي تظل فنانا عندما تكبر  وتشتهر وترهن نفسك للأنظمة .

 الذي جرى أنهم اختطفوا الفن والصوت الشجي كما اختطفوا كل شيء من شعوبهم ، قوتهم وحياتهم وحريتهم وحتى ذوقهم وفنهم وصوتهم

فمن يبلغ أصالة وغيرها  أن الحب والسلام والديكتاتورية والاستبداد لا يجتمعون ..
من يبلغها أن المجاهد لا يجلس بجانب الجلاد، وأن البطولة الحقيقية لا تصنعها الأغاني والكاميرات بقدر ما تصنعها أفعال الرجال وصنيعهم ، وأن التاريخ يمجد الأبطال فقط فهم من صنعوه.
من يبلغها أن صورة عمر مختار كانت كبيرة جدا على السيسي وأنها أخذت كامل المساحة منه ومن غيره؟
من يبلغ أصالة الجالسة في فيلا والتي تمتلك الملايين والأرصدة في البنوك ، أن هناك ملايين لا يجدون قوت يومهم بسبب تلك الأنظمة المستبدة وأن هناك غيرهم شردوا من أوطانهم ، فمنهم من قتل ومنهم جرحى ومنهم غارقون..
من يبلغ أصالة وغيرها من المستكبرين أن هناك شعوبا تعيش معهم على هذه الأرض ولها حق الحرية والاختيار ولا يحق لأحد احتكار ذلك الحق؟
أتمنى أن تفيق أصالة من سباتها وتعتذر لجمهورها فقد تكون لا علم لها بالذي جرى منذ أن صعد السيسي على ظهر الدبابة لسدة الحكم في مصر أو بما فعله حليفه المهزوم خليفة حفتر في ليبيا ، أو بما فعله السادات وغيره .. فقد كانت إلى يوم قريب تعارض فعل الأسد الروسي البعثي بشعبه ، وقد فعل ما عجز عنه كل الديكتاريين من قبله .
إن الذي جرى وحدث أنهم اختطفوا الفن والصوت الشجي كما اختطفوا كل شيء من شعوبهم ، قوتهم وحياتهم وحريتهم وحتى ذوقهم وفنهم وصوتهم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها