هل تحدد رجاء الجداوي مصير “كورونا” في مصر

من السهل الآن على كل قارئ للأحداث فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة؛ أن يحدد بالتفصيل أسماء تلك الدول التي قررت أن تضع أعمار مواطنيها في قمة أولوياتها والأخرى التي قررت غير ذلك.

في ٢٣ أبريل الموافق الأول من شهر رمضان، أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية عن تقريرها اليومي والذي تضمن ٢٣٢ من الإصابات الجديدة و ١١ من الوفيات ليشمل إجمالي الإصابات حتى يومها حسب الأرقام الرسمية ٣٨٩١ وإجمالي الوفيات ٢٨٧ حالة وفاة بسبب وباء الكورونا.

وفي نفس اليوم بدأت القنوات الفضائية في عرض أولى الحلقات من مسلسلات رمضان بينما كان ولا يزال العمل يدور على قدم وساق لاستكمال تصوير ماتبقى من مشاهد في تلك المسلسلات.

وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات  لأماكن تصوير تلك المسلسلات يظهر فيها بوضوح التجمعات المكثفة من أطقم العمل؛ دون أي مراعاة لأي إجراءات احترازية حقيقية، ودون مراعاة للتباعد الاجتماعي الموصي به؛ والذي يصعب بالتأكيد الحفاظ عليه في مثل هذة النوعية من الأعمال بالطبع.

وعندما تم الإعلان عن أن وباء كورونا أصبح جائحة عالمية في نهاية فبراير ٢٠٢٠ أعلنت معظم الدول عن إيقاف جميع الأعمال غير الأساسية في كافة أرجاء البلاد..

واقتصر العمل في تلك الدول على الوظائف الأساسية والضرورية أثناء الأغلاق الكامل أو الحظر الشامل؛ كالمستشفيات وأقسام الشرطة ودور الرعاية ومحال المواد الغذائية والصيدليات؛ وكذلك المرافق الهامة كمحطات المياه والغاز والكهرباء وتم حث المواطنين على البقاء في المنزل لأطول فترة ممكنة وعدم الخروج إلا لشراء الاحتياجات الأساسية فقط .

بل إن بعض الدول قامت بالاستعانة بقوات من الجيش لفرض حظر التجوال الكامل على المواطنين …

لم تكن المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية من ضمن الأعمال الأساسية بالطبع وتوقفت استوديوهات هوليود تماما عن العمل لمدة ٣ أشهر كاملة، وهي التي لم تتوقف عن العمل يوما واحدا منذ إنشائها في بدايات القرن الماضي.

ولاشك أن رؤية الدولة للمشكلة و لحلولها هي التي تحدد إستراتيجيات تلك الدولة في التعامل معها …

فلو قررت الدولة أن أولوياتها هي حياة مواطنيها و الحفاظ على صحتهم فستتخذ كل الإجراءات  اللازمة لذلك، حتي لو اعتبرها البعض قاسية أو مجحفة لبعض الفئات التي قد تُضار بتلك الإجراءات …

فريق عمل مسلسل لعبة النسيان أخر أعمال الفنانة رجاء الجداوي

 

ولو قررت الدولة أن مواطنيها وصحتهم ليست من ضمن أولوياتها في الوقت الحالي، فقد تلتفت إلى أولويات أخرى كالاقتصاد أو المحافظة على رؤوس الأموال أو حتى لحساباتها السياسية وما يستتبعها من بروباغندا إعلامية لكي تبدو  على غير الحقيقة؛ أنها تقف على أرض ثابتة ولن تهتز بأوبئة أو بكوارث…

من السهل الآن على كل قارئ للأحداث في خلال  الأشهر  الأربعة  الأخيرة؛ أن يحدد بالتفصيل أسماء تلك الدول التي قررت أن تضع أعمار مواطنيها في قمة أولوياتها والأخرى التي قررت غير ذلك.

عندما قررت الدولة المصرية ممثلة في حكومتها أن تستكمل تصوير المسلسلات الرمضانية والتي يشرف على أنتاجها أجهزة سيادية ، وفي نفس التوقيت تقريبا قررت الحكومة الإعلان عن تزايد أعداد كورونا وقامت إعلان حظر التجوال ولو شكليا  من الثامنة مساءا وحتى السادسة صباحا

هو ما يعني إعلانا ضمنياً بأن الأوضاع تحت السيطرة، وأنها تسبق الوباء بخطوة. كما منحت تصريحات مسؤولين حكوميين وقتها شعورا زائفا  للمواطنين  بالأمان وأنه لا ضير من النزول والاختلاط والتجمع في الأسواق وأمام المصالح الحكومية

وهو بالتأكيد ماتسبب في زيادة أعداد الإصابات والوفيات من جراء فيروس كورونا

كما ظهر في الأرقام المعلنة رسمياً بداية من منتصف رمضان وحتى يومنا هذا … وبذلك تصبح الدولة شريكة ولو بطريق غير مباشر في قتل مواطنيها والتأثير على صحتهم.

قررت الدولة المصرية ممثلة في حكومتها أن تستكمل تصوير المسلسلات الرمضانية والتي يشرف على أنتاجها أجهزة سيادية ، وفي الوقت الذي تتزايد به أعداد كورونا وتعلن الحكومة الحظر

نقطة أخرى تخص مافعلته معظم دول العالم من أجل حماية الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الوباء كالمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة أو مرضى الأورام ، وأمراض المناعة …

نجد أن تلك الدول قامت بالتشديد على عزل تلك الفئات تماما في المنازل وفي دور الرعاية وفي سبيل ذلك دفعت بحزم كبيرة من وسائل الدعم لإيصال الطعام والدواء إلى منازلهم واستبدال العيادات الطبية بالاستشارات التليفونية …

كما منعت كثير من الدول اصحاب الاعمال من الاستعانة بكبار السن فوق الـ ٦٠ عاما للذهاب إلى العمل حرصاً عليهم ولحماية الأنظمة الصحية من الانهيار من جراء تزايد أعداد الإصابات من تلك الفئات العمرية التي قد تحتاج أكثر من غيرها لأسرة الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي والرعاية الصحية المكثفة …

وهو مايدفع أيضا إلى التساؤل عن دور الدولة التي سمحت لمنتجي المسلسلات الرمضانية بالاستعانة بالممثلين كبار السن كالفنانة  رجاء الجداوي التي تبلغ من العمر ٨٢ سنة.

ربما من الظلم أن نحكم على القرارات الشخصية لأي إنسان بدون معرفة كافة الظروف والمعطيات التي دفعته الى اتخاذ تلك القرارات ولكن لاشك أن وفاة الفنانة رجاء الجداوي، قد دقت ناقوس الخطر وبشدة عما يحدث في مصر، وخاصة بعد ما أثارته إصابتها من اهتمام في وسائل الإعلام وعلى السوشيال ميديا وحتى بين المواطنين العاديين في البيوت والشوارع …

لاشك أن وفاة الفنانة رجاء الجداوي، قد دقت ناقوس الخطر وبشدة عما يحدث في مصر، وخاصة بعد ما أثارته إصابتها من إهتمام في وسائل الإعلام وعلى السوشيال ميديا وحتى بين المواطنين العاديين في البيوت والشوارع …

وربما تدفع وفاتها الكثير من المواطنين  الذين لم يعيروا الكثير من الانتباه لأرقام الإصابات والوفيات المتزايدة إلى التفكير أن هذا الوباء لم يعد يبعث على الهزار أو التهريج بل أصبح حقيقة واقعة وأن ما تصرح به حكومته من سيطرة على الوباء لن يحميه إذا اقترب هذا المرض منه شخصيا أو من أسرته …

وربما قد يدفعه ذلك التفكير إلى الحرص على وسائل لحمايته كارتداء الكمامات أو التباعد المجتمعي كما يحدث في الدول الغربية.

وهو ما يحافظ على معدلات إصابة ووفيات منخفضة حتى الآن رغم إنهاء إجراءات الإغلاق الكامل والحظر فيها.

بالتأكيد فشل رهان الحكومة المصرية على وعي الشعب … وبالتأكيد فشل رهان الشعب على وعي الحكومة … و بكل التأكيد أيضا لن يفشل رهان أي إنسان على رحمة الله وحكمته …

وربما تكون رحمة ربنا وحكمته أن يجعل وفاة رجاء الجداوي وآخرين كثيرين – رحمة الله عليهم جميعاً – الصفعة التي قد تفيق المجتمع وترده إلى تصحيح مساراته واسترداد وعيه الغائب… وهذا هو الرهان الوحيد المتاح حاليا في ظل التوقعات شبه المؤكدة بموجات متتالية من الوباء أشد قسوة وألما.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها