البروباجندا والتّلاعب بالوعي

السيسي (يمين) كان قد أعلن من قبل عن تأييدة الكامل للرئيس الأمريكي في صفقة القرن

يقول إدوارد بيرنيز: “لو أنّنا فهمنا آليات العقل الجماعي ودوافعه، أليس من الممكن السّيطرة على الجماهير، وإخضاعهم لنسقٍ موحدٍ حسب رغبتنا دون أن يدركوا ذلك“!

إدوارد بيرنيز هو عالِم الدّعاية والإعلام الأول، وأبو العلاقات العامّة الذي غيّر وجه التّاريخ بترسيخ قواعد فكرة البروباجندا الدعائيّة أو ”الخداع الإعلامي“, فما هي البروباجندا؟ ومن هو بيرنيز؟ وما مدى تأثير البروباجندا على سلوك الجماهير والرأي العام؟

البروباجندا والدعايّة والتّرويج والتّبشير؛ كلمات مترادفة لمعنى واحد، وهو نشر المعلومات بطريقة موجّهة أحاديّة المنظور، تتضمن مجموعة مركّزة من الرسائل بهدف التّأثير في أراء وسلوك أكبر عدد من الأشخاص.

وهناك من عرّف البروباجاندا على أنها تكتيك مدروس للضغط الاجتماعي؛ الذي يميل إلى خلق جماعات في بناء نفسيّ أو اجتماعيّ موحّد عبر تجانس في الحالات العقليّة والعاطفيّة للأفراد موضع الاعتبار.

والبروباجندا تستعمل عادة بالمفهوم السلبي، والمقصود بها الخداع أو الكذب؛ لاعتمادها على ذكر حقائق مجتزئة أو كاذبة أو مبالغ فيها، وغالباً ما تلعب على وتر العاطفة والمشاعر لدى الجماهير دون العقل.

وهي ضد الموضوعيّة والمصداقيّة والشفافيّة، وتهدف لإحداث تأثيرات على المُتلقين لتأييد مواقف معينة أو تعديل توجّهات وسلوكيّات محدّدة، أو تغيير آراء وقناعات راسخة.

ولم تعد البروباجندا تعمل بنفس الآلية الذي كانت تعمل فيه في السابق؛ حيث ارتبطت سابقاً بالأكاذيب وتوظيف الاستمالة  العاطفيّة، والابتعاد عن الدلائل العقليّة والمنطقيّة.

الدعاية السوداء، هي الدّعاية التي تَستتر فيها أهداف رجل الدعاية وهويته والمصدر، فغالباً لا يظهر له تأثير مباشر.

وأكثر ما ساعدها على النّفاذ إلى عقلية المتلقي وقتها؛ بساطتها وبساطة المجتمعات؛ المُهيّئة لزيادة التعقيد والتشابك، وتبدل المفاهيم وزيادة الوعي -سواء الفردي أو الجماعي بتقادم الوقت.

ومع تنامي وسائل الاتصال وظهور عصر ما يسمى بتفجّر المعلومات؛ وجدت البروباجندا نفسها مأزومة في بيئة تتميز بوفرة المعلومات والمصادر وتنوعها كماً ونوعاً، فخلقتَ لنفسها محوراً جديدا استطاعت من خلاله إعادة تموضع ذاتها بما يتناسب والمعطيات المُستجَدّة، حفاظاً على سيرورة عملها وتماسكها أمام التّحدّيات الكثيرة .

فاعتمدت البروباجندا في السابق اعتماداً كلياً على شخصيّة رجل الدعايّة الذاتيّة وتطلعاته الفرديّة، ومهاراته الشخصيّة.

أما اليوم فهي تعتمد بالأساس على تحليلات ودراسات علميّة دقيقة، ومعادلات واستدلالات عقلية ومنطقة.

وهناك من قسمها إلى أقسام ثلاثة؛ البيضاء والسوداء والرمادية، أما البيضاء في التي يظهر فيها هدف رجل الدعاية جلياً، ويبرز شخصه وقناعاته فيها بشكل واضح؛ممارساً التأثير على المتعرّضين للدعاية منتظراً استجابة مباشرة.

أما السوداء فهي الدّعاية التي تَستتر فيها أهداف رجل الدعاية وهويته والمصدر، فغالباً لا يظهر له تأثير مباشر.

أما الرماديّة، فهي التي تكون فيها الدّعاية بين البيضاء والسوداء حيث تخفي ضمن خطابها المُعلَن أموراً أخرى مستترة.

ومن أهم آليات عمل البروباجندا في تحقيق أهدافها أساليب كثيرة منها التّعزيز والمحاصرة والتّوجيه والتّكرار والاعتماد على الاتصال الشخصيّ أكثر من الاتصال الجمعيّ والجماهيريّ لقوة تأثيره المباشر وزيادة فعاليّته على المُتعرّض.

يعتقد بيرنيز أنّ إعادة صياغة الجمهور أسهل وأقل تكلفة من تحسين جودة المُنتج أو الأفكار وتغييرها وبالتالي فإعادة تشكيل الوعي، يعتبر  ذكاءً وفناً ومهارةً لا يتقنها إلا القلّة من الناس.

وتستخدم البروباجندا في السّياسة بمعنى التّرويج، وفي الاقتصاد بمعنى الدعايّة، وفي الدّين بمعنى التّبشير، وهناك من وصفها بأنها الخداع المُتعمّد الذي يهدف إلى التّسفيه، والتّلاعب بالوعي وبرمجة العقول والجمهور.

وأول من استحدث مصطلح البروباجندا هو اليهودي الأمريكي ”إدوارد بيرنيز” الذي ينحدر من أصول نمساوية، فحمل نظريات خاله عالم النفس “سيغموند فرويد“، وتأثر به تأثراً شديداً في مجال برمجة الجمهور وإعادة صياغته عن طريق غرائزه ودوافعه اللاعقلانية بما يتفق مع مصالح النخب الأكثر حكمة وتعقلا!

ويقول الكاتب أحمد فهمي في كتابه ”هندسة الجمهور”؛ تحول بيرنيز إلى ظاهرة وتكالبت عليه كبرى الشركات الأمريكية طلباً لمشورته أفكاره، كما أصبحت الحكومة الأمريكية من زبائنه.

وصنّفته بعض المحافل الغربية ضمن “الشخصيات الألف” الأكثر تأثيراً في تاريخ الإنسانية.. حيث كان يعتقد بيرنيز أنّ إعادة صياغة الجمهور أسهل وأقل تكلفة من تحسين جودة المُنتج أو الأفكار وتغييرها.

وبالتالي فإعادة تشكيل الوعي والاتجاه والتلاعب بالعقول؛ يعتبر في عقيدة بيرنيز ذكاءً وفناً ومهارةً لا يتقنها إلا القلّة من الناس.

وتدريجياً انتشرت أفكار بيرنيز في الغرب والشرق بشكل كبير لفاعليتها بالرغم من ابتعادها عن بنية القيم والأخلاق.

ومن هذا المنطلق نستطيع القول بأن الاعتقاد بوجود إعلام محايد ونزيه وموضوعي؛ في الوقت الراهن- لا يعد سوى ضرباً من الخيال، وليست إلا مقولة سفسطائية تم توظيفها من قبل أصحاب المصالح لكسب نظرة تقديرية محترمة تجاه الإعلام.

البروباجندا في السّياسة بمعنى التّرويج، وفي الاقتصاد بمعنى الدعايّة، وفي الدّين بمعنى التّبشير، وهناك من وصفها بأنها الخداع المُتعمّد الذي يهدف إلى التّسفيه، والتّلاعب بالوعي وبرمجة العقول والجمهور

ومهما ارتفعت مستويات مصداقية الوسائل الإعلامية سواء المكتوبة أو المسموعة أو البصرية؛ لا يخلو الأمر من وجود عوائق تحول بينها وبين الحرية المطلقة في تحرير وإنتاج المواد والمضامين.

فإن الواقع يقرّ بأن المهمة الحقيقية للإعلام اليوم، ليست إلا إعادة تشكيل الوعي وإعادة تغليفه، والسيطرة عليه بكافة الوسائل، تحقيقاً للأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يتنافى مع المبادئ والقيم والأخلاقيات في جميع المجتمعات والشرائع السماوية.

من هنا لا بد من التنبه لخطورة البروباجندا، والوعي بمدى قدرتها على السيطرة على الرأي العام وعلى الجماهير خاصة في وقت الأزمات الكبرى.

وتقع هذه المسؤولية بالدرجة الأولى على قادة الرأي في المجتمع والمتخصصين الإعلاميين وعلماء الاجتماع والنفس والمثقفين.

فالسيطرة على العقول باستخدام سياسة البروباجندا تحتاج سياسة البروباجندا المضادة “الكاونتر بروباجندا“ الدفاعية والهجومية في نفس الوقت تحريراً للعقول.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها