فطرة الإيمان وطبيعة الإنسان

تأملات الأطفال

يؤكد خبراء علم النفس والتربويون أن الإيمان هي السجية الطبيعية للأطفال وأن الإلحاد موقف مكتسب دخيل على الفطرة.

احتدم الصراع كثيراً بين الماديين والمؤمنين حول فطرة الإيمان وطبيعة الإنسان، رغم أن الإسلام قد حسم هذا الخلاف بوضوح في أكثر من نص قرآني ونبوي ومنها قول الحق عز وجل” فَأَقِم وَجهَكَ للدِّين حَنِيفًا فِطرَتَ الله التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيها “، “وإذ أخذ ربُك مِن بني آدم مِن ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين”.

وجاء في الحديث المتفق عليه: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه”.

كما جاء في الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: “إني خلقت عبادي حنفاء، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم” .

وقد عبر فلاسفتنا قديماً على دليل الفطرة على الإيمان بالله بمصطلح ” واجب الوجود” وفي حياتنا الكثير من التصرفات والمواقف لا يتم البرهنة عليها إلا بالشعور الفطري كما يبرر العلم انسياق الطفل الفطري إلى الرضاعة من أمه؛ تحركه نوازع الفطرة والشعور بالحاجة إلى الشيء، دليل على وجوده مثل دلالة الشعور بالعطش على وجود الماء.

والإنسان ينساق بفطرته إلى تقرير الإيمان بالله، كما يرافقه شعور الإحساس بالحاجة إلى الله والإحساس بوجود واجب الوجود كقوة خالقة ومدبرة.

وإذا كان الدين قد أكد هذه الحقيقية الفطرية الراسخة في وجدان الإنسان وطبيعته؛ فإن الكثير من الفلاسفة الذين لم يتنكبوا للفطرة أقروا بسلامة وحقيقة هذه الفطرة الإيمانية؛ فهذا الفيلسوف الأمريكي ألفين بلانتنجا يؤكد أن ”الإيمان شعور فطري، وأن الاعتقاد في وجود الإله مثل الاعتقاد في مفاهيم أساسية أخرى، كالاعتقاد بأن للآخرين عقولا كعقولنا، والاعتقاد في صحة حواسنا، والقول بأن الكل أكبر من الجزء”. وحاول الفلاسفة التعبير عن هذا الشعور الفطري بوجود الله بتعبيرات مختلفة، أشهرها القوة المدركة والروح المطلق عند هيجل.

عبر فلاسفتنا قديماً على دليل الفطرة على الإيمان بالله بمصطلح ” واجب الوجود” وفي حياتنا الكثير من التصرفات والمواقف لا يتم البرهنة عليها إلا بالشعور الفطري كما يبرر العلم انسياق الطفل الفطري إلى الرضاعة من أمه

وما يقرره الدين ويؤكده فلاسفة الإيمان عن فطرية الإيمان تؤكده الكثير من الدراسات الميدانية التي تتبعت إجابات بعض الأطفال وبعضهم ولدوا لآباء ملحدين وأكدت إجاباتهم أن الإيمان بالله هو الموقف الافتراضي للأطفال.

ولهذا يؤكد خبراء علم النفس والتربويون أن الإيمان هي السجية الطبيعية للأطفال وأن الإلحاد موقف مكتسب دخيل على الفطرة.

كما أكدت ذلك أوليفيرا بتروفيتش الباحثة في جامعة أكسفورد: قسم علم النفس التجريبي، وكما أشارت الباحث جون ديكسون إلى دراستها التي أكدت أن الإيمان بخالق هو الموقف الافتراضي للأطفال. وكانت صحيفة التليغراف البريطانية قد نشرت في 2008 نتائج بحث أكاديمي عن الأطفال بعنوان: “Children are born believers in God” أو “الأطفال يولدون مؤمنين بالله”! توصلت فيه الدراسة إلى أن الإيمان الديني للأطفال إيمان فطري!

في بعض الدراسات التي طبقت على مجموعة من الأطفال في سن السادسة والسابعة أجمعوا على وجوب وجود سبب منطقي لتواجد الأشياء و عن مصدر هذه الاعتقادات الفطرية بوجود الخالق.

واستندت الدراسة على تجارب وأبحاث أكاديمية نفسية موثقة دفعت الدكتور جاستون باريت أستاذ علوم الإنسان والعقل في جامعة أوكسفورد، إلى الخروج بالاستنتاج التالي “أننا لو وضعنا مجموعة من الأطفال على جزيرة لينشأوا بمفردهم فسيؤمنون بالله” .

وكان الدكتور جاستون قد أكد لراديو BBC أن “غالبية الأدلة العلمية في العشر سنوات الماضية أظهرت أن الكثير من الأشياء تدخل في البنية الطبيعية لعقول الأطفال عمّا ظننا مُسبقاً؛من ضمنها القابلية لرؤية العالم الطبيعي على أنه ذو هدف ومُصمم بواسطة كائن ذكي مُسبب لذلك الهدف” .

وفي بعض الدراسات التي طبقت على مجموعة من الأطفال في سن السادسة والسابعة أجمعوا على وجوب وجود سبب منطقي لوجود الأشياء و عن مصدر هذه الاعتقادات الفطرية بوجود الخالق.

يؤكد الباحثون صعوبة القول إنها جاءت من المجتمع, ويرجحون أنها فطرية بعد أن أكدت الدراسات أن هذه الاعتقادات لا تعتمد على تأثيرات المجتمع بل وهي مشتركة بين مختلف الثقافات”.

وهذا ما أكدته “أوليفيرا بيتروفيتش” التي أجرت تجاربها ذاتها على أطفال يابانيين وبريطانيين، وكانت النتيجة واحدة، وأضافت أنه على الرغم من سيطرة الديانة الشنتوية في اليابان، والتي لا تعترف بإله؛فإن الأطفال حين تركت أمامهم صوراً لحيوانات ونباتات وجمادات مركبة، وطلب منهم اختيار إجابة من ثلاثة خيارات- 1-صنعها الله2– صنعها البشر3- لا أحد يعرف- جاءت النتيجة بأن سبعة من كل ثمانية أطفال يرون أن الله هو من أوجد المخلوقات الحية، وهو ما اعتبرته أعظم اكتشاف في بحثها؛ لأنه يثبت أن البيئة لا تؤثّر على هذا الاعتقاد الفطري.

ختاماً، نود التأكيد أنه لا نحتاج في مجتمعاتنا المؤمنة إلى إثباتات فنحن نلمس هذا الشعور في نفوسنا ونؤمن به بعقولنا، ونجد مصداقيته في واقعنا، وأدلته واضحة في ديننا؛ ولكن هذه الدراسات مفيدة لبعض من ارتابت قلوبهم واختلت فطرتهم نتيجة التنشئة الفاسدة، والتأثيرات المادية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها