من نحن؟ سؤال الهوية!

المتظاهرات العراقيات يرتدين أقنعة أثناء حملهن العلم العراقي خلال الاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة

كثيراً ما استوقفني هذا التساؤل، من نحن؟ عرب، مسلمون، وطنيون، قبليون، طائفيون؟ من نحن؟
أقف كثيراً امام سؤال الهوية، هناك شعور جارح في ذاتي بأننا بلا هوية، شعور يجعلني لا أشعر بالكثير من الانتماءات التي ربما يعتز بها الآخرون.
حينما أقلب صفحات التاريخ، تارة تأخذني إلى هذه الهوية، وتارة إلى تلك، فيزداد شعور الحيرة، وتتزايد معه التساؤلات والقراءات.
لعلني أجد تلك الذات التي وصفها سليم مطر ذات يوم بـ” الذات الجريحة ” في كتابه الذي صدر بهذا العنوان.
أعتقد أن سؤال الهوية، واحد من أهم الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها لكل من يسعى إلى إعادة تشكيل وجه أمة كانت ذات يوم تحكم ثلثي العالم القديم أو يزيد.
 فمن هنا، من تحديد الإجابة على سؤال من نحن؟ يمكن أن تنطلق مرة أخرى عملية الترميم ونستعيد وجهاً قديماً طالما لم نجد غيره مثاراً لفخرنا.
وجدنا، نحن أبناء الشرق أنفسنا بين هويات قاتلة، كما يصفها المفكر والأديب أمين معلوف، هويات تجرنا جراً إلى لهذه الناحية أو تلك.

 سؤال الهوية، واحد من أهم الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها لكل من يسعى إلى إعادة تشكيل وجه أمة كانت ذات يوم تحكم ثلثي العالم القديم أو يزيد.

فتارة تأخذنا دولنا القومية إلى فضاء العروبة، وتارة تأخذنا الوطنية إلى فضاء جغرافيا سايكس – بيكو،وتارة أخرى أخذتنا خصوماتنا وصراعاتنا إلى مساحات أضيق وأضيق اسمها الطائفة أو العشيرة أو حتى الجغرافيا المكانية الضيقة التي ننتمي إليها بحكم الولادة.
في خضم كل هذه الصراعات ” النحنوية” إن صح الاشتقاق،  كانت الفرصة سانحة لظهور حركات ” جهادية” بدعوى استعادة ماضي الأمة العريق، فشكلت ما يسمى  دولة الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي، والتي أتخذت من العراق وسوريا فضاءً جغرافياً لها،، فراحت تطبق الأحكام بتعسف وقمعية مطلقة، معتقدة أنها بذلك تعيد تشكيل هوية الأمة التي عانت طويلاً أو هكذا أدعت.
وبتلك القمعية بتطبيق الأحكام، وغربة هذا التشكيل عن الفضاء الذي ولدت فيه، والتي تصادف هذه الأيام ذكرى إعلانها الرابع، سريعاً ما إنهارت من الداخل، حتى قبل أن تتدخل قوات التحالف الدولي الذي شكل لمحاربتها، فلقد ضاق بها الناس ذرعاً وتشكلت العديد من المحاولات التي سعت للقضاء عليها من الداخل غير أنها سرعان ما كانت تقمع من داخل الدولة الإسلامية وجندها..
وفي ظل التكوينات المشوه  التي تنشأ بين الحين والأخر يدفعنا السؤال الأكثر إيلاماً على النفس، من نحن؟
 وبالعودة إلى ما بعد إنهيار الخلافة العثمانية مطلع القرن الماضي، لم يكن أمام العرب من فرصة لإثبات الوجود، بل كانوا أشبه بالغرق الذين يبحثون عن قشة تخلصهم مما كانوا يعانون.

عقب انهيار الخلافة العثمانية، تشكلت أوطان، حددت لبعضها هويات قديمة، بينما وجدت أوطان أخرى أنها بلا هوية فراحت تبحث في بقايا أثار هنا وأخرى هناك عما يمكن أن يكون هوية، وراحت الأوطان تصغر شيئاً فشيئاً

فخلفاء بني عثمان في أخريات سنين حكمهم، باتوا أكثر إيماناً بعرقهم، في حين كانت القوات الغازية، البريطانية والفرنسية والإيطالية، تبشر العرب وتعرفهم بعرقهم الأصيل، فتحامل كثير من العرب على خلافة الباب العالي، بينما تحالف أخرون مع غزاة أخرين، فاستبدلوا السلاطين بالجنرالات.
عقب انهيار الخلافة العثمانية، تشكلت أوطان، حددت لبعضها هويات قديمة، بينما وجدت أوطان أخرى أنها بلا هوية فراحت تبحث في بقايا أثار هنا وأخرى هناك عما يمكن أن يكون هوية، وراحت الأوطان تصغر شيئاً فشيئاً، وبات التهرب من سؤال؛ من نحن؟ أكبر دليل على انهزامية مشاريع ما بعد الحرب العالمية الأولى والخاصة بعالمنا العربي.
اليوم، وبعد أكثر من مئة عام على تجربة القُطرية، وتجارب القومية الفاشلة، فإنك لن تجد خمسة شبان عرب يجيبون ذات الإجابة على السؤال الموجه لهم ” من نحن؟ “
إن عملية النهوض لاي أمة تستدعي أولاً تشكيل الهوية الجامعة، والهوية لا تقتصر على لغة وتاريخ مشترك ولا حتى دين، بقدر ما هي إيمان يربى في النفوس، وغرس تنشأ عليه الشعوب، وهو ما لم تستطع كل الأنظمة العربية أن تزرعه في نفوس شعوبها، فتولدت لنا أجيال لا تعرف حقيقة من هي؟ فلا هي عربية الأمة، ولا هي إسلامية الدين، ولا هي وطنية التوجه، هي، إن شئت الدقة، خليط من كل هذا وذاك.

 علينا أن نعلم الأجيال أننا أمة جمعت بين دفتيها العربي وغير العربي، المسلم وغير المسلم، علينا أن نثقف الأجيال بأن الأمة الإسلامية كانت فعالة؛ لأنها أدركت طبيعة هويتها الإنسانية قبل  الدينية

لقد أثبتت التجربة أن الهوية العربية تتنازعها الكثير من التعقيدات، بعضها يتعلق بتنازع هوياتي مع الإسلام، وبعضها يتعلق بتنازع هوياتي مع قوميات أخرى، وبعضها يتعلق بتنازع هوياتي مع الجغرافيا وحتى مع التاريخ، فحتى التاريخ تشظي وصار تواريخ لا تتشابه في رواياتها.
أنتاج الهوية أمر بالغ التعقيد، فعندما تكون منهزماً تتشظى هويتك إلى هويات، وعندما لا تملك نظاماً قادراً على أن يخلق مواطناً يؤمن بهوية وطنه، أياً كانت تلك الهوية، فإنك لن تتمكن من خلق وطن يدافع عنه أبنائه، بل لن تتمكن من خلق هوية لهذا الوطن.
علينا أولاً أن نتصالح مع ذاتنا، نحن العرب، أن نؤمن بثقافتنا، لا نتنكر لها، ان نستعيد ألق اللغة، وان نشكل تعريفاً جامعاً لهذه الأمة التي كانت ذات يوم مادة النهضة الحضارية العربية الإسلامية وفاعلها الأول، فمن المعيب أننا مازلنا نتنكر للغتنا وعرقنا وديننا.
 علينا أن نعلم الأجيال أننا أمة جمعت بين دفتيها العربي وغير العربي، المسلم وغير المسلم، علينا أن نثقف الأجيال بأن الأمة الإسلامية كانت فعالة؛ لأنها أدركت طبيعة هويتها الإنسانية قبل  الدينية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها