دوافع اعتقال دكتور سلمان العودة !

الشيخ سلمان العودة ونجله عبدالله
الشيخ سلمان العودة ونجله عبدالله

زنزانة، كلمة بحثت عنها في القواميس ما وجدتها، قواميس اللغة العربية ضاقت عن كلمة زنزانة، ولكن اتسعت لها الحياة العربية، فصار الكثير من العرب يقضون وقتاً لا بأس به في الزنازين.

 لن يمضِ على تعيينه ولياً للعهد ثلاثة أشهر؛حتى افتتح جدول أعماله بحملة اعتقال واسعة طالت مفكِّرين وأكاديِمّيين وصحفيين ودعاة وحقوقيين،لن يترك أحداً يحمل فكراً يخالفه، فإما السجن أو القتل.
نهج أمثاله مِمَّن عرفتهم الشعوب وخبرتهم من حكام ورجالات سلطة مستبدين،يهابون ويخشون من يخالفونهم بالفكر والرأي، هم عليهم خطرٌ أكبر من خطر حامل السلاح، فالفكرة لا تقتلها الرصاصة كما تقتل الإنسان.
تطال حملة الاعتقال الشيخ الدكتور سلمان العودة، ليعود من جديد إلى بيته القديم، إلى زنزانةٍ أخذت منه في تسعينيات القرن الماضي خمس سنوات على أثر اعتقال تعسفي قامت به حكومة المملكة لشخصيات عدّة عُرِفت باسم ”تيار الصحوة”.
زنزانة، كلمة بحثت عنها في القواميس ما وجدتها، قواميس اللغة العربية ضاقت عن كلمة زنزانة، ولكن اتسعت لها الحياة العربية، فصار الكثير من العرب يقضون وقتاً لا بأس به في الزنازين، والكثير الكثير منهم يقضون وقتاً وهم خائفون من أن يذهبوا إلى هذه الزنازين.
لن يُعتقل الشيخ بسبب تغريدة يدعو فيها إلى السلام وتآلف القلوب، لكن لأسبابٌ كثيرة ودوافع عدّة تقف خلف اعتقاله.
 أفكاره وآرائه وكتاباته لا سيما في مجال السياسة والحقوق والحريات، دندنته الدائمة حول شرعية الدولة السعودية وعدالتها، حول الحقوق المسلوبة والأشخاص المغيّبة في السجون.

موقفه ودعمه وتشجيعه للثورات العربية، علاقته الودّية مع من تعدّهم المملكة أعداء وأشرار كالحركات والأحزاب السياسية والتجمعات الإسلامية، والأهم الخروج عن شورى السلطة ورأي الحاكم بالفكر والرأي.

زنزانة، كلمة بحثت عنها في القواميس ما وجدتها، قواميس اللغة العربية ضاقت عن كلمة زنزانة، ولكن اتسعت لها الحياة العربية، فصار الكثير من العرب يقضون وقتاً لا بأس به في الزنازين، والكثير الكثير منهم يقضون وقتاً وهم خائفون من أن يذهبوا إلى هذه الزنازين.

لا ترغب الحكومات الشمولية بأمثال الشيخ العودة ممن  يوقظون العقول ويثيرون التساؤلات ويكثرون من الانتقادات والتشكيكات في نزاهة الحاكم وشفافية الحكومة.
في المملكة، سيكون الشيخ مصدر إزعاجٍ وقلق دائم للسلطة، سيقتحم أبوابا ًويكتب في مجالات وفصول مقصورة ممنوعة على الجميع، سيدور حولها بالكتابة والمناقشة ويعرض لها في الصحف والإعلام كالحقوق والحريات والعدالة والمساواة وتداول السلطة والمشاركة السياسية والتَّعدّديَّة والاختلاف والتعبير عن الرأي والإعلام المستقل واستقلالية السلطة الدينية وشرعية السلطة السياسية.

سيحمل فكر الشيخ وخطابه تساؤلات واستفسارات حول هذه المفاهيم، وغيرها ومدى حضورها وتمثّلها في نظام الحكم والحياة الاجتماعية في المملكة.

ممّا يشكل خروجاً عن النمط السائد، نمط الصوت الواحد، والفكر الواحد والرأي الواحد لما يقرّه الحاكم أو يراه مناسباً.

فإن أراد تطبيعاً مع إسرائيل أوجدنا له الفتاوي والمبرّرات، وإن أراد خلاف ذلك أوجدنا له خلاف ذلك أيضاً. تزيد خطورة فكر الشيخ وتكون بمثابة تهديد مباشر للسلطة مع تنامي شعبيته الواسعة في المملكة وخارجها. فامتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ملكها وأسر قلبها بعفويته واعتداله وصدقه ووقوفه الدائم مع الحق والمظلومين.

الناظر في مسيرة الشيخ سلمان،و المطِّلع على كتاباته ومحاضراته لن يُدهش من اعتقاله أو يستنكره إن أخذنا بالحسبان حالة النظام الموجودة في المملكة لا سيما مع وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد وسيطرته التامة على مراكز القرار وأجهزة الأمن والسياسة في الدولة.

نظام شمولي سيزداد صرامة واستبدادا، لن يقبل أو يسمح بوجود من يخالفه بالفكر والرأي والسياسة، فضلاً عن أن تكون له جرأة على النقد وإثارة التساؤلات والأفكار التي تشكك بشرعية الحكومة والقائمين عليها.

عدد من علماء ومشايخ المملكة رهن الاعتقال

 

هذا ما عُرِف عنه الشيخ، جرأة وقدرة على النقد والتعرّض لمواضيع ومحاور محظورة على أمثاله، بل على الجميع.

وإن كانت السلطات السعودية قُبيل وصول ابن سلمان لسدة الحكم تجنبت التعرّض المباشر للشيخ واكتفت بالتضييق عليه وتشويه سمعته والطعن بشخصيته وتاريخه بإعلامها وصحافتها ورجالاتها، إلّا أن الحال سيتغير ويتخذ منحىً آخر مع ابن سلمان الذي لن ترُق له سياسة الترهيب والتضييق.
سيكون للشيخ مواقف وتوجهات تتعارض مباشرة مع سياسات ابن سلمان الخارجية والداخلية، سيرفض الشيخ الانقلاب في مصر، ويشجبه ويجرّمه حين يرعاه الأخير ويشرّعه، سيندّد الشيخ وينتقد التطبيع مع إسرائيل ويحذر ويتكلم من خطورة هذا الأمر على القضية الفلسطينيّة، حين يسعى إليه الأخير ويقدّم في سبيله التضحيات والتنازلات

سيقف الشيخ بجانب الثورات العربية ويدافع عنها ويحيي الأمل في أبنائها ويقدم لنصرتهم ما استطاع في ذلك سبيلا، حين يرعى الأخير الثورات المضادة ويسعى في إخماد الثورات وإفشالها، والكثير من المواقف والقضايا.

ماذا يحدث حين يربط الاعتراض على نظام أو شخص ما بأنه ثورة على الدين أو على الله،هكذا يتساءل الشيخ في كتابه أسئلة الثورة الصادر عام 2012.

كتاب ستمنعه السلطات السعودية من التداول وتسحبه من معرض الرياض الدولي في أول طبعة تصدر له، ليقوم الشيخ على أثر القرار بنشر الكتاب بصيغة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي ضارباً بقرار الحكومة عرض الحائط.

حاول أن يسترضي الشعب بتغييرات وتجديدات ما عرفتها المملكة قط، أيضاً بمنحه بعض الحقوق والميزات التي حُرِم منها المواطن لعقود، ليغدوا مانح الحريات صانع السلام

 

كما سيعتبره آخرون مِمَّن يحسبون على السلطة الدينية، كتابا يثير الفتنة ويدعو إلى الثورة وشق عصا الطاعة وتفريق الجماعة، معتمدًا على شبهات يستقيها من مقالات أعداء الإسلام.

سيخرج الدكتور العودة في كتابه عن المألوف ويتكلم بالمحظور ويكتب في الممنوع، سيتكلم عن الدولة المدنية والدولة الدينية، عن تطبيق الشريعة وأهل الحل والعقد، مدى شرعية وصحة هذه المفاهيم في التراث الإسلامي وكيف طبقتها وتطبقها السلطات والحكومات اليوم، سيتعرّض لشكل الدولة والحكومة التي تستغل الدين وتطبيق الشريعة لتشرّع وجودها.

وعن السلطة الدينية، كيف ساهمت -وما زالت -في توطيد أركان ودعائم السلطة السياسية وإضفاء الشرعية عليهما.
يبدو أن نظام المملكة في ظل ابن سلمان سيغدو أشدَّ استبداداً مع مواطنيه وأبناء جلدته، وأكثر انفتاحاً على دول الإجرام والاحتلال.

يحاول أن يسترضي الشعب بتغييرات وتجديدات ما عرفتها المملكة قط، أيضاً بمنحه بعض الحقوق والميزات التي حُرِم منها المواطن لعقود، ليغدو مانح الحريات صانع السلام في الوقت الذي يسحق معارضيه ومخالفيه ويسلِّم قضية شعبٍ كامل لأعدائهم على طبق من ذهب.

خُلِّفت في السجن ظلماً وعدوانا هذا حال الصادقين المخلصين يا مولانا، يشقى بصدقهم وثباتهم ظالم  فيغدو قاتِلا ًأو سجّانَ، لا يعلم أنه لا يدوم حالٌ مهما طال الزمان .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها