البؤر الوبائية في المغرب.. مسؤوليات مشتركة

أفراد من الشرطة والجيش المغربي يضعون كمامات وهم في شوارع الرباط

بقدر ما استشعر المغاربة خطورة بلاء البؤر الوبائية، التي باتت تهدد بنسف جهود كل جنود الخفاء والعلن في بلدنا، وتجهض حلمهم في التخلص من فيروس كورونا المستجد، بقدر ما بدأنا نلمس عكس استشعارات بعضهم على أرض الواقع.

وبقدر ما ارتفعت أصوات المواطنين و المسؤولين، مطالبة بالالتزام التام بكل الإجراءات الاحترازية الوقائية، وتشديد المراقبة وإنزال العقوبات على المتجاوزين في صفوف الطرفين (المواطنين والمراقبين).

بقدر ما وجدنا أن من بين هؤلاء من يداومون على خرق الحجر المنزلي وحالة الطوارئ الصحية، ويعطون النماذج السيئة في سلوكهم المهني والاجتماعي.

فبعدما استبشر المغاربة خيرا بما حققته الأطقم الطبية والأجهزة الوطنية المعنية على مستوى الرعاية الطبية والتتبع للمصابين والمخالطين،حيث التزايد اليومي لعدد حالات الشفاء، وتقليص في عدد الوفيات.

والاكتشاف اليومي لمصابين بفيروس كوفيد 19، رغم عدم حملهم لأعراضه الوبائية.. وبعدما تميز المغرب بالمبادرات الملكية التي ركزت أهدافها على الاهتمام بصحة ومعيشة المواطن المغربي.

إحداث صندوق لتدبير جائحة كورونا ودعم الفئات الهشة والمتضررة، وتجهيز المرافق الصحية بعد كل هذا الجهد والتضامن، تفجرت قنابل البؤر الوبائية داخل الشركات والمصانع والمراكز والأسواق التجارية وداخل بعض الأحياء السكنية الشعبية.

بسبب القصور والتجاوز والاستهتار واللامبالاة التي تجسدت لدى البعض سواء في صفوف المواطنين أو المسؤولين.

لأن انهيار الاقتصاد، يعني الفقر والمجاعة، وهي فيروسات أشد وأخطر من فيروس كوفيد 19 ولا أظن أن هناك إنسان جائع، يمكن إرغامه على المكوث داخل منزله خوفا من وباء قاتل.

تلك البؤر التي بعثرت كل البرامج والمخططات والرؤى وفرضت تمديدا ثالثا لحالة الطوارئ الصحية، مدته ثلاثة أسابيع والأكيد أنه لن يكون الأخير.. 

ونحمد الله أن الأطقم الطبية تمكنت بفضل كفاحها المستميت اليومي والدائم، من شفاء مجموعة من المصابين، ومن استظهار الإصابة لدى المخالطين وهم في كامل صحتهم.

وحتى قبل أن تظهر أعراض الوباء لديهم، ولولاهم لعاش المغاربة آلام وحسرة التشييع عن بعد لجنازات الأقارب والأصدقاء،و ذاقوا مرارة الرحيل الجماعي، حيث لا مجال لإكرام الموتى بتطهير الجثامين، وتمكين أرواحهم من حقوقهم وطقوسهم الدينية. 

فقد تنوعت واختلفت المظاهر والسلوكيات السلبية البشرية، التي تسببت في تفشي الوباء، رغم حزم وعزم كل الأجهزة المعنية.

حزم وعزم يتم تكسيره يوميا بالشارع العام، على مستوى التنفيذ الميداني، في استخفاف تام أو سوء تقدير لعواقب كسر الحجر المنزلي أو الإخلال بالإجراءات الاحترازية الوقائية، لدى بعض المواطنين والمراقبين على حد سواء.

وبعيدا عن الشارع العام، برزت بؤر وبائية، نتيجة تجاوزات مختلفة داخل بعض الشركات والمصانع والمركبات التجارية الكبرى،والتي كان لها الأثر السلبي الكبير في مسار الزمن الكوروني بالمغرب.

تجاوزات لم تكن لتحدث، لو أن تلك المرافق المزدحمة بالعمال والمستخدمين، كانت ملتزمة ببنود مدونة الشغل، وملتزمة بكل الإجراءات الاحترازية الوقائية، التي بات يعرفها العالم والجاهل بالمغرب.

وطبعا فليست وحدها إدارات تلك الشركات هي المسؤولة عن تلك التجاوزات. ولكن المسؤولية الكبرى، تتحملها الحكومة، ووزارتا الشغل والصحة، ومعها الجماعات الترابية والسلطات المحلية.

ألم يكن من باب ضمان المراقبة التامة لسير المرافق العمومية والخاصة، استحداث لجان إقليمية ومحلية، مشكلة من ممثلين عن مديريات الشغل ومكاتب حفظ الصحة والسلطات وباقي الوزارات المعنية بالصناعة والتجارة.. والقيام بزيارات يومية مفاجئة.

والوقوف على مدى احترام إدارات تلك المرافق للطوارئ الصحية والوقوف على صحة وسلامة وحقوق العاملين داخلها ؟.

تلك البؤر التي بعثرت كل البرامج والمخططات والرؤى وفرضت تمديدا ثالثا لحالة الطوارئ الصحية، مدته ثلاثة أسابيع والأكيد أنه لن يكون الأخير.. 

الكل يعلم أن مطلب (إغلاق الشركات أو بعضها)، دون أسباب خطيرة داعية، هو مطلب لا يمكن تحقيقه. لأنه لا يعقل أن يتم إيقاف محركات البلد الاقتصادية. والتي يمكنها التسبب في انهيار كامل، ليس فقط للاقتصاد الوطني، بل لمنظومة الدولة ككل.

لأن انهيار الاقتصاد، يعني الفقر والمجاعة، وهي فيروسات أشد وأخطر من فيروس كوفيد 19 ولا أظن أن هناك إنسان جائع، يمكن إرغامه على المكوث داخل منزله خوفا من وباء قاتل. وهو يرى شبح الموت ينهش في أجساد أفراد أسرته.

وهي رسالة، يجب أن تلتقطها السلطات المحلية والإقليمية و الولائية، وتنتبه إلى ضرورة تنقية وتطهير جسدها من كل فساد.

والعمل على سير عمليات دعم الفئات الهشة والمتضررة من حقوقها، التي وفرتها الدولة. والتي يعود الفضل فيها إلى الملك محمد السادس، الذي انتبه باكرا، وأحدث صندوق تدبير الجائحة.

كان من المفروض أن يتم هناك تحديد دقيق وشفاف للمعنيين بالاستفادة المالية وكذا المعنيين بالاستفادة من المواد الغذائية أو ما يعرف ب(القفة).

وكان يجب أن تحدث آليات سريعة وذات طابع محلي، من أجل تلقي شكايات المقصيين من الاستفادة عن خطأ أو عن قصد. فالبوابات الرقمية لوزارات الداخلية والمالية والصناعة والتجارة ..

وغيرها من البوابات الافتراضية، ليست منافذ ومسالك سهلة الولوج خصوصا إذا تعلق الأمر برجال ونساء وشيوخ لم يسبق لهم أن ولجوا المدارس التعليمية.

وهي فئات هشة ومتضررة، ناذرا ما نجدها تتوفر على الانترنيت، أو عتاده الآلي ولا تتوفر على محمول ذكي، أو حتى على هاتف نقال جاهل.

السلطات بالمغرب يسهل عليها تحديد لوائح الفئات الهشة والمتضررة. هناك فئة حاملي بطاقات الرميد (ولو أن بعض حامليها لا يستحقونها)، وفئة عمال الإنعاش الوطني ، وفئة الفقراء الذين يتوصلون سنويا بالقفة الغذائية الرمضانية لمؤسسة محمد الخامس للتضامن.

وهي فئات قد تتقاطع في بعض الأسماء. تضاف إليها فئة المتضررين، التي يمكن تحديدها من طرف أعوان السلطة (المقدم، الشيخ، الخليفة،..).لأن هؤلاء يعلمون جيدا نوعية المداخيل المالية لكل أسرة. وطبيعة أعمال أرباب ومدبري تلك الأسر.

وبهذا يمكن إعداد لوائح خاصة بالفئات الهشة والمحتاجة، وكذا لوائح المتضررين العاملين في القطاع غير المهيكل. أما باقي المهنيين، فلديهم ارتباط مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

كما لا ننسى أن تضرر بعض المهنيين من جراء إغلاق محلاتهم التجارية أو غياب زبائن لهم جعل البعض يلجأ إلى مهن وتجارات أخرى بطرق عشوائية.

وخصوصا فئة باعة الخضر والفواكه سواء منهم المحائلين أو أصحاب المحلات، حيث تضاعف عددهم عدة مرات. بعد أن غزوا أزقة وفضاءات الأحياء الشعبية.

وبعضهم لا يعطي أدنى اهتمام لحالة الطوارئ، وما تفرضه من إجراءات احترازية، كما يساهم بعض السكان في تحويل تلك الأزقة والفضاءات إلى تجمعات بشرية تهدد صحة وسلامة الباعة والزبائن.

إن على الكل أن يدرك أن مسؤولية التصدي لجائحة كورونا هي مسؤولية الجميع، وأن تهاون كل فرد من المجموعة، سيعرض باقي المجموعة للهلاك.. فالمرجو التضامن والالتزام وسد الثقوب، وتبادل النصائح.. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها