شبكات التواصل بين حرية التعبير وقمع التفكير

شبكات التواصل الاجتماعي تعزز تعاونها ضد "المحتوى المتطرف"

عم أنا مع قانون التحكم في تحسين مواقع التواصل الاجتماعي وجعلها ذات مردودية ناجحة للفرد والمجتمع. لأن هذه الأمور تعطل المنطق أحيانا لكثرة الغلو فيها مما أوقعنا في فوضى.

لا شك أن العالم بفضل تقدمه الكبير في مجال الإعلام أضحى يقدم تطورا هاما لا سيما في تقديم المعلومة وطرق توصيلها للناس على اختلاف شرائحهم، بحيث هذا التقدم عرف اجتهادات كثيرة حول مفهوم الإعلام الاجتماعي ودائرة التأثير.

وهنا يجب أن نطرح قوة ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ومدة نجاعتها في عملية التسويق الاجتماعي التي تناولت من خلالها ترويج الأفكار وتبادل التجارب التي تعتنقها فئات المجتمع، لتصبح ذات قيمة إجتماعية معترَف بها.

إن الإنتقال الإفتراضي الذي مكنته شبكات التواصل الإجتماعي اليوم لمستخدميها في التنقل عبر الحدود بدون قيد أو رقابة بشكل نسبي محدود.

أي أننا أصبحنا نعيش نهاية فوبيا المكان، بسبب  الخوف أحيانا من إبداء الرأي علانية، لكن عندما ندخل في منظومة المكان الافتراضي نصبح لا نخشى شيئا بحكم عدم مقدرتنا على تملك الافتراضي باعتباره فضاء، لذلك وصفت شبكات التواصل الإجتماعي باعتبارها فضاء افتراضيا، بأكثر الأمكنة تحررية، وعدم مقدرة أي طرف على  امتلاكها.

الشيء الذي ساهم في اتساع رقعة التعبير بشكل أكبر في عدد من القضايا، مما جعلها تخرج من كونها مجرد أداة للترفيه، والتواصل، إلى أداة للتنظير والتنظيم والقيادة، ثم إلى وسيلة فعّالة لنقل الحدث، ومتابعة الميدان، ومصدراً أولياً لوسائل الإعلام العالمية.

وعليه فالحرية في الرأي والتعبير شرطان أساسيان في استعمال هذه الوسائل التواصلية بشرط ألا تتجاوز حدود الأخر وهذا ما نصت عليه المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة (1948) التي أكدت الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث وإستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود.

وقد جاء في نفس المادة كذلك من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن لكل إنسان كيفما كان جنسه الحق في اعتناق رأي دون مضايقة، مع الحق في حرية التعبير أيضا، وهذا الحق رهين بحريته الكاملة في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما إعتبار للحدود سواء كان ذلك على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها.

أنا مع قانون التحكم في تحسين مواقع التواصل الاجتماعي وجعلها ذات مردودية ناجحة للفرد والمجتمع. لأن هذه الأمور تعطل المنطق أحيانا لكثرة الغلو فيها مما أوقعنا في فوضى

ولكن رغم قداسة هذا الحق في التعبير وإبداء الرأي، فلابد من وضع ضوابط لتنظيم ممارسته حتى نحمي مجتمعنا من الفتن والصراعات التي قد تكون بداية تفكك المجتمع وانهياره، وهذا ما عشنا تفاصيله في جل الدول العربية التي شكلت فيها مواقع التواصل الاجتماعي الحلقة الأبرز في التغيير.

وعلى غرار هذا الأمر قد بدت تلوح في أفق المجتمع المغربي بعضا من هذه التغييرات التي بدأت تفاصيلها بدعوة الملايين من الحسابات الفيسبوكية مطالبة بمقاطعة بعض المنتجات لكونها لا تتماشى مع معايير الجودة التي تخدم المستهلك.

وبسبب هذا الوضع قد بدت ملامح سياسة تكميم الأفواه تلوح في الأفق من جديد رغم الطفرة النوعية التي يعرفها المغرب في مجال حرية التعبير والرأي.

من خلال فرض قانون عقابي يقضي بالتقليل من حرية التعبير في إبداء الرأي عن قضية ما… سواء كانت متعلقة بمواد استهلاكية، أو بشركات اتصالات، أو بمؤسسات على إختلاف وظائفها ما دامت تقدم لي خدمات دون المستوى فلابد لي من انتقادها وإبداء الرأي فيها بكل حرية حتى تحسن من خدماتها ومن منتوجاتها.

ولهذا تثير علاقة مواقع التواصل الاجتماعي بحرية الرأي والتعبير إشكاليات عدة، لا يمكن أن نختزلها في بعد واحد وإنما في عدة أبعاد لاسيما حينما نتحدث عن تقنين هذه الحرية، نعم أنا مع كل قانون يحمي من الفتن والدعوة لها، نعم أنا مع قانون يجرم انتهاك الحريات الشخصية والتشهير بالناس.

نعم أنا مع قانون الحد من التفاهة وانتشار المحتويات الفارغة، نعم أنا مع قانون التحكم في تحسين مواقع التواصل الاجتماعي وجعلها ذات مردودية ناجحة للفرد والمجتمع.

لأن هذه الأمور تعطل المنطق أحيانا لكثرة الغلو فيها مما أوقعنا في فوضى لم نسبق أن عشناها من قبل، فهذه التجاوزات، سوف أكون سندا قويا لدولتي لكي أصادق وبأمانة عن مشروع قانون خاص بوسائل التواصل الاجتماعي يجرم مثل هذه التصرفات لتحديد المسؤولية وحماية الأمن المُجتمعي.

لكن أنا ضد أن تنتهج سياسة تكمم بها نفسي في التعبير عما يتماشى ضد إرادتي الشخصية، أنا ضد قانون يقوم بسجني أو تغريمي لمجرد أنني أبديت رأيا بخصوص منتوج ما أو مؤسسة ما على رداءة خدماتها لأن هذه المواقع أصبحت عاملا أساسيا في التغيير لدى فئات عريضة من المجتمع المغربي.

ما يطرأ من تبدل قيمي أو مفاهيمي في العقلية العربية بوجه عام والمغربي بشكل خاص بشكل إيجابي يحدث لا محالة تغييراً في الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما تؤثر ايجابا في بناء المجتمع

فضاء رأى  فيه عددٌ  من فئات المجتمع تجاوبا إيجابيا مع من يتقاسمون معهم نفس الأفكار ونفس التوجهات في تهيئة أرضية ملائمة لمتطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي، في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم. لأنهم بكل بساطة قد فقدوا الثقة في بعض المؤسسات التي لا تراعي حماية المواطن أولا وكمستهلك ثانيا.

لأنه بفضل المضمون الذي تتوجّه به خطاباتهم عبر رسائل إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية أو غيرها، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل إنه يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها.

ولكي يحدث التغيير في المجتمع العربي بصفة عامة والمغربي بصفة خاصة، لابد أن يكون هناك تغيير في الذهنيات، مواطنا كان أو مسؤولا، فالمواطن مسؤول عن ترشيد وتقنين احتجاجه بطريقة حضارية، والمسؤول عليه أن يقبل بحرية هذا المواطن في التعبير وبالتالي تغيير ما وجب تغييره وإصلاح ما وجب إصلاحه.

حتى لا نجعل من هذه الحرية في الآراء والتعبيرات تقودنا إلى باب العداء. يقول المهاتما غاندي: “الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء”.

آنذاك فإن كل ما يطرأ من تبدل قيمي أو مفاهيمي في العقلية العربية بوجه عام والمغربي بشكل خاص بشكل إيجابي يُحدث لا محالة تغييراً في الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما تؤثر ايجابا في بناء المجتمع، بهدف ضبط السلوك الإنساني بما يتلاءم مع النظام العالمي الجديد.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها