رسالة بعلم الوصول

الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في زيارة تفقدية لمواقع إنشائية مكتظة بالعمال بالرغم من تفشي فيروس كرورنا في العالم
الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في زيارة تفقدية لمواقع إنشائية مكتظة بالعمال بالرغم من تفشي فيروس كرورنا في العالم

ليس من حق أحد السكان أن يمنع الآخرين من المناقشة أو الاعتراض بحجة الحفاظ على سمعة العمارة، فهي ليست أنثى تنتظر الزواج..

عبارات من نوعية واحد زائد واحد يساوي اثنين،والشمس تَطْلُع من المشرق، هي بديهيات لم أكن أتخيل يوما الدخول في مناقشات لإثباتها، أو الاستعانة بأغلظ الأيمانات لتأكيدها.
أذهلتني تعليقات البعض، وهم يستنكرون عليّ مطالبتي بمحاسبة الحاكم الذي أهدر الأموال في مشروعات لا طائل من ورائها ، وشعبه يفتقد لأبسط الأساسيات  …

تتساءل متعجبا عن جدوى تلك القرارات، فتصدمك الحقيقة المؤلمة، بأن هؤلاء القوم قد توقف بهم الزمن عند العام ٣٠٠٠ قبل الميلاد، يؤمنوا بالحاكم الذي له ملك مصر ، وتجري من تحته هذه الأنهار!
 تبحث داخلهم عن ثمة عقل وعن قليل من الفكر فلا تجد سوى ماكينات، تم برمجتها  بعبارات سيدهم الخالدة، الذي قال (لا أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)،
بينما تم تحديث بعضهم، بنسخة أكثر رداءة وأشد سفاهة  تقوم على عبارة ركيكة، فخرج حفيد لهم، قائلا: “ما تسمعوش كلام حد غيري”.
تشاهدهم  يمارسون حركاتهم الآلية، ينفذونها في ذات الوقت، وبنفس الطريقة فيما يشبه البكائيات، يصاحبها نواح وصراخ: “بتشككوا في الوطن.. يا أعداء الوطن ..بتشوهوا سمعة مصر..يا خونة.. يا عملاء”.
ثم يرددون في بلاهة  كآلة معطلة: “تحيا مصر ..تحيا مصر .. تحيا مصر”.

ليس من حق أحد السكان أن يمنع الآخرين من المناقشة أو الاعتراض بحجة الحفاظ على سمعة العمارة، فهي ليست أنثى تنتظر الزواج.

تحاول إفهامهم بأن الدولة شيء والحاكم شيء آخر ولا يجتمعان أو يلتصقان سوى في العقول الفارغة ..
تشرح لهم جاهدا ما هي الدولة! إنها الشعب، أنا وأنت، هي الشعب والتاريخ والأرض، لكن الحاكم، ما هو إلا فرد.
هذا الوطن ليس شقة مفروشة يملكها الحاكم، ويعيش فيها المواطن بالإيجار بل هي عمارة، شققها تمليك،و الملاك هم المواطنون، ولأن عددهم كبير ولديهم  انشغالات، قرروا أن يتفقوا وينشئوا اتحاد ملاك واختاروا واحدا منهم ينوب عنهم،ويكون هو الرئيس، و له مساعدين من اختيار الشعب  يتولون إدارة كافة الأمور ، يجمعون الأموال من بعضهم البعض، وينفقونها على صيانة المصعد، و عدادات المياه والكهرباء والغاز وغسل السلالم، وتشجير المدخل، وتأجير حارس (أو بواب) من أجل حماية العمارة، ومنع اللصوص من الاقتراب.

هذا الوطن ليس شقة مفروشة يملكها الحاكم، ويعيش فيها المواطن بالإيجار بل هي عمارة، شققها تمليك،و الملاك هم المواطنون

وبالتالي  فمن حق هؤلاء الملاك (المواطنون) محاسبة الرئيس (الحاكم) ومساعديه (الحكومة) ويسألونهم : أين أنفقتم الأموال (أموالنا) ؟!
وليس من حق الرئيس ولا مساعديه نهب الأموال، لمصالحهم الشخصية ، كأن يبني الرئيس لنفسه، فوق سطح العمارة استراحة خاصة، ويفرشها بأغلى أثاث، ويقوم مساعدوه بتغيير “ديكورات” شققهم، ثم يستعينون بالحارس لحمايتهم، وتخويف بقية السكان، ومنعهم حتى من الكلام.
فالحارس راتبه يدفعه الملاك من جيوبهم وسلاحه اشتروه بأموالهم ..فلا يحق له أن يعايرهم بوظيفته ويقول لهم: “احمدوا ربنا على الأمن والأمان”!
بل هي من واجباته، التي يحصل مقابلها على الأجر، ولو قصَّر فيها فلا حاجة لوجوده من الأساس .
كما ليس من حق رئيس دولة أن ينهب ما تحت يديه من أموال ويقول: “اه بنيت استراحة، وببني وهبني”، بينما عمارتنا خربة، وتحتاج منا، لإصلاح مصعد متعطل، و عدادات متوقفة ، وسلالم مكسورة ، ومدخل ممتليء بالقمامة .
كذلك ليس من حق أحد السكان أن يمنع الآخرين من المناقشة أو الاعتراض بحجة الحفاظ على سمعة العمارة، فهي ليست أنثى تنتظر الزواج، هي مبنى من طوب وأسمنت وحديد لا سمعة لها، ومحبتها والحفاظ عليها، يكمن في محاسبة من ينهبها ويهدر أموالها ويسعى في خرابها.
 أما أن يتحجج أحدهم  ويقول لنا: “مش عاجبك  البلد، أو مش عاجبك العمارة ، اطلع منها”، فهو جاهل أدمن الذل ويستنكر على الأسوياء ألا يرضوا بالعيش فيه .
ألم تعِ أنني طالما أملك شقة في العمارة ،وحتى لو أغلقتها ، وسافرت لأي سبب من الأسباب ستظل عمارتي، ومن حقي الحديث عنها ، ومحاسبة المسؤولين فيها عن أي خطأ أو تقصير أو إهمال.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها