النوم مع الكورونا

تعمل أكثر من 80 مجموعة حول العالم للتوصّل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا

منذ أيام قليلة صرح المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في منظمة الصحة الدولية مايك رايان- في إفادة صحفية عبر الإنترنت  “من المهم أن نطرح هذا الكلام، هذا الفيروس قد يصبح مجرد فيروس آخر متوطن في مجتمعاتنا، قد لا يختفي هذا الفيروس أبدا“.

وزاد حديثه توضيحا فقال: إن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يتحول لمرض متوطن في المجتمعات العالمية مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (الأيدز) الذي لم يختف حتى الآن،ولكن تم تطوير علاجات فعالة للسماح للأشخاص للتعايش معه.

ولكن يبقى السؤال هل يمكن التعايش بالفعل مع فيروس الكورونا، كما تم التعايش مع فيروس الأيدز من قبل؟!

للإجابة على هذا السؤال ربما من الأفضل أن نبتعد قليلا عن الفروق العلمية من ناحية التركيب الجيني أو طريقة عمل كل منهما والتطرق أكثر إلى الفروق في طرق الإصابة وسبل الانتشار وطرق الوقاية والعلاج في كل منهما .

فمنذ اكتشاف فيروس الأيدز في أوائل الثمانينات من القرن الماضي كان من المعلوم إن الإصابة بهذا الفيروس تأتي أساسا من العلاقات الجنسية وبالذات تلك التي تكون بين المثليين.

ولكن يبقى السؤال هل يمكن التعايش بالفعل مع فيروس الكورونا، كما تم التعايش مع فيروس الأيدز من قبل!!

وبنسبة أقل بكثير تحدث الإصابة بسبب نقل الدم ومشتقاته من شخص مصاب لآخر سليم، لذلك فإن سبل الوقاية كانت الابتعاد عن العلاقات الجنسية مع الغرباء أو استخدام أساليب الوقاية كالواقي الذكري، في تلك العلاقات وهو مايتم تدريسه بشكل منهجي لكل المراهقين في مدارس الغرب  …

ومن ناحية أخرى لم يكن من الصعب تطوير الاختبارات التى تجرى على الدم ومشتقاته قبل النقل إلى الشخص المحتاج اليه …

وهو ما خفض من احتمالية انتقال المرض بهذه الطريقة إلى صفر ٪  تقريبا . 

بينما منذ أعلن عن اكتشاف فيروس الكورونا أو (الكوفيد١٩ ) كما يطلق عليه في ديسمبر من العام الماضي، لم تؤكد المعلومات بعد أو تكشف سر ظهور هذا الفيروس، وهل نشأ بالفعل نتيجة خطأ في أحد المعامل البيولوجية في مدينة ووهان الصينية أم كان نتيجة تحور جيني حدث عندما استجاب أحد الأشخاص  لشهيته التي قادته إلى التهام حساء أحد الخفافيش ….

وبالرغم من مرور مايقرب من ٦ أشهر على بداية الوباء إلا أننا مازلنا غير متيقنين تماما من طريقة نقله أو من يُصيب ويقتل وإن كان من الواضح ميوله لقتل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنه ولكن ذلك لم يمنعه من قتل العديد من الاصحاء ذوي الأعمار السنية الصغيره والشابة.

وعلى النقيض من طرق الوقاية من فيروس الأيدز الواضحة والصريحة … تبدو سبل الوقاية من فيروس الكورونا مبهمة، وغير مؤكدة..
فحتى الإغلاق الكامل والحظر الشامل والتباعد المجتمعي لم يمنعوا انتشار المرض بل على العكس مازالت تلك الدول التى اتبعت هذه الأساليب تسجل يوميا حالات إصابات ووفيات رغم اتباعها أقصى درجات الحذر، وارتفاع نسب وعي شعوبها المتقدم  بقدر ما .

وربما يكون المشترك بين فيروسي الإيدز والكورونا هو عدم وجود لقاح أو علاج نهائي لكل منهما حتى الآن …

فالإيدز رغم تعايش العالم معه  منذ ما يقرب من ٤٠ عاما إلا إنه لم يستطع ايجاد لقاح مانع له، وكذلك أيضا الكورونا ( على الأقل حتى الآن ) …

أما العلاجات للمصابين بتلك الفيروسات لم تتخط مراحل التجارب السريرية ولم يتم الاستقرار نهائيا على أي منها.

لا سبيل إلى العودة إلى الحياة الطبيعية والمعتادة إلا  عن طريق قتل ذلك الفيروس بواسطة لقاح فعال ونهائي

في سنة ١٩٩١ قامت الممثلة الأمريكية جوليا روبرتس بأداء واحد من أعظم أدوارها عندما قامت ببطولة فيلم sleeping with the enemy ، أو النوم مع العدو إذ قامت بأداء دور الزوجة التي تحاول بكل الطرق التعايش مع زوجها رغم معاملته السيئة واعتداءاته المتكررة عليها حتى تكتشف أنه غير قابل للتعايش فتحاول الهرب من عش الزوجية …

وعندما يعثر عليها الزوج لم تجد تلك الزوجة مفر من قتله للخلاص منه واستعادة حياتها التي فقدتها تحت ظل الزوج المعتدي.

في ظني أن العالم في الأيام المقبلة لن يكون مختلفا كثيرا عن شخصية جوليا روبرتس وسيحاول التعايش مع فيروس الكورونا قدر الإمكان .

وربما سيسمح للفيروس بأن يأخذ حقوقه الشرعية كما فعلت بطلة الفيلم عن طريق بعض الإصابات والوفيات، وذلك بحكم قوة الفيروس وطبيعة الأشياء …

وربما سيحاول العالم أن يهرب من الفيروس عن طريق الإغلاق الكامل ومنع التنقل وشلل الاقتصاد وسيضحي العالم من أجل ذلك بالكثير من أرواحه وأمواله وحرياته …
ولكنه سيكتشف في النهاية أنه لن يتمكن من  التعايش مع فيروس الكورونا القاتل، كما قام بالتعايش مع فيروس الإيدز من قبل، وأنه لا سبيل إلى العودة إلى حياته الطبيعية والمعتادة، إلا  عن طريق قتل ذلك الفيروس بواسطة لقاح فعال ونهائي … وهذا ما ستكشف عنه الأيام والشهور وربما السنوات المقبلة، فانتظروا وإني معكم من المنتظرين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها