الرّذيلة الرقميّة!

يستخدم تطبيق تيك توك الصيني مئات الملايين حول العالم
يستخدم تطبيق تيك توك الصيني مئات الملايين حول العالم

فكرة هذا النشاط تقوم على دعوة المتابعين من الفتيات المراهقات إلى الظهور على برامج الإرسال الحيّ “المباشر” في غرف من المفترض أنها تتمتع بإضاءة جيدة، للتعارف على الشباب.

يبدو أن هناك من يحاول العبث بملامح الثقافة المحافظة التي تتمتع بها البلدان العربية، من خلال الزجّ بأفكار ومشاريع دخيلة لا امتداد لها في ثقافتنا الإسلامية والعربية الأصيلة.
ولذا؛ ما إنْ أطَلّت علينا إحدى فتيات التطبيق الشهير “التيك توك” داعيةً الفتيات والشباب إلى الاشتراك والتفاعل على ما تسميه “بوكالتها”؛ إلا وثار الرأي العام المصري عليها؛ دافعاً المسؤولين لتوقيفها وتحويلها للنيابة العامة للتّحقيق معها على خلفية مشروعها.
وجدير بالذكر أنّ تلك الفتاة وغيرها ممن لمعَ نجمهُن في الآونة الأخيرة عبر هذه البرامج؛ يتمتعن بمعدل مشاهدات ومتابعات عالٍ جداً من الجنسين ومن كافة الأعمار، مما يُشير إلى ارتفاع نسبة خطر هذه البرامج التي تفتقد للرقابة والمسؤولية والانضباط!

إنّ الخطورة الحقيقية تكمن في مدى قوة التأثير الواقعة على فئة المراهقين في ظل الوفرة التكنولوجية، وغياب الرقابة، وقلة الوعي تجاه المخاطر المحدقة بجيل الشباب؛ فضلاً عن اتساع الانتشار على المستوى المحلي والإقليمي.

فكرة هذا النشاط تقوم على دعوة المتابعين من الفتيات المراهقات إلى الظهور على برامج الإرسال الحيّ “المباشر” في غرف من المفترض أنها تتمتع بإضاءة جيدة، للتعارف على الشباب من خلال الشاشات الالكترونية، ومَن تحصل على عدد إعجابات وهدايا أكثر تحصل على عدد نقاط أكثر، فيرتفع بذلك عائدها المالي الموعودة به!

أما الشروط الخاصة بانضمام الفتيات إلى الوكالة؛ هو أن لا يقل عمر الفتاة المُنتسبة عن ثمانية عشر عاماً، والشكل اللائق، والإضاءة الجيدة للغرفة التي تبث منها الفتاة.

لكن ما مفهوم وحدود وطبيعة اللياقة،في ظل جو يجمع شاب بفتاة تتراقص أمامه وتستخدم أساليب الإثارة رغبة في الحصول على عدد نقاط أعلى؟!
وأليس من الاستخفاف بالعقول التحدث عن ضرورة مراعاة الأدب والاحتشام والأخلاق في ممارسة سلوك الرذيلة؟!
وأليس من العجيب اشتراط تلك المجموعات لحجاب الفتيات المُنتسبات؟!!

بالرغم من كل ما يعانيه المجتمع المصري من أزمات سياسية واقتصادية ومجتمعية وانتكاسات متتالية؛ إلا أنه مجتمع ديّن بطبعه محافظ بفطرته، فما أن ظهرت مثل هذه النوعيّة من القضايا؛ إلا وثارت ثائرة الجماهير عليه

هل هو غطاء مُضَلِّل للفعل الإجرامي؟ أم هو وسيلة إقناعية للعب بعقول الناس وشرعنة الرذيلة وقونّنتها ؟
أما العائد المالي فيتراوح بين 35 إلى 3500 دولار! الأمر الذي سيدفع بالفتيات حتماً للحماسة في ابتكار الأساليب الخلاّقة لتجميع عدد نقاط أكبر.

ولنا أن نتخيل ما الذي ستؤول إليه الأمور في ظلِّ هذه الإغراءات الماليّة، وفي غرفة افتراضيّة تجمع فتاة بشاب لا ثالث بينهما إلا الشيطان الإلكتروني، فما النتيجة المتوقَعَة من شباب يعيشون الضغوط النفسية والظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة والفراغ؟

بالرغم من كل ما يعانيه المجتمع المصري من أزمات سياسية واقتصادية ومجتمعية وانتكاسات متتالية؛ إلا أنه مجتمع ديّن بطبعه محافظ بفطرته، فما أن ظهرت مثل هذه النوعيّة من القضايا؛ إلا وثارت ثائرة الجماهير عليها، وتحولت لقضية رأي عام، وأكثر من ذلك تمّ استدعاء هذه الفتاة من قبل إدارة جامعتها لمساءلتها، وتحدّث مسؤولون في الجامعة عن عقوبة قد تصل حد الفصل النهائي حال إدانتها.

قام بعض الأشخاص بالدفاع عن تلك الفتاة مُبرّرين أنها لا تقوم بعمل لا أخلاقي، وأن عملها لم يتجاوز الخطوط الحمراء، ولماذا تحاكم هي، وتُتْرك سما المصري ومثيلاتها؟ والسؤال من حيث الفكرة منطقي جداً، لكن من حيث التشريح خاطئ، فما أعتقده أن تأثير هذه الفئة على المراهقات أقوى بكثير من تأثير غيرها، لتوافر عنصر التفاعل الحيّ بين المشاهد والمصدر، خلافاً للتلفزيون الذي يفتقد للتفاعلية ورجع الصدى الفوري.

هناك من يؤمن بأن هذه الفئة لا يعملن وحدهن وأن هناك من يحركهن في الخفاء، وهن لسن إلا أداة من أدوات من يحركهن، ولو افترضنا صحة الفرضية؛ فمن يكون هؤلاء؟ وما أهدافهم ودوافعهم؟ 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما دور أهالي هؤلاء الفتيات تجاه ما يمارسن من دعوات مخالفة للأخلاق العامة من خلال التكنولوجيا الرقميّة؟

المعالجة الفعليّة تتطلب ممارسة حكيمة، من فرض تشريعات رادعة، وإجراءات صارمة تجهض مثل هذه الظواهر السلبية في مجتمعاتنا دون المساس بحرية التعبير

حقيقة؛ لا بد من دراسة هذه الظاهرة الخطيرة من قِبَل المُختصّين والمعنييّن، فالتشخيص الصحي والدقيق يُفضي لمعالجة القضية في حدودها الموضوعية وأطرها القانونية، لردع من تُسوِّل له نفسه العبث بقيم هذا المجتمع، وكفّ استغلال الفتيات والشباب والتغرير بهم في ظل تداعيات أزمة كورونا التي وضعت العالم في سجن إجباري كبير، وفي ظل فراغ قاتل لشبابنا الفاقدين للمشاريع الفكرية المثمرة!
إنّ المعالجة الفعليّة تتطلب ممارسة حكيمة، من فرض تشريعات رادعة، وإجراءات صارمة تجهض مثل هذه الظواهر السلبية في مجتمعاتنا دون المساس بحرية التعبير، وتكثيف البرامج التوعوية والتثقيفية للأبناء والآباء على حد سواء، ورفع كفاءة مفهوم المواطنة الرقمية في أذهان أبنائنا وبناتنا، وتعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية والجماعية، وتكاثف الجهود المشتركة بين مختلف المؤسسات والجهات والإدارات في مواجهة مثل هذه الأفكار والسلوكيات السلبية التي تخالف ديننا الإسلامي وعاداتنا المحافظة وقيمنا الأصيلة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها