ما بعد الكورونيالية

مصريات يرتدي بعضهن كمامات للوقاية من فيروس كورونا
مصريات يرتدي بعضهن كمامات للوقاية من فيروس كورونا

ألم تحن الساعة كي تدرك دول العالم الثالث مدى قيمة العلم في حل وتدبير الأزمات؟ ماذا جنت من تربةٍ سمادُها مستمد من منظومة الحفلات والمهرجانات والمسلسلات.

يتساءل الإنسان قبيل انتهاء موجة كورونا، عن ما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والإقتصادية، بسبب  هذا الداء الوبيل الذي أقض مضجع البشر ونغص عليهم  فرحة بداية السنة الجديدة إلى أن استفاقوا على وباء مستجد أحدث ارتجاجا وبلبلة في نفوس العالم بسبب سرعة انتشاره وقوة فتكه وعدم استعداد الدول لاستقباله.

مما صعب من مأمورية التشخيص المبكر لمعرفة بداية ظهوره، وأهم أعراضه وذلك لإيجاد لقاح فعال يشفي المصابين ويعيدهم إلى حياتهم اليومية التي ألفوها،.

وما أن دقت طبول الاحتفالات حتى أنجبت السنة الجديدة فيروسا مجهولا لا يفرق بين ثنائية المهمش والمركز، الفقير والغني، الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم.

والباحث في ربائد الكتب التاريخية يجد أن الفيروس ليس وليد اللحظة،بل إن المجتمعات شهدت أنواعا لا تحصى من الأوبئة تماثل ضراوة فيروس كورونا، ولنا أن نذكر في هذا السياق اوبئة الطاعون، والتيفود، والزهري، والنزلة الصدرية الاسبانية التي فتكت بالسكان سنة 1918، دون أن ننسى قارة آسيا التي استوطنتها الأوبئة لعقود من الزمن.

كان الحل هو التعايش معها بدون حجر صحي، غير أن فيروس كورونا جعل الأسئلة تتناسل كما تضاربت حوله الآراء، أهو صنيع البشر في المختبرات؟ أم هو ابتلاء من الله وامتحان قصد إعادة النظر في الحياة اليومية التي تُعج بالخطوب والآهات وكذلك الملذات.

هل ستجتمع دول العالم في طاولة واحدة بغية إيجاد لقاح فعال لهذه النازلة؟ ألم يجعل فيروس كورونا للعلماء العرب صوتا طباقيا

فأغفلت الناس نبراس الفلاح وأعمت بصيرتهم على إتخاذ أسباب التقدم الحضاري، المُؤَسس على ثلاث ركائز التعليم، والقضاء، والصحة ” ثالوث الدول المتطورة” أو بالأحرى الدول الكولونيالية التي ما فتئت تسيطر على دول العالم الثالث، بثقافتها وتعاملاتها التجارية والعسكرية.

إضافة إلى التموقع الجغرافي للدول والذي أسهم في تقسيم العالم إلى تحالفات وانتماءات، تحرم هذا وتحلل ذاك. كما تعتبر الآخر عدوا مهمشا ،وتابعا لا مبدعا، إذ تنظر إليه بنظرة شوفينية لا تؤمن بغنى ثقافته، ولا بنبوغ علمائه، وخاصة لمّا يخترع هذا التابع المهمش شيئا وهو في عالمه الثالث، يُعامل بنوع من الإمبريالية حيث دأب المركزُ أن يقود بها العالم ويوجهه حسب مصالحه وأهدافه الإستراتيجية والجيوسياسية.

محافظا بذلك على زعامته دون حسيب أو رقيب. فهل سيستطيع فيروس كورونا تكسير وتقويض المركزية الكولونيالية بعد هذه الجائحة؟ هل ستجتمع دول العالم في طاولة واحدة بغية إيجاد لقاح فعال لهذه النازلة؟

ألم يجعل فيروس كورونا للعلماء العرب صوتا طباقيا من منظور إدوارد سعيد؟ ساعدهم على البزوغ في محاولة العودة إلى الفردوس المفقود عبر اختراعاتهم رغم حالة الطوارئ،ومن خلال كفاءاتهم التي انبهرت منها الدول الأوربية وخاصة بلاد العم سام؟

في وقت كان العَالمُ التابعُ يعيش التهميش في بلاده التي استصغرته أمام المهرجين والمطربين. 

ألم تحن الساعة كي تدرك دول العالم الثالث مدى قيمة العلم في حل وتدبير الأزمات؟ ماذا جنت من تربةٍ سمادُها مستمد من منظومة الحفلات والمهرجانات والمسلسلات، التي فشلت في تشخيص أدوار الأطباء والعلماء الذين حضروا إلى عين المكان وقت الشدائد؟

كلها أسئلة وافتراضات تهدف إلى رفع الستار عن الحقائق المضمرة، كما تستشرف وضع مجتمعات العالم الثالث، التي تأثرت بفعل الشلل الذي أصاب عدة مجالات حيوية، فكانت النتيجة هي تزايد نسبة الفقر والبطالة.

ألم تحن الساعة كي تدرك دول العالم الثالث مدى قيمة العلم في حل وتدبير الأزمات؟ ماذا جنت من تربةٍ سمادُها مستمد من منظومة الحفلات والمهرجانات والمسلسلات

لا شك أن فيروس كورونا جعل العالم يتعاضد فيما بينه، فأصبح المُرْسَلُ إليه مُرْسِلا وهنا نستحضر المساعدات المصرية التي أرْسِلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من أهدافها السياسة.

لكنها أظهرت للعالم تضامن دول العالم الثالث مع دولة عظمى في غنى عن ذلك ، حيث كان من المفروض أن تُسخَر هاته المساعدات في تجهيز المستشفيات…وكفى. 

أنظروا كيف استشعر المركزُ خطر الجائحة فبدأ يستقطب الأدمغة من كل ثغر حفاظا على هيبته بين الدول، وضمانا لولاية جديدة له إن تمكن من إيجاد اللقاح بخبرة عربية تتحدث عنها القنوات إلى يومنا هذا.

الأيام وحدها كفيلة للإجابة عن  أسئلة كثيرة قصد ربط الأسباب بالمسببات،  يجب أن تستفيد دول العالم الثالث من الدرس الكوروني، وأن تستيقظ من سباتها وألا تستصغر نفسها أمام دول أخرى، وأن تقوم بنقد ذاتي لعلها تتصالح يوما ما مع مجتمعاتها التي ضاقت ذرعا بسياساتها.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها