فيبروميالجيا وأفتخر (1)‎

صورة أرشيفية

مريض “فيبروميالجيا“..هل أنت جريء كفاية كى تتحدث عن نقاط ضعفك؟هل نتحلى بالشجاعة ونتحدث عما نعانيه نفسيا أو جسديا ؟

(سيتهمك الناس بالجنون) هكذا ألقاها الطبيب فى وجهى وملامحه يكسوها التعاطف والشفقة
تعجبت من كلماته فسألته وأنا أضحك: لماذا يا دكتور؟
فقال بوضوح وحسم أنتِ مريضة ”فيبروميالجيا“..وهذا المرض لا يظهر فى أشعات أو تحاليل لذا لن يصدقك أحد”
لم أفهم فى البداية ماذا يقصد، وربما ظننته يمزح،  لكنه لا يعلم أن جملته هذه وفرت علي نصف الطريق..
حيث صار على من السهل أن أتوقع ردة فعل من لا يفهم معاناتى لكننى لا أخفيكم أننى أتألم نفسيا فى بعض الأوقات بسبب قسوة الناس أو جهلهم رغم أنك لا تدخر جهدا فى إخبارهم ..
فتجد نفسك مضطرا فى النهاية للعزوف تماما عن الكلام، ولا تريد أن تشرح لأحد ولا أن توضح وجهة نظرك لأحد وتُسِر لنفسك بقول: “فليذهبوا جميعا للجحيم “

قال بوضوح وحسم أنتي مريضة ”فيبروميالجيا“..وهذا المرض لا يظهر فى اشعات أو تحاليل لذا لن يصدقك أحد”

كان هذا الطبيب الرابع أو الخامس الذى ألجأ إليه، بعدما ذهبت لعدد من الأطباء منهم من لم يستطع تشخيصي، ومنهم من قام بتشخيص خاطئ .
وعليه فقد كنت آخذ جرعات مكثفة من الحقن  لعدة أشهر وأنا مشخصة بمرض آخر!!
لا أنسى يوم أن ذهبت إلى أحد مراكز الأشعة الكبرى وطلبت عمل رنين مغناطيسي على عمودي الفقارى بأكمله من الرقبة حتى الفقرات القطنية. ويوم استلام النتيجة نظر لى الطبيب بدهشة متسائلا :من طلب منك هذه الاشعة
أجبته بكل براءة: لا أحد
علت الدهشة وجهه مرة أخرى قائلا : تقومين بعمل رنين مغناطيسي على العمود الفقارى باكمله بدون استشارة طبيب ؟!
– نعم
-لماذا ؟
-من شدة الألم شككت أن يكون لدى أى مرض خبيث والأطباء لا يستطيعون تشخصيه
أبتسم مطَمئنا : أنتِ زى الفل، الأشعة سليمة مية فى المية”
على قدر فرحتى بالنتيجة على قدر ألمي وازدادت حيرتي إذن ما هذه الالام!!

لم تكن مشكلتي فقط فى تلك الهجمات التى تعتريني من وقت لآخر بقدر ما كانت مشكلتى أن لا أحد يفهم ما أعانيه وإن فهم فلا يستطيع أن يشعر أو يقدر قدر الألم .
هذه الآلام التى قد تصيبك فى شكل هجمة شرسة على جميع أجزاء جسدك فتارة تشعر بألم ..وتارة بوخز..وتارة بتنميل فى بعض الأجزاء..وتارة بحرق تحت الجلد
ورغم كل هذه الآلام التى تشعر بها إلا أنها لا تظهر عليك  فى أي أشعة أو تحاليل ولا حتى فى شكل إعاقة جسدية تظهر للناس من الخارج
حتى مريض البرد والحرارة الخفيفة يعتبره الناس يعانى بشكل أو باخر ويقدرون مرضه لكن مع الأسف مع هذا المرض لن يفهمك أحد لأنه شيء غير ملموس ويترجم عند البعض بأنه “دلع”

لذا قررت أن أتحدث قليلا عن ألمي وألم الأخرين الذين يعانون مثلى عله يكشف للمجتمع ولو جزءا بسيطا من حياتنا ومعاناتنا.

ما الهدف من كتابة هذه السلسلة ؟
الثانى عشر من شهر مايو كان اليوم العالمى للفيبروميالجيا
نعم ..أعلم أنك ربما لم تسمع حتى بهذا المرض من قبل وربما تجد صعوبة فى نطقه مثلما يحدث معى إلى الآن.
لذا قررت أن أتحدث قليلا عن ألمي وألم الأخرين الذين يعانون مثلى عله يكشف للمجتمع ولو جزء بسيط من حياتنا ومعاناتنا.
هذه السلسة ليست للتعاطف ولا للشفقة وإنما كى نفهم طبيعة الشخص الذى يعانى من هذا المرض، كى نفهم نفسيته وطريقة تفاعله مع الأمور.
حتى لا نحمله ما لا يطيق،يكفى فقط أن نفهم معاناته ونحترم قدراته ولا نسفه من ألمه
ليس مطلوبا منك أكثر من ذلك.

عن معاناتهم:
كانت تحكى باكية ذات يوم :عندما أشتد بى الألم و ذهبت معه  للمتابعة عند الطبيب تعمد الطبيب أن يقول جملة هامة جدا كى يسمعها زوجى : “مريض الفيبروميالجيا يحتاج دوما للدعم النفسى ممن حوله”
لكني  وجدته يغوص فى جواله غير مبالٍ، فأعاد الطبيب جملته مرة أخرى كى ينتبه زوجي فوجده غارقا فى عالمه ولا ينظر إليه بل إن الجملة لم تصل إلى مسامعه، ولم يكلف خاطره أن ينظرلي  كى يبادلني مشاعر كنت أحتاج إليها بشدة فى ذلك الحين .

هل أنت جرئ كفاية كى تتحدث عن نقاط ضعفك؟هل نتحلى بالشجاعة ونتحدث عما نعانيه نفسيا أو جسديا ؟

هذه المواقف البسيطة التى تحدث قد تصيب هذا الشخص بجرح غائر لا شفاء منه،حيث يجد أن أقرب الناس اليه لا يفهمون حالته ولا يقدمون حتى الدعم النفسى المناسب.
لا أنسى تلك الفتاة التى كتبت على إحدى جروبات الفيبروميالجيا :هل أُصارح الشخص الذى تقدم لخطبتي بحقيقة مرضى ؟…يا الله !!!!
كم هذا قاسٍ!!
أن يكون إرتباطها على المحك، وتخشى أن تصارحه بمرضها حتى لا تخدعه وفى نفس الوقت تقع فى صراع دائم أنها قد تُرفض بسبب ذلك. ومن سيريد الارتباط بشخص مريض !
لأننا هكذا تربينا فى مجتمعنا، وكأن هذا المرض بأيدينا، و كأننا نستطيع التحكم فيه
وكأنك تضمن نفسك بأنك ستستيقظ فى اليوم التالى وأنت سليم معافىً مائة بالمائة .
وصمة المرض:
هل أنت جريء كفاية كى تتحدث عن نقاط ضعفك؟هل نتحلى بالشجاعة ونتحدث عما نعانيه نفسيا أو جسديا ؟
هذا ما أسأله لنفسى منذ فترة ليست بقصيرة، لماذا تربينا على ذلك ؟ إلاّ نتحدث بكل جرأة عما نعانيه، حتى وأنا أكتب هذا المقال أتساءل هل سيُصمني الناس بعار المرض؟ لماذا نخاف دوما البوح عن ألمنا النفسى وكذا ألمنا الجسدي ؟
كيف سينظر الناس لنا ؟هل سيتعاطفون؟ هل سينظرون لنا بشفقة ؟ماذا أفعل فى حياتى اليومية ؟كيف أتغلب على مشاعر الإحباط والقلق؟ كيف سأشعر بالإنجاز مرة أخرى ؟
كل هذه الاسئلة سأحاول الاجابة عنها فى الحلقات القادمة بإذن الله

 

وحتى ألقاكم إليكم قول الممثل العالمى مورغان فريد مان الذى شُخص بهذا المرض عام 2008 والذى تحدث عن مرضه بكل جرأة عندما قال: “لدى حياة واحدة فقط ولن أدع الفيبروميالجيا تحرمنى المتعة من عيشها “

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها