العراق وعنق الزجاجة

مواطنون عراقيون يلوحون بعلم بلادهم مطالبين بتحسين ظروف المعيشة وإصلاح البنية التحتية المتهالكة وتحسين الخدمات الصحية خلال خروجهم في مظاهرات في العاصمة بغداد. أكثر الصور تداولا على صفحات التواصل الاجتماعي

وأمتد شعاع النور الذي كان يُرى في أخر النفق، وتوسع أمل التغيير، فعلى الرغم من البطش والقتل والتنكيل والإعتقالات والترهيب، إلا أن الشباب واصلوا مسيرتهم.

الخروج من عنق الزجاجة، تعبير عن أزمة يمكن أن يعيشها الفرد أو المجتمع أو   الدولة، فما بالك إذا كان هذا العنق ليس ضيقاً فحسب وإنما إعوج؟
 ذلك لعمري وضع العراق ما بعد 2003، فمنذ أن قررت الولايات المتحدة منح العراق حقه في أن يكون بلداً
ديمقراطياً، وهو يعيش في أتون صراع مع هذا العنق الضيق الإعوج الذي يزداد ضيقاً واعوجاجا بمرور الايام، بينما تحولت ديمقراطية أمريكا الموعودة إلى مجرد سراب بعد أن تقاسمت السيطرة والنفوذ مع عدوتها اللدود إيران، التي تتعايش وتعتاش على شعار الموت لأمريكا.
ولسنا هنا بصدد تقييم ما جرى عقب الغزو الإمريكي للعراق وما تبعه من استنباط عملية سياسية هجينة وما تبع ذلك، بقدر ما هي محاولة لتسليط الضوء على الخيارات المتبقية أمام العراقيين كشعب للخروج من هذا العنق الضيق والأعوج.

بل إن شئت الدقة أكثر، تسليط الضوء على الخيار الوحيد وليس الخيارات، فالخيارات تعني أن هناك رفاهية إختيار، لا تبدو أنها متوفرة أمام العراقيين.
في أكتوبر الماضي شرعت مجاميع شبابية عراقية في مختلف مدن جنوب العراق وبغداد بالخروج في تظاهرات تطالب بالإصلاح السياسي.

حتى المدن التي لم تخرج لأسباب مختلفة، وجدت ألف طريقة للتعبير عن تأييدها لتظاهرات بغداد، وأمتد شعاع النور الذي كان يُرى في أخر النفق، وتوسع أمل التغيير، رغم البطش والقتل، إلا أن الشباب واصلوا مسيرتهم

تظاهرات توقع لها الكثيرون أنها لن تطول أكثر من يومين أو ثلاثة، أو حتى اسبوع، غير أن ما جرى كان أكبر من المتوقع، ولم يكن يحلم به أكبر المتفائلين بمصير تلك التظاهرات، فلقد امتدت وتوسعت رقعتها، والعشرات الذين خرجوا في اليوم الأول صاروا بالمئات ثم بالآلاف ثم صارت رقعة الوطن كلها ساحة للتظاهر الشعبي.

فحتى المدن التي لم تخرج لأسباب مختلفة، وجدت ألف طريقة وطريقة للتعبير عن تأييدها لتظاهرات بغداد ومدن الجنوب.
وأمتد شعاع النور الذي كان يُرى في أخر النفق، وتوسع أمل التغيير، فعلى الرغم من البطش والقتل والتنكيل والإعتقالات والترهيب، إلا أن الشباب واصلوا مسيرتهم، وواصلوا تظاهراتهم، وتغيرت الشعارات، فلم يعد الاصلاح كافياً، بل صار لزاماً على جوقة الحاكمين ان يرحلوا، نعم يرحلوا، وأن يرحلوا كلهم، لا فرق بين جنوبي او شمالي، ولا بين شرقي او غربي.
جاءت جائحة كورونا، هبة من السماء لأركان الطبقة السياسية الحاكمة، فلقد أجبرت العالم وليس العراق فحسب على اتباع إجراءات التباعد الإجتماعي، الأمر الذي أصاب التظاهرات في مقتل، وجمد مياهها الدافقة، ما منح الكتل السياسية فرصة للتنفس والتلاعب والاحتيال على مطالب الشعب التي اسقطت حكومة عادل عبد المهدي، حتى توهمت تلك الكتل السياسية التي تشكل مشهد العراق المختنق بعنق زجاجة أعوج، أنهم نجوا من غضبة الشعب.

جاءت جائحة كورونا، هبة من السماء لأركان الطبقة السياسية الحاكمة، فلقد أجبرت العالم وليس العراق فحسب على إتباع إجراءات التباعد الإجتماعي، الأمر الذي أصاب التظاهرات في مقتل، وجمد مياهها الدافقة

لكن لا يبدو أن الأمر كذلك، لا يبدو أنه مثلما يحسبه صناع السياسة الفاشلين، فالشعب مازالت جذوته مشتعلة، وروح الثورة مازالت تغلي في عروق شبابه، بل ربما زادتها جائحة كورونا إصراراً، خاصة بعد أن شاهدوا كيف أن تلك الكتل السياسية تحاول أن تستثمر حتى هذا الوباء من أجل مزيد من الوقت لتبقى في السلطة.
في الكوت، قبل أيام قليلة فقط، انطلقت تظاهرة شبابية كبيرة، تمهيداً لمليونية أخرى ستشهدها ساحات التظاهر في بغداد والمدن الجنوبية الأخرى هذا الشهر.

مليونية ربما ستشكل حدثاً مفصلياً في عمر ثورة أكتوبر العراقية، وعمر عمليته السياسية التي وصلت إلى مشارف النهايات إن لم تكن قد ماتت فعلاً.
الخيار، وليس الخيارات، الوحيد المتبقي أمام العراقيين للخروج من عنق زجاجتهم الأعوج، هو الثورة، الثورة الشعبية ، الثورة التي لا تقبل بأنصاف الحلول، فلا عملية سياسية بأركانها الفاسدة، لا حكومة من رحم الفساد المتمثل بكتل سياسية وأحزاب ومليشيات تفننت في سرقة العراق لأجيال قادمة، لا دولة داخل دولة، لا سلاحا خارج سلاح السلطة الرسمية ، بهكذا أهداف، وليس شعارات، يمكن أن يخرج العراق من عنق زجاجته الأعوج.
أما إن استمرت الطبقة السياسية في العراق، تحاصر الدولة والشعب في العنق الأعوج، فالخوف كل الخوف أن يضيق هذا العنق الأعوج أكثر، وأن يستيقظ العراقيون على أخبار مدوية، كالتي عاشوها عام 2014، يوم أن أحتلت داعش نحو نصف مساحة العراق.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها