التخلي عن الموظفين وقت الأزمات!!

العشرات من موظفي غوغل انضموا إلى الإضراب في دبلن بأيرلندا

يشهد العالم حالياً أزمة من جراء جائحة كورونا Corona Pandemic التي تسببت في تفشي مرض كوفيد-19 على مستوى واسع مسبباً ركوداً عالمياً في الاقتصاد بعد اعتماد مبدأ الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي مع عدم استبعاد تحول الركود إلى كساد، ما لم يتم التوصل إلى علاج ولقاح قريباً لهذا الفيروس الذي غير من شكل ومضمون حياة الناس.

ومع تصاعد حدة الأزمة التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2019م من منطقة “ووهان” الصينية ومستمرة معنا حتى الآن ونحن في مايو/أيار 2020م، والتي تسببت عالمياً – حتى كتابة هذا المقال – في إصابة ما يزيد عن 4 ملايين إنسان ، من بينهم وفيات تم تقديرها بـ 277.522 إنسان، وتعافي قرابة المليون و 406 آلاف ومائتي شخص، بينما ما زال قرابة مليونين و 367 ألف و 599 إنسانا قيد تلقي العلاج المؤقت أو تحت أجهزة التنفس الاصطناعي في المستشفيات ومراكز الحجر حول العالم.

فقد أدت هذه الأزمة إلى إصدار منظمة العمل الدولية تقديراتها بأن العالم سيخسر ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل من بينهم 5 ملايين في الدول العربية وحدها، وهي نسبة تعادل فقدان العالم لقرابة 6.7% من إجمالي ساعات العمل في النصف الثاني من العام 2020م، مؤكدة أن أوربا والمنطقة العربية ستكونان من أكثر المناطق المتأثرة سلباً بتلك الأزمة العالمية التي ستفوق آثارها أزمة 2007-2008.

ومن بين القطاعات التي تأثرت سلباً بالإغلاق العام عالمياً، قطاع الطيران الذي خسر فقط ما بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2020م قرابة 7.2 مليار دولار، وقطاع البترول الذي انخفضت أسعاره إلى أدنى مستوياتها جراء تدني مستوى الطلب عالمياً وزيادة المخزون، وقطاع التصنيع الذي يعمل فيه 463 مليون شخص على مستوى العالم، وقطاع خدمات الأعمال والإدارة الذي يعمل به 157 مليوناً، وقطاع البيع بالتجزئة والجملة والذي يعمل به 582 مليوناً، إضافة إلى قطاع الغذاء والفنادق الذي يعمل به 144 مليون عامل.

وبالفعل يواجه العاملون في تلك القطاعات وغيرها شبح التخلي عنهم بين لحظة وأخرى وخاصة في ظل إعلان بعض الشركات الكبرى بدء خطط تقليص عدد العمال لديها وإجراء تصفيات على مستوى كبير، ما جعل البعض يتساءل ما إذا كان هناك مبرر منطقي لدى هذه الشركات أو بعضها في اتخاذ هذه الإجراءات الإقصائية وخاصة أنه لا يـُعرف عن كثير منها تعرضها للخسائر على مدار سنوات وربما عقود.

ومنها شركات حققت أرباحاً طائلة، ومنها شركات تدعمها دول، ما جعل من المنطقي طرح سؤال أين كل هذه الأرباح والأموال إن لم يكن وقتها هو تحمل بعض الأزمات التي تمر بالجميع، وخاصة في ظل الحديث عن عودة الحياة ولو بشكل جزئي وتدريجي إلى العالم بدءاً من مايو/أيار ويونيو/حزيران 2020م، مع مراعاة إعمال مبدأ مراقبة الأوضاع خوفاً من موجات إعادة التفشي للوباء الذي لا علاج له حتى الآن.

أولويات التعافي ما بعد كوفيد-19 تتمثل في تحفيز الاقتصاد والتوظيف، دعم الشركات والوظائف والدخل، حماية العاملين في مكان العمل، الاعتماد على الحوار المجتمعي لإيجاد الحلول

ويؤكد تقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية أنه “من دون اعتماد سياسات مناسبة، يواجه العمّال خطر الوقوع في براثن الفقر وسيواجهون تحديات أكبر في العودة لأشغالهم خلال فترة التعافي”. ولهذا دعا التقرير إلى صياغة سياسات عند الاستجابة للجائحة تركز على تقديم المساعدة الفورية للشركات والعمال لحماية مكاسب رزقهم بما فيها الأعمال الحيوية في القطاع الاقتصادي وخاصة في القطاعات المتضررة أكثر من غيرها والدول النامية.

وأرى من جانبي أن الأزمة العالمية هي مؤثرة بالفعل على قطاعات الأعمال المختلفة ومن ثم الشركات، وتدفع بالاقتصاد إلى منحنيات الهبوط، ولكن كل ذلك ليس بسبب الجائحة فقط (وإن كان هذا عامل رئيسي)، ولكن بسبب سوء إدارة الأزمات لدى البعض من جانب، والجشع الإنساني لدى بعض المؤسسات والأفراد من جانب آخر.

وللأسف فإن الأسباب تجتمع جميعها على الموظف والعامل في القطاعات المختلفة سواء أكانت متأثرة بالفعل مع غياب المخزون النقدي الكافي لمواجهة أزمة تستمر لأشهر وربما أكثر، أو أنها مؤسسات لديها ما يكفي من المخزون النقدي الذي يمكنها من تجاوز الأزمة بنفس عدد موظفيها مع بعض إجراءات التقليص أو التخفيض المنطقية وبالاتفاق المشترك بين المؤسسة والعامل، إلا أنها قد لا ترغب في ذلك تعظيماً لمكاسبها على حساب أي بـُعد آخر، بما يُعد سوء استغلال للأزمة، وهذا واضح في بعض الممارسات حالياً.

كما أؤكد أن العالم قد يواجه إشكاليات تجاه مفاهيم مثل: الرضا الوظيفي، والولاء المؤسسي، والانتماء التنظيمي، في حال استشعر العامل أو الموظف أنه أول من يمكن أن تتم التضحية به أمام الأزمات من دون محاولة التوصل لتسويات وحلول يساعد فيها الجميع بمنطق وواقعية لمواجهة تلك الأزمات وتخطيها،أو شعوره بأن المؤسسة التي أفنى عمره فيها وقدم لها علمه ووقته وفكره – حتى ولو من أجل المقابل المادي الحياتي – ستطيحه بسهولة، ومن ثم أنصح بالتوقف عن سيناريوهات التخلص من العمالة وعدم اعتبارها أسهل وأقرب الحلول عند مواجهة الأزمات.

وأختم ببعض التصريحات التي أطلقها من جنيف السيد غاي رايدر – مدير عام منظمة العمل الدولية – والتي رحب فيها بالتدابير التحفيزية المالية التي اتفق عليها أعضاء مجموعة 20، ودعا كذلك إلى تدخلات تستهدف بشكل أكبر القطاعات التي كانت أكثر حيوية خلال الأوضاع العادية، وطالب الشركات بالحفاظ على موظفيها، في الوقت الذي أكدت فيه المنظمة أربع ركائز باعتبارها أولويات للتعافي ما بعد كوفيد-19، وهي:
تحفيز الاقتصاد والتوظيف.
دعم الشركات والوظائف والدخل.
حماية العاملين في مكان العمل.
الاعتماد على الحوار المجتمعي لإيجاد الحلول.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها