ضعف الرابط الاجتماعي خطأ من؟

يتسم السياق الحقوقي والمجتمعي المغربي بتجدد النقاش حول الحريات الفردية كلما جد حادث يلامس الأمر.

آن الأوان إلى جعل المفكر والعالم في الدرجة الأولى من التنظير من أجل تفعيل الرابط الاجتماعي بشكله الصحيح بين طبقات المجتمع حتى لا ننتظر من الأزمات أن تجعل منا مجتمعا متكافلا.

كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تعنى بدراسة الترابط الاجتماعي في المجتمعات والتي تسمح لها بتشكيل رؤية واضحة عن طبقات المجتمع على اختلاف شرائحهم.

لكن في نهاية المطاف يتوحدون تحت سقف مؤسسات الدولة، التي بها يتشكل هذا الرابط الإجتماعي ويصبح لبنة أساسية لبناء وتشكيل سلوك الفرد والمجتمع، وهذا ما يمكن أن نلاحظه بشكل واضح حينما أكد صاحب المقدمة ابن خلدون: “إن المجتمع وعمرانه لا يمكن أن يظهرا إلى الوجود من خلال تفرق جهود الأفراد وتبعثرها، فالإنسان الذي يدرك بفطرته سبل عيشه، يدرك كذلك بالضرورة تعاونه مع بني جنسه،إذ ليس في مقدور كل واحد أن يوفر حاجاته لنفسه إن ذلك بفرض ويتطلب تعاونا وترابطا بين الناس”.

لكن هذا الرابط لا يمكن أن يتحقق إلا بمجموعة من الإجراءات والتعاقدات التي بها يمكن أن تتحد فيه الرؤى من خلال الدخول في علاقات اجتماعية إيجابية تتخذ أشكالا وأنساقا متنوعة من التفاعل، حتى تتحقق لنا استراتيجية التعامل الإيجابي بين الأفراد على اختلاف محيطهم البيئي.

الإنسان الذي يدرك بفطرته سبل عيشه، يدرك كذلك بالضرورة تعاونه مع بني جنسه

لقد بتنا نعيش في زمن المتناقضات، زمن الفردانية بإمتياز فالكل يريد أن يحقق شهوة الريادة والتمتع بالإمتيازات دون الحرص على مبدأ التكافل والتآزر.

صحيح أن بعض الأزمات قد تخلق منك إنسانا أخر في التفكير، لكن إذا لم تكن موجها من قبل بعض المؤسسات فقد ذلك خرقا لقانون النظام المؤسساتي المعمول به حتى وإن كان الأمر تطوعا وغرضه مساعدة الناس.

مما يخلق لك نوعا من الإغتراب الموحش داخل وطنك!! الأمر الذي  أشار إليه بول باسكون في كتابه {Le Maroc au présent}، بحيث يرى أن المغرب رغم تقدمه الملحوظ إلا أنه بين اتجاهين لا هو بمغرب قادر على الدخول للحداثة، ولا هو بمغرب لم يعد تقليديا، فهو بالتالي يتخبط في بحر من التناقضات، بين الجماد والحركة، وبين الدينامية والمحافظة. بمعنى أنه ينساق ضمن المجتمع المركب الذي تتيه فيه الإتجاهات وتتشابك فيه النظريات حسب نظرية بول باسكون دائما مما يجعل العلاقات الاجتماعية مفرغة من معانيها.

التفكك الذي أصبح يلاحق مبدأ الترابط الاجتماعي ليس وليد اللحظة، بل هو بناء عبر مراحل تسعى لخلخلته مجموعة من التيارات التي يكون لها هدف معين قد يكون فيه وعي المجتمع والمطالبة بحقوقه إحدى هذه الأسباب التي تسعى دوما إلى إضعافه

وبالتالي مسألة الترابط الاجتماعي لن تتحقق بالطريقة التي نظر لها مفكروها، وبالتالي تسيطر الفردانية على المجتمع مما أسقط علاقاتنا الإجتماعية مع بعضنا بعضا في براثين تطبعها الإنتهازية والأنانية، وطغيان قيم النفاق الاجتماعي.

إن التفكك الذي أصبح يلاحق مبدأ الترابط الاجتماعي ليس وليد اللحظة، بل هو بناء عبر مراحل تسعى لخلخلته مجموعة من التيارات التي يكون لها هدف معين قد يكون فيه وعي المجتمع والمطالبة بحقوقه إحدى هذه الأسباب التي تسعى دوما إلى اضعافه.

فتغيرت معه ملامح العلاقات الإجتماعية بالمجتمع المغربي فشهدنا غيابا تاما لجو الاستئناس والألفة، لمبدأ العائلة الكبيرة بكل تفاصيلها، لروابط الجار في زمن أصبح الجار عار، لرابط الصداقة الذي غلب المصلحة الفردية على المصلحة العامة . بحيث أصبحت القيم المجتمعية لا تمثل لنا سوى طقوس وعادات لابد حضورها مرتدين قناع النفاق والشقاق.

فهذا أصبح أمرا لا يخفى على أي شخص حينما يلاحظ مظاهر التفكك والتشتت التي أضحت تتخبط فيها العلاقات الاجتماعية المغربية وهذا ما سماه صاحب التنشئة الاجتماعية إميل دوركهايم -بفقدان المعايير الاجتماعية كمظهر للحياة الحديثة.

وهذا راجع بالأساس إلى فقدان جل المغاربة مبدأ الثقة بمؤسسات الدولة التي في نظرهم أضحت تشجع التفاهة على حساب الثقافة والتنوير العقلي.

 أصبحت القيم المجتمعية لا تمثل لنا سوى طقوس وعادات لابد حضورها مرتدين قناع النفاق والشقاق.

فقبل أن نخاطب الشعب بضرورة الأمتثال للتعليمات والانصياع لها وجب التفكير سلفا في تهيئته لهكذا أوضاع حتى يقبل لغة الخطاب بشكل مباشر دون توعية أخرى، ويكفي أن نعطي مثالا على بعض ما يقدم من برامج تلفزيونة لا يهمها سوى الرفع من نسبة المشاهدة دون مراعاة المحتوى المقدم وما له من سلبيات على المتتبع.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الالكترونية وقنوات اليوتيوب مع احترامي للبعض الذي يراعي قيمة المواطن في مادته المعروضة.

فلا يمكن أن نتحدث اليوم عن درجة الوعي بالرابط الاجتماعي في تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي ونحن لا زلنا نتخبط في عشوائية التسيير لاسيما مع من شكلت تفاهته رمزا للاقتداء وهنا لابد لي أن أستحضر المفكر الكندي- آلان دونو- في كتابه “الميديوقراطية”  الذي يبرز فيها بشكل واضح التغلغل الساحق للتفاهة  التي طغت على مناحي الحياة السياسية والإجتماعية في العالم.

وهذا بطبيعة الحال لم يكن أن يتحقق إلا بدعم ومباركة قوى عولمية امبراطورية عابرة للقارات، سماها القوى الرأسمالية المتوحشة، هدفها التحكم ونشر تصورات في المجالات السياسية، والاجتماعية، والإعلامية، مما أفرز أسلوب حياة تافه حسب آلان دونو(paradigm of life).

مما يتيح للطبقة التافهة في التحكم والسيطرة وبالتالي تتقلص أمام الإنسان العادي مساحة التفكير وإبداء الرأي أو الرفض والمناداة بالتغيير، مساحة أبعد معها أصحاب الكفاءة والخبرة قصرا عن الظهور وخدمة المجتمع، لكي نحول التافه إلى رمز من رموز الاستشارة والاقتداء لنتحول دون سابق إنذار إلى مجتمع تافه وسطحي وهذا ما دفع آلان دونو إلى القول: “يا بلهاء العالم اتحدوا كي يكون الانتصار ساحقاً”.

مما قد يسقطنا في صراع العلاقات الاجتماعية بين ما نحب وبين ما لا نحب حتى وإن كانت التفاهة عنصرا منه، يقول المفكر المصري عصمت سيف الدولة عن هذا الحال الذي تتخبط فيه فئة المتخلفين والمتقدمين: “إن المجتمع قد يخلق الصراع الاجتماعي بين الأفراد على مستوى امتداده الأفقي، وبين الفئات والجماعات على مستوى امتداده الرأسي، وبين المتخلفيّن والمتقدميّن على مستوى تطوره إلى المستقبل، ويؤدي هذا الصراع الاجتماعي إلى التخلف، نتيجة لدوره المعوّق للجدل الاجتماعي”.

فآن الأوان إلى جعل المفكر والمثقف والعالم في الدرجة الأولى من التنظير والاستشارة من أجل تفعيل الرابط الاجتماعي بشكله الصحيح بين طبقات المجتمع حتى لا ننتظر من الأزمات أن تجعل منا مجتمعا متكافلا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها