هل يخاطر السيسي بتدريب الشعب على العصيان؟

السيسي يتفقد العناصر والمعدات التابعة للقوات المسلحة المخصصة لمعاونة القطاع المدني لمكافحة فيروس كورونا

السيسي ببساطة لا يملك اختيار فإما أن يحافظ على أرواح الشعب بالحظر الكامل والتكفل بمعيشة المواطنين، أو يحافظ على وجوده و وجود نظامه باختيار مناعة القطيع مضحيا بجزء من الشعب.

كيوفيد 19 -ذاك الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة، ومع ذلك صار شبحا مرعبا يفرد أجنحته على العالم كله، بل وفرض بقسوة على كل الدول أكبر عملية عزل قسري وحصار طوعي لأول مرة في  التاريخ، فما يمر به البشر الأن هو أكثر لحظاتهم تخبطا، فالعالم يسير بسرعة جنونية نحو حافة الكارثة.
وفي ظل الضبابية والخوف المسيطر على العالم والسباق المحموم بين الدول للخروج من تلك الأزمة بأقل تكلفة ممكنة من أرواح البشر، كيف يدير الجيش بمصر تلك الأزمة؟
ببساطة لقد قرر الجنرال السيسي استخدام” مناعة القطيع “في مواجهة فيروس  كورونا، وذلك رغم العلم بحال المنظومة الصحية بمصر،التي تحدث عنها نصا خلال مؤتمر صحفي حول ملف حقوق الإنسان قائلا: حقوق الإنسان ليست قاصرة على الحقوق السياسية فقط!!! لماذا لا تسألني عن حق الإنسان في مصر في التعليم الجيد؟ ليس لدينا تعليم جيد، لما لا تسألني عن حق العلاج الجيد في مصر؟ “ليس لدينا علاج جيد في مصر”.
وبالرغم من تلك الصورة القاتمة التي رسمها الجينرال  لمصر أمام العالم، واستكملها داخليا بأخبار الشعب بمناسبة وبدون مناسبة أنهم أمة عوز، وأنهم (فقرا قوي) إلا أنه أختار مناعة القطيع التي تحتاج لنظام صحي قوياجدا لا تملكه مصر ولا أي دولة في العالم كما كشف لنا ذاك الفيروس.

السيسي بعدم تطبيقه الحظر الكامل يطيل بقاء نظامه الذي صار حتميا رحيله، لأنه لن يستطيع قريبا أن يوفر للشعب رغيف الخبز إن طال وجود فيروس كورونا.

ومناعة القطيع ببساطة هي:ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس، وبالتالي تتعرف أجهزته المناعية على الفيروس، ومن ثم تحاربه إذا ما حاول مهاجمتها مرة أخرى.
لكن العلماء يرون أن هذه الاستراتيجية غير فعالة في مواجهة فيروس كورونا، بسبب تطور الفيروس جينيا ، بالإضافة إنه حتى يصل مجتمع ما على  مناعة القطيع في حالة كورونا، لابد أن يصاب ما يقرب من ٧٠٪ من أفراده.
 وإذا أخذنا مصر مثالا يعني ذلك إصابة 60 مليون مصري على الأقل قبل أن تنجح الفكرة.

إذا لماذا يختار السيسي مناعة القطيع رغم ثبوت تكاليفها البشرية الكارثية وفشلها باعتبارها وسيلةَ مواجهة؟
الإجابة: لها شقين الأول اقتصادي، والثاني سياسي
أولا سبب اقتصادي:
 السيسي ببساطة لا يملك اختيارا، فإما أن يحافظ على أرواح الشعب بالحظر الكامل والتكفل بمعيشة أفراده، أو يحافظ على وجوده و وجود نظامه باختيار مناعة القطيع مضحيا بجزء من الشعب.
 فالأمر ليس لأننا  فقراء وأمة عوز!! بل لأن السيسي جرف الدولة من كل مواردها بمشاريع فاشلة لا طائل منها سوى العرض الإعلامي، واللقطة التي تسجلها العدسات.

هذا بخلاف الديون الخارجية والداخلية التي أصبحت مصر وشعبها ينوءان  من وطأتها، فحماية الشعب بفرض حظر كامل يحتاج لنفقات مهولة، فمن أين للسيسي أن يأتي بها بعد أن أهدر مقدرات البلاد في مشاريع وهمية؟
فمن مشروع تفريعة  قناة السويس، التى  أضاع فيها وديعة حرب الخليج بالإضافة لمدخرات المصريين التي جمعها.
إلى الظهور الغاضب للسيسي لحديث  وسائل التواصل الاجتماعي عن القصور التي يبنيها بعاصمته الإدارية، بينما أصبح غالبية الشعب تحت خط الفقر يبحث كثير منهم عن قوته وقوت أولاده بين القمامة، ليردد على أسماعهم دون خجل(أه أنا ببني وهبني وابني)
وصفقات السلاح  العجيبة التي تتم من أجل شراء شرعية، أو للتغطية على جرائم ارتكبها النظام مثل قضية ريجيني
وانهيار  البنية التحتية، وفضائح فساد الهيئة الهندسية التابعة للجيش  بسبب انهيار طرق وكباري تقوم بإنشائها في خلال أشهر.
وللتغطية على كل هذه الكوارث وأكثر ،قام النظام بتجنيد جيش إلكتروني مهول يتم انفاق مبالغ طائلة عليه للدفاع عنه وتحسين  صورته في وسائل التواصل الاجتماعي.

أما عن السبب السياسي، وهو الأهم بالنسبة إلى السيسي، ففكرة  الحظر الكامل هي بعينها فكرة العصيان المدني الذي يطالب بها رافضو  الإنقلاب حتى يرضخ النظام لمطالب الشعب، الذي نعلم جميعا أن الشعب المصري ليست لديه تلك الثقافة.
فهل يخاطر السيسي بتدريب الشعب على العصيان المدني؟لو طبق السيسي الحظر الكامل سيكون أمام أمرين..
أولا:التكفل بمعيشة الشعب وهو ما لا يقدر عليه بعد ما أوضحناه من إهداره لمقدرات الدولة، وحتى وإن استطاع تدبير ذلك، وذاق الشعب الذي لم يجد من يحنوا عليه يوما قليلا من الراحة وقليلا من حقوقه تتكفل به دولته ،فكيف سيقنعه السيسي بعد ذلك بالعودة والتنازل عن تلك الحقوق دون أن يفرض الشعب شروطه عليه وعلى حكومته ليصبح للمر الثانية في تاريخه هو صاحبَ القرار ،كما حدث في يناير 2011 لكن هذه المرة لن يفلت مجرم من مقصلة الشعب، وهذا ما يعلمه  السيسي جيدا.

 إغلاق المساجد بمصر لا دخل له من بعيد أو قريب بالوقاية من الفيروس والشاهد على ذلك أن جميع التجمعات بمصر متاحة

ثانيا: لو لم يستطيع السيسي أن يتكفل بمعيشة المواطنين وهو السيناريو الواقعي، فإن هذا الشعب سيخرج عليه بثورة جياع تأكله وتأكل نظامه، وأول من سيخرج عليه هم البسطاء الذين أيدوه بجهل أملا في توفير لقمة العيش وإن كان ثمنها الذل، والإستعباد، هؤلاء البسطاء الذين وقفوا في وجه الثورة والثوار صارخين (مش عايزين ثورة عايزين نآكل أولادنا).

السيسي بعدم تطبيقه الحظر الكامل يطيل بقاء نظامه الذي صار حتميا رحيله، لأنه لن يستطيع قريبا أن يوفر للشعب رغيف الخبز إن طال وجود فيروس كورونا.

فمصر التي أصبحت على يد العسكر الأولى عالميا في استيراد القمح لن تجد من تشتري منه قمحها، فبسبب تلك الجائحة أوقفت كل من روسيا وأوكرانيا و رومانيا تصدير الحبوب، وفي نفس الوقت لن نستطيع زراعة قمحنا بعد أن تنازل السيسي  عن مياه النيل لأثيوبيا بالموافقة على سد النهضة.

ليس هذا فقط بل حتى أن الإجراء الهزيل من عمل حصار جزئي لم يتم اتخاذه إلا كردة فعل بعد نزول الإسكندرية بمظاهرة ليلية تناولتها القنوات وسائل التواصل بكثير من السخرية على إنها مظاهرات ضد الكورونا، ولكن هل رأها السيسي حقا هكذا؟ أم أنه رأي في تجمع الناس والخروج بمظاهرات هي للتخلص من شيء اخطر من كورونا عليهم؟
كما أن إغلاق المساجد بمصر لا دخل له من بعيد أو قريب بالوقاية من الفيروس والشاهد على ذلك أن جميع التجمعات بمصر متاحة من إزدحام (مواصلات، أمام البنوك،وداخل الكنائس، تصوير مسلسلات رمضان) لكن السيسي يعلم أن المساجد هي كلمة السر لخروج المظاهرات.

ولكن إلى متى سيعطي السيسي قبلة الحياة لنظامه الذي وصل سريعا لمرحلة الشيخوخة وأصيب بقلة المناعة التي تجعله أكثر عرضة لأن يفتك به فيروس كورونا قبل أن يفتك بالشعب.

يبدو أن فيرس كورونا هومن يضع استراتيجيات في هذه  المرحلة (للكشف) عن الوجوه الحقيقية للأنظمة، ويبدو أنه هو الوسيلة التي تستخدم (للقضاء) على إمبراطوريات لظهور غيرها ،وهو من يعمل(مسح) لنظام عالمي حالي وإحلال أخر جديد.  ولكن ايا كان من وراء ذاك الفيروس وهدفه منه ،يبدو أن الله سيجعل منه وسيلة (تعافٍ) لكثير من الأمراض التي لحقت ببني أدم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها