كورونا.. لا فرق بين عربي وأوربي

كثيرمن البعثات الدولية الأوربية وغيرها التي تعمل في أفريقيا و الدول العربية رفضت العودة إلى بلدانها في أوربا و أمريكيا رغم إنتهاء مهامها

شاعت مفاهيم عالمية تكاد تكون ثابتة و قطعية في دلالتها ، تقبلها المجتمع الإنساني باعتبارها بديهيات لا تحتاج  إلى جدال فيها ، و على أساس  هذه المفاهيم تم رسم تدرج معين لمستوى دول العالم ومواطنيها .
من هذه الأساسيات أو المفاهيم إن الدول ليس على مستوى واحد من الرقي و التطور ، فيوجد عالم متمدن و متطور و متحضر ودول أخرى من عالم غير متمدن و متطور و متحضر ، ويكون على وفق ذلك البلدان على درجات ، دول تقع في رأس القائمة ودول تقع في ذيلها .
و تقسيم أخر أو تصنيف على أساس مستوى دخل الفرد قياسا على ثروة  البلدان و غناها و تقدير حجم إنتاجها الوطني القومي و موازناتها المالية السنوية و قوة عملتها الوطنية .

و تبع لذلك أصبح بمجرد النظر إلى مواطن من أفريقيا أو دولة عربية أو أفغانستان أو بنجلاديش أو اليابان أو المانيا  أو أمريكا ، يكفي بان تضعه في خانة معينة من التسلسل و التصنيف العالمي .
و على أساس هذا التصنيف  الذي وصف دولاً بأنها غنية و أخرى فقيرة، بحسب القوة الاقتصادية للبلدان وما ترتب عن هذا الفرق من هجرة بقصد العيش أو تحسين الوضع المعاشي ، حتى صارت بعض الدول قبلة المهاجرين الفقراء يخاطرون في حياتهم للعيش في مخيمات تلك الدول و ملاجئها .
و بهذا الترتيب في مستوى الدول و قيمة ومواطنيها أصبحت الدول المتطورة و الغنية و حتى تلك الدول الأمنة فقط، تمنح تأشيرات الدخول إليها وفق اعتبارات معينة و تمنعها عن دول أخرى كلياً ، و نتج عن هذا المعايير تصنيف جوزات دول العالم تسلسلياً ، فيوجد جواز درجة أولى و أخر درجة ثانية و جواز في ذيل القائمة ، حتى أصبح منح تأشيرة الدخول قياساً على هذا ، فلا يحتاج حامل جواز دولة معينة إلى تأشيرة و أخر يأخذها في المطار و بينما تمنع عن البعض  .
و تقسيم أخر  أهم و أكثر رسوخا عالمياً و يقوم على أساس الإنتماء الأممي و القومي و الجغرافي ، فظهر مستوى أوربي و مستوى أفريقي و مستوى شرق آسيوي و شرق أوسطي و مستوى عربي و هكذا .

فكثير من قوارب الهجرة غير الشرعية أصبحت تخاطر اليوم من أجل الوصل إلى  أفريقيا و دول المغرب العربي ، وكثيرا من البعثات الدولية الأوربية و غيرها التي تعمل في أفريقيا و الدول العربية رفضت العودة إلى بلدانها رغم إنتهاء مهامها .

هذه المفاهيم و التصنيفات لم تكن محصورة في تنظير فكري أو ثقافي أو أنها من إستخدام و اعتماد حكومات معينة فقط ،  بل وصل الأمر بأن يتم التخاطب و العمل بها في الأمم المتحدة و منظماتها الإقتصادية و الإنسانية ، فهي تَذكرها في كل أجراء و مناسبة حتى إن كانت تريد أن تُبرر في أن لا فرق بين إنسان و آخر ، بل أكثر من ذلك صارت راسخة في فكر الإنسان الفرد و ليس في فكر الدول المتصدرة لقوائم التصنيف العالمي فقط ، بل حتى في الدول التي تُعد في أسفل القائمة في كل هذه التصنيفات باتت قناعة الإنسان فيها ثابتة.

و إن كان التصنيفُ هو واقعاً و أمراً لابد منه، لضرورات معينة، و أمراً ليس فيه تمييز مثل التصنيف الجغرافي، فإن ذلك رسخ في الفكر الإنساني، بإن هذا مواطن أوربي و ذاك مواطن أفريقي وآخر مواطن عربي  ، ومواطن أمريكي ، وقد أسهم في رسم طبقية أممية شئنا أم أبينا  .
العالم اليوم أمام تصنيف جديد،  لا يعترف بعالم على أساس شرق و غرب، ولم يأبه بدول  غنية أو فقيرة متطورة أم متخلفة ، لم ينظر إلى مستوى دخل الفرد ولا يعتد بدرجات جواز السفر، و ضرب سياسة منح التأشيرة عُرض الحائط ، و الأغرب من ذلك جعل من دول كانت تعد جنة الله في الأرض من ناحية الأمان و المستوى المعيشي و جمال طبيعتها و مدنها ،مثل  إيطاليا و إسبانيا و فرنسا و المانيا ، أمريكا أقل أماناً من أفريقيا من ناحية صلاحيتها للعيش البشري ، وقد يتمنى مواطنوها اليوم الإنتقال إلى أفريقيا أو الشرق الأوسط.

اليوم نحن أمام حقيقة إن كل شعوب الكرة الأرضية أمام اختبار واحد و أمام خطر واحد و ليس هناك تميز لإحد على الأخر إلا في حدود الخطر الأكبر الذي قد يتعرض له .

فكثير من قوارب الهجرة غير الشرعية أصبحت تخاطر اليوم من أجل الوصل إلى الإتجاه المعاكس صوب أفريقيا و دول المغرب العربي ، وكثيرا من البعثات الدولية الأوربية و غيرها التي تعمل في أفريقيا و الدول العربية رفضت العودة إلى بلدانها في أوربا و أمريكيا رغم إنتهاء مهامها .
اليوم و في ظل هذه الجائحة أدرك العالم انه لا ثوابت مُستقرة على الدوام و لا فرق بين إنسان و آخر ، فقد ينتقل الخطر من مكان إلى أخر و ينقل معه الفقر و الخوف و الموت.

اليوم نحن أمام حقيقة إن كل شعوب الكرة الأرضية أمام اختبار واحد و أمام خطر واحد و ليس هناك تميز لاحد على الأخر، إلا في حدود الخطر الأكبر الذي قد يتعرض له .
هذا الأمر الجلل الذي حل بالعالم يُعد المرة الأولى التي لا يمكن أن تشير أصابع الاتهام إلى دول العالم الثالث أو دول عربية أو المسلمة، و هي المرة الأولى التي يدفع ثمنه العالم الأول المتطور و المتقدم و المتصدر في كل شيء حتى ، آن الأوان للدول المتطورة و العظمى كما تصف نفسها و يصفها العالم، بأن تعترف بأنها من تمتلك مصانع إنتاج المرض و الوباء و مختبرات إنتاج أشد الفيروسات فتكاً بالإنسانية .

وعليها أن تتساءل هل كل هذا السباق لقتل جزء من العالم للاستحواذ عليه ، وعليهم أن يعلموا إن هذا قمة ما توصلوا إليه من إنسانية و تطور، و على شعوب هذه البلدان رفض وجود هذه المختبرات و المراكز البحثية التي تنتج هذه الأسلحة الإرهابية الفتاكة التي تتنافس دولهم في امتلاكها بسبب أطماعها و تطلعاتها في الهيمنة و الاستيلاء.

اليوم تشير أصابع الإتهام نحو الدول المتغطرسة التي تحاول صناعة الموت والتي أوجدت لها مختبرات لصنع الآفات التي تفتك بالبشرية .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها