“سيناء” و”نيوم” وتحركات فوق رقعة الشطرنج

وسط انشغال المصريين بمتابعة أول بث مباشر، على الهواء، تنقله فضائيات السيسي وإعلام الإمارات، من بين عدد من البنايات في حي الأميرية بالقاهرة ، لما قيل إنه اشتباكات بالرصاص الحي، بين الشرطة وعدد من المسلحين، وسط ظلام دامس، قررته الحكومة بقطع الكهرباء عن كامل الحي، لتنته العملية دون أن يُرى منها سوى بيان الداخلية، الذي أكد مقتل ضابط شرطة، وعدد سبعة من المسلحين، هم بالحقيقة كل المسلحين ، الذين قالت الداخلية إنهم خلية إرهابية، كانوا ينوون تفجير عدد من الكنائس (المغلقة بالأساس بسبب الحظر المفروض) بينما لم تكن قد كشفت عن هوياتهم بعد (لا تسأل كيف ذلك فهو المعتاد من هذه البيانات).

الحادث الذي يرويه سكان الحي، برواية مختلفة تماما، واصفينه بأنه حادث سرقة وسطو مسلح على شركة نقل للأموال، تبعه خطف ضابط كرهينة، وانتهى بالاشتباكات، وصفه وزير الأوقاف، بأنه محاولة فاشلة من الجماعات الإرهابية لإحراج الدولة، بعد نجاحها في مواجهة كورونا، لا تسل من أين أتى بالقلعة جانب البحر؟!

أكثر سخونة:

ومع ذلك كانت هناك أحداث أهم وأكثر سخونة، تتحرك في المنطقة العربية شرقا وغربا، على مدار أيام، هزائم متتالية لحفتر “ليبيا”، الجنرال الذي انقلب على الحكومة الشرعية هناك، وصراخ ومآتم لدى أعوانه وداعميه، اجتماع للسيسي مع وزير دفاعه وقائد أركانه وقادة قواته المسلحة، قيل إنه للتباحث حول سبل الدولة لمكافحة فيروس كورونا، لكنه خلا من وزارة الصحة أو ممثليها بطبيعة الحال (فما حاجة الدولة لوزارة صحة في مواجهة شرسة مع المرض، ولدينا العساكر والقوات؟!)

أنباء متفرقة عن قصف وغارات للجيش المصري على سيناء، وعلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، خطوات متعجلة من حكومة المملكة العربية السعودية لاستكمال مشروعها الاستثماري التطبيعي (نيوم)، عبر محاولات إخلاء القرى الواقعة فوق أرض المشروع، وتهجير ساكنيها بالقوة، (كشف عنها النقاب، استشهاد أحد أبناء قبيلة الحويطات “الرافض للتهجير “عبد الرحيم الحويطي، بعد بثه عدد من المقاطع المصورة، تشرح كل هذه الخطوات)

وفي أثناء هذا كله، دار في مصر جدل آخر، لم ينتبه له كثيرون، سلسلة مقالات بـ “المصري اليوم” يسطرها كاتب مجهول يطلق على نفسه اسم نيوتن، له عمود ثابت بعنوان “وجدتها” طالب فيه بعزل “سيناء” عن “مصر” وتدويلها وتحويلها إلى منطقة حرة عالمية غير خاضعة للقوانين المصرية، واختيار حاكم خاص لها، يتم التعاقد معه لمدة 6 سنوات، وبالطبع أثار اقتراح الكاتب الغامض، حالة جدل واسعة، طالب فيها البعض بالكشف عن هويته ومعاقبته، حتى إن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، استدعى الممثل القانوني للصحيفة، للتحقيق معه ومطالبته بتوضيح الأمر، والكشف عن هوية كاتب المقالات.

شرفاء المصري اليوم:

وهنا استعيد معكم أقوال عدد من الصحفيين، نشروها في صفحة باسم “شرفاء المصري اليوم”: قاموا فيها بالكشف عن شخصية صاحب عمود “نيوتن”، من خلال إيميل لأحد مقالاته، مرسل لمدير التحرير، وموقع باسم “صلاح دياب” إذ أكدوا أن الكاتب المجهول ما هو إلا صاحب جريدة المصري اليوم، رئيس مجلس إدارة مجموعة “بيكو”، وأكبر شريك تجاري في مصر لإسرائيل، المحتكر لأنشطة الاستثمار الزراعي التطبيعي بين مصر وإسرائيل، والمستحوذ على ما يقرب من 70% من التوكيلات الأمريكية، حيث تسيطر عائلته على 43 توكيلاً، إحداها شركة “هاليبرتون” للبترول، وشريك “محمود الجمال” نسيب “جمال مبارك” في أشهر قضايا الفساد، التي كشفتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، أرض “نيو جيزة”، التي أُهدِرَ فيها من أموال الدولة، المليارات

وسواء كان رجل الأعمال وصاحب الصحيفة هو الكاتب، أم لا، فهو المسؤول قانونيا عن مقالات مجهولة المصدر تنشرها صحيفته.

قصة نيوم:

وطالما جئنا على ذكر رجل أعمال “مبارك”، وأحد أعمدة التطبيع المصري الإسرائيلي، ومقالاته الداعية لانفصال سيناء، ومن قبلها، الخطوات المتعجلة للمملكة في مشروع “نيوم” نذكركم أنه في مارس 2018 صرح مسؤول سعودي لوكالة رويترز الإخبارية، بأن مصر السيسي تعهدت لحكومة المملكة بألف كيلو متر مربع جنوب سيناء، يتم ضمها لمشروع نيوم التطبيعي، واعترفت مصر بإنشاء صندوق مشترك قيمته 10 مليارات دولار مع السعودية ، تدخل فيه الأخيرة بالمال وتساهم مصر بحصتها من أرض سيناء”.

و”نيوم” هو مشروع استثماري سعودي، مديره التنفيذي أمريكي، يهدف لبناء مدينة رأسمالية عملاقة عابرة للحدود، تضم بينها أجزاء من السعودية ومصر والأردن، مستثناة من أنظمة وقوانين الدول الاعتيادية، بمساحة تبلغ 26 ألف وخمسمائة كيلو متر مربع، ما يعادل مرتين ونصف مساحة لبنان ومرة وربع مساحة إسرائيل، وتصل استثمارات المشروع إلى خمسمائة مليار دولار ، وتقع أراضيه بموقع استراتيجي دقيق على البحر الأحمر وخليج العقبة،  وبين البلدان الثلاثة المشاركة في المشروع توجد بالطبع (دولة الاحتلال) التي تسيطر على ميناء إيلات المطل على خليج العقبة، وقد أعلن مستثمروها عن رغبتهم في الدخول إلى هذا المحور العالمي الذي يتجاهل الحدود بين الدول، ولا يخضع لقوانينها ، كما أن الكثير من القطاعات الاستثمارية مثل الطاقة والمياه والتقنيات الحيوية في هذا المشروع، بحاجة لشركات محلية متقدمة تكنولوجيا، يقول الإسرائيليون إنهم وحدهم من يتمتعون بوجودها في المنطقة.

فهل يا ترى، كانت الدعوة لانفصال سيناء في هذا التوقيت، مجرد فكرة عفوية طرأت على رأس رجل الأعمال؟!،أما إنها خطوة مدروسة، وتحرك محسوب، لما يتم فوق منطقتنا العربية (التي باتت كرقعة شطرنج) من تحركات؟!!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها