كُنَّا وَأَمَّا الآن!

من اليمين: صلاح وميسي

كنا نخرج متى ما أردنا ليلا أو نهارا إلى حيث شئنا لمشاهدة مباراة أو لنتشمم الهواء في الغابة أو لنستلقي على الشاطئ ونستمتع بأمواج البحر وعروضه ،حقا لقد كنا في بحبوحة من النعيم.

لا يماري أحد في أن حياتنا انقلبت رأسا على عقب بعد حلول فيروس كورونا ضيفا على البشرية، وصرنا نعيش أياما بل شهورا عصيبة لم يخطر ببالنا أننا سنحياها لأننا اعتقدنا أن الزمن لا يمكنه إلا أن يسير نحو الأمام وتتحسن جودة الحياة أكثر وأكثر!

وأما أن يرجع بنا إلى الشدة والضيق والمآسي فذلك أشبه بالمستحيل، وكيف له أن ينحدر والعالم والعلم قد وصل إلى ما وصل إليه من التقدم المبهر!

ولكن يجري الزمان بما لا يشتهي الإنسان،بل بما يقدره لنا ربنا الرحيم الرحمن،فما أشبه حال العالم اليوم بمعنى قول الله تعالى” حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”(سورة يونس، الآية 24)

فقد كنا نرى أسواقا مكتظة بالناس، والشوارع تتعالى فيها أصوات السيارات، والمساجد تفتح في اليوم خمس مرات ليجدد المؤمنون حبل الوصل بربهم سبحانه وتعالى، والمطاعم والمقاهي والملاهي مفتوحة لروادها، وكان الناس يتزاورون، ويخرجون في العطل الأسبوعية صحبة أطفالهم للترفيه والترويح عن النفس ويتفننون في الملبس والمأكل والمشرب،وهم في كل هذا يعتقدون أنهم يستحقون أكثر مما في يدهم، وما علموا أن الزمان سيدور دورته على البشرية!.
كنا نخرج متى ما أردنا ليلا أو نهارا إلى حيث شئنا لمشاهدة مباراة ساخنة لكرة القدم مع كوب ساخن من القهوة أو نخرج لنتشمم الهواء في الغابة أو لنستلقي في الشاطئ ونستمتع بأمواج البحر وعروضه الجميلة، حقا لقد كنا في بحبوحة من النعيم!.

المساجد تفتح في اليوم خمس مرات ليجدد المؤمنون حبل الوصل بربهم سبحانه وتعالى، والمطاعم والمقاهي والملاهي مفتوحة لروادها

وكنا أيضا مسترسلين في غيِّنا في تضييع الصلوات ومنع الزكاة،وهجر المساجد والقرآن،والتحاقد والتحاسد، ونسيان آلام الفقراء والضعفاء، والتفاخر بالأموال والسيارات والملابس… بغير وجه حق على أنها هي الغاية من الوجود.
إننا كنا في غفلة نسينا في خلالها أن هذا الكون له رب يتصرف فيه كيف يشاء وهو عدل سبحانه لا يظلم أحدا فأرسل إلينا فيروسا صفعنا به رحمة بنا لنستفيق من سبات الغفلة ونتذكر الغاية التي خلقنا لأجلها.

كنا كذلك في واد! وأما الآن فصرنا في واد آخر لسنا ندري إلى أين سينتهي بنا؟وكيف سينتهي ؟!. ومتى سيتتهي؟!
الآن أصبحنا ملازمين للبيوت والغرف والوسائد ممنوعين من الخروج إلا لضرورة أكل أو شرب،وفقدنا نعمة السجود في المساجد وسكينتها ورونقها الروحي، ولم نعد نقدر على الخروج والتجول في المنتزهات وإلتقاء الأحباب والأصدقاء على أكواب الشاي، فقدنا كل ذلك وأكثر.
الآن الملايين من البشر أصبحوا عاطلين عن العمل، وجيوبهم أمست فارغة بين عشية وضحاها وقد كانت ممتلئة! بل إن هناك دولا تضعضع اقتصادها وبات قلبها يرتجف خوفا مما سيؤول إليه الحال.
الآن أصبحنا خائفين من الموت أكثر من أي وقت مضى، وكأن الموت تجسد في شخص متخف يسكن الشوارع والمدن والدول،فنحن في رعب و خوف من أن يلتقمنا وينهش أسرنا، وقد كنا آمنين من كل ذلك لا نتذكر الموت إلا إذا رأينا نعشا محمولا على الأكتاف، ثم سرعان ما ننساه بمجرد ما يغيب عن أعيننا!
الآن أصبح التنظيف والتعقيم وغسل اليدين بشكل مفرط والكمامة من أساسيات الحياة بعدما كنا في مأمن من هذا الحرج.
كنا كذلك،والآن حالنا كما ترونه، ويبقى الأمل حيا في قلوبنا لنصل إلى غد مشرق بإذن الله تعالى.
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها