أين المدني هنا؟! السيسي يسأل العمال!

 

ربما يكون واحدا من أغرب المشاهد على الإطلاق، في رحلة السيسي “الرئاسية الفنية” أمام الكاميرات، تلك الرحلة المهووسة باللقطة، المدججة باللقاءات المصورة، المتخمة بالأحاديث التليفزيونية والمؤتمرات.

في مشهد “خارجي نهار”

كان المصريون على موعد مع “فيلم عربي” جديد، من إنتاج وإخراج هيئة الشؤون المعنوية بطاقمها الفني المعتاد، من المبتدئين والهواة، بطولة نجم الموسم وكل موسم، السيد المشير الزعيم “عبد الفتاح” .

تتسلل الكاميرا على استحياء، من خلف المجاميع، لتتوقف العربة الرئاسية فجأة ، تحت أحد الكباري ، في واحد من الطرقات ، دون اتفاق مسبق مع المصور -لا سمح الله- ليترجل منها السيسي وعدد من مرافقيه ، بعضلاتهم المفتولة ، ونظاراتهم السوداء، يوجهون أنظارهم جميعا ، لمجموعة من العمال ، وقع الاختيار عليهم ، لتأدية دور “كومبارس صامت” ، في مشهد بئيس ، بعنوان : أين الكمامات، يا مصريين يا مهملين”

أمين إن شاء الله:

يخرج البطل المغوار ، مناديا على الجميع  يا شعبي الحبيب الصبور المهاود ، ها أنا ذا، أسير بينكم ، أتفقد أحوالكم ، فأنتم الرعية وأنا الراعي الأمين “أمين أوي إن شاء الله،  وصادق أوي إن شاء الله” ، سخرتم مني واستهزأتم بي ، حينما حكيت لكم عن ذهابي متخفيا بين سيارات النقل و”الميكربوصات” ورؤيتي لوجوهكم الحاسرة ، دون خجل أو كمامات ، وأطلقتم علي لقب “مسيلمة الكذاب” ، لكن ها أنا الآن، جئت لأثبت لكم ، أنني لست هذا الزعيم ، الذي يتنقل بين المحافظات المصرية بطائرات “الرافال”، أو يسير في موكبه الرئاسي وسط سيارات مصفحة ودراجات نارية بالعشرات ، وتُغلق الشوارع قبل مروره بعدة ساعات ، بعد أن تولت المخابرات، تفحص كل كائن حي فيها، وجماد.

أقف بينكم، وخلفي سيارة واحدة، وسط عدد بسيط من الحراسات، أو هكذا يظهر لكم الكادر السينمائي ….

ابتعد يا ابني قليلا، كي يستطع المصور إظهار ملامح وجهي والقسمات، وكعادتي بينكم، فأنا المتجهم القوي، ذو الصوت العالي، واللهجة الخشنة، أشير بذراعي ويدي، مطلقا الصيحات ومعلنا التهديدات.

خافوا مني يا مصريين”

حتى وإن كنت خارج البلاد، وأمام الرؤساء، أجلس كعذراء حيية، تعقد كفيها، وتضم قدميها، وتطأطئ رأسها خجلا ورقة، ولا تملك من أمرها، سوى الابتسام والضحكات.

هؤلاء العمال البسطاء، من لا يضعون واقيات على وجوههم، في زمن انتشر فيه وباء تنقله الفيروسات، سأتولى توبيخهم وأقوم بتبكيتهم، حتى وإن كنت أنا وحراسي لا نرتدي أيضا الكمامات، لكن لتتأكدوا، إني أخاف عليكم وأحرص على حياتكم، حتى إن مات منكم العشرات أو ربما المئات، تكونوا أنتم الجاني على أنفسكم، فلا تلقوا حينها باللوم على ما أرسلته بطائرات عسكرية من مخزونكم الحيوي من الأدوات الطبية والمعدات، لدول إيطاليا والصين هديةً مني ومساعدات.

لا تقلقوا، فالاحتياطي المصري الذي تبقى بعد عطاءاتي اللامحدودة “أنا الكريم أوي على كل الغرباء” سأتركه “على جنب”، يا مصريين، لكن لن يخرج منه شيء ينفعكم، إلا بإذني، هكذا نبهت على “بهاء”

ألا تعلمون من هو بهاء؟!

ربما لم أوضح لكم في مؤتمري السابق، وتركتكم تتخبطون بحثا عن هويته، وما يتولاه هذا الجنرال من احتياطات، لكن جاء الوقت، لأشرح: إنه اللواء “بهاء الدين زيدان” مدير مجمع الجلاء الطبي للقوات المسلحة، والذي عينته في ديسمبر الماضي، رئيسا للهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي والدواء، وهي الهيئة التي قمت -أنا بنفسي – باستحداثها في نهاية أغسطس الماضي، بموجب قانون أصدرته، رقمه 151 لسنة 2019

وأمرت أن تتولى هي، دون غيرها، إجراء عمليات الشراء للمستلزمات الطبية والمستحضرات لجميع الجهات والهيئات، وإعداد الموازنة السنوية اللازمة للشراء، والتعاقد مع جميع الشركات داخل أو خارج الجمهورية.

كما تتولى إدارة منظومة التخزين والنقل والتوزيع وكذلك متابعة عمليات الفحص والاستلام، بل وقبول المستلزمات الطبية الواردة من الخارج في شكل منح أو تبرعات.

وتحل هذه الهيئة محل كل من الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، والهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية، وغيرها من الجهات ذات الاختصاص بمجال الرقابة الدوائية، كما تحل الهيئة محل وزارة الصحة، ورئيس مجلس إدارتها، يحل محل وزير الصحة والسكان، في كافة الاختصاصات التي لها علاقة بتداول ورقابة المستلزمات والمستحضرات الطبية.

ببساطة، هذه الهيئة مهمتها، إخراج كل شيء له علاقة بصحة المصريين، من يد الأطباء والمدنيين المتخصصين، ليد القوات المسلحة والجنرالات

نعم، كل ما يتعلق بصحتكم وحياتكم، سيكون تحت إشرافي أنا شخصيا، وإشراف بهاء فإن كان هناك نجاح، ولو وهمي، يتمثل في قلة أعداد الإصابات بالفيروس أو الوفيات، سأكون أنا السبب الوحيد فيه.

وإن حدث تقصيرُ، ورأيت منكم عمالا، لا يرتدون الكمامات، لن تجدونني أوبخ اللواء المسئول عن المشروعات، (فالعسكريون لا يخطئون بطبيعة الحال)

ولن أسأل حتى الأسئلة المنطقية في موقف كهذا، مثل: أين هو مدير المشروع؟!

أو من المهندس المشرف على العمال؟!!

لكنني سأسأل: فين المدني هنا؟!!!!

صحيح، أنتم “متعرفوش” أن حياتكم وصحتكم بيد العسكري، لكن كلمة “مدني”، تعني موت وإهمال

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها