كورونا …وما لم تقله وزيرة الصحة المصرية!!

بين اتهامات الصين لأمريكا ، على لسان المتحدث باسم خارجيتها ، بأن أمريكا هي من جلبت فيروس “كورونا” لمدينة ووهان الصينية ، البؤرة الأولى للفيروس بنهاية 2019، معتبرة ذلك خطوة في اطار الحرب التجارية المشتعلة بينهما ، وبين اعتبار “ترمب” الفيروس أجنبيا عن البلاد  -“ببساطة ..ليس أمريكيا”- أتى إليهم من الخارج (وبالطبع كان يقصد الصين)، لم يتفق العالم إلى الآن ، على أصل الفيروس الذي انتشر في أكثر من 150 دولة حول العالم  ، فلا نعرف إذا كان تم تخليقه في معمل ، طبقا لنظرية المؤامرة  أم أنه وباء كغيره من الأوبئة التي تظهر وتهاجم البشرية كل حين!

لكن ما نعرفه حقا، أنه مرض خطير، وخطورته لا تكمن في الأعراض، التي تبدأ بالحمى والآلام والإعياء الشديد والسعال وتصل إلى الالتهاب الرئوي الحاد، ولا في نسب الوفيات منه التي لا تتعدى الـ 5%، بل في حجم انتشاره غير المسبوق، الانتشار الذي تنهار معه أي منظومة صحية لأي دولة مهما كانت قوتها، بالإضافة طبعا لعدم وجود أمصال أو لقاحات له حتى الآن. مما يجعل دور الدول، مهما بلغت درجة تقدمها أو قوتها، ينحصر في محاولة تحجيم المرض قدر الإمكان، وتقليل عدد المصابين به.

انتشاره.. هو ما جعل الأمم المتحدة تصنفه كوباء

وهو مرض لا يُفرق بين غني وفقير، مشهور أو مغمور، مواطن أو مسؤول، وزير أم غفير، الكلُ باتَ على موعدِ معه، ومن أشهر ضحاياه: رئيس أركان الجيش الإيطالي، ووزير الدفاع الأمريكي، ووزير الثقافة الفرنسي، ووزيرة الصحة البريطانية، ووزير الداخلية الأسترالي، ورئيس إقليم بونتي في إيطاليا، ونائبة الرئيس الإيراني، وعدد كبير من نواب البرلمان العراقي، بل ووضع رؤساء وملوك دول تحت رحمة الحجر الصحي، منهم الرئيس البرتغالي، والرئيس البرازيلي، ورئيس منغوليا، وملك وملكة النرويج، ورئيس وزراء كندا وزوجته

ومن مشاهير هوليود الذين أعلنوا إصابتهم به: توم هانكس وزوجته، بل وأعلن لاعب الكرة الأشهر “كريستيانو رونالدو” عن عزل نفسه طواعية في حجر صحي

ولأن منع التجمعات هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة عليه، فقد دفع هذا دولة كالمملكة العربية السعودية لمنع شعيرة مقدسة، كشعيرة العمرة، ودولة كالكويت منعت الصلاة في المساجد، وأعطت الطلاب إجازة مفتوحة، وألغت كافة النشاطات الترفيهية والرياضية، بل وأرسلت طائرات درونز تحذر الناس في الشوارع من المرض، وتطلب منهم ملازمة منازلهم، كثير من الدول أعلنت عن تخصيصها مبالغ ضخمة لمواجهة المرض، وأخرى رفعت درجة استعداداتها للقصوى، وكان أهم ما قام به المسؤولون هو مصارحة شعوبهم ابتداء ، وأحيانا بتصريحات صادمة وقاسية ، كتصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن ما يقرب من 60% من شعبها عرضة للإصابة بالمرض ، بينما “بوريس حونسون” رئيس وزراء بريطانيا ، طلب من مواطنيه أن يستعدوا لفراق أحبتهم ، فالمرض سينتشر لا محالة بين الجميع، وطلب ترمب من مواطنيه التوجه إلى الله بالدعاء ، معتبرا الأمر كارثة أكبر من قدرات الدول والبشر أجمعين،

بينما تطوعت دولة مثل “إيطاليا” بفرض حجر صحي على كامل البلاد، بعد الزيادة المطردة لأعداد المصابين بالمرض وكذلك المتوفين، وطلبت من المواطنين عدم النزول للشوارع إلا للضرورة القصوى، وفرضت عقوبات على التنقل بين مدنها بغير تصريح، وفي ذات اليوم الذي أعلن فيه ذلك المسئولون الإيطاليون، سُئلت وزيرة الصحة المصرية في مؤتمر صحفي لها، عن منع السفر لإيطاليا، فأجابت: أن مصر أخذت كافة الاحتياطات اللازمة لمواجهة المرض، لذا فهي لا ترى ضرورة لإيقاف السفر من وإلى إيطاليا!

فهل وزيرة الصحة المصرية ترى ما لا يرونه عن بلادهم الطُليان؟!

ثم ما هي الاستعدادات التي قامت بها مصر وتتشدق بها الوزيرة هكذا في كل حين؟!

وما سبب التهوين المستمر من شأن الوباء إعلاميا ورسميا؟!

هل نحن أقدر وأقوى صحيا مثلا من دول مثل أمريكا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا؟!

لن أحدثكم عن المستوى المتردي والمخزي الذي تعاني منه مستشفياتنا الحكومية، فأحوالها هذه لا تخفى عن الجميع، بل سأكتفي بذكر ما أشارت إليه الإحصائيات الحكومية المصرية من أن متوسط عدد الأسٍرَّة في مصر هو 22 سريرا لكل 1000 نسمة، بينما تقضي المعايير الدولية بوجود 93 سريرا على الأقل لكل 1000 نسمة، وأن الأدوية التقليدية كالمسكنات ومخفضات الحرارة ونزلات البرد، لا تكفي سوى لـ 10 إلى 15 في المئة تقريبا من المترددين على المستشفيات.

نزلات البرد وليست الحالات الخطيرة أو الأوبئة

  بينما بلغت موازنة وزارة الصحة عن العام المالي 2019/2020 ما يقدر بـ 73 مليار جنيه، وهي أقل من نصف النسبة التي نص عليها الدستور المصري الذي حدد حدها الأدنى بـ 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد، والذي بلغ هذا العام 6 تريليونات و100 مليار جنيه

وحتى تلك النسبة الدستورية التي لم تصل إليها مطلقا موازنة الصحة في مصر منذ الانقلاب وإلى الآن، بل وتتناقص كل عام، هي أقل بكثير من النسب العالمية التي تتراوح من 10 إلى 15 في المئة من الميزانية العامة للدول.

وفي الموازنة الجديدة تم تخفيض المخصصات المالية لعلاج المواطنين غير القادرين على نفقة الدولة، من مليار ونصف المليار جنيه، إلى مليار فقط (حوالي 62 مليون دولار)

بينما المخصصات للتأمين على ما يقرب من 23 مليون طالب مصري، بلغت 351 مليون جنيه ما يعني أن نصيب كل طالب طوال عام كامل من الرعاية الصحية ما يقرب من 15 جنيه مصري (أقل من دولار واحد)

فهل يمكنكم تخيل الوضع؟!!

وفي حوار تليفزيوني مع وزير الصحة السابق الدكتور “أحمد عماد الدين راضي” في فبراير 2018، اعترف فيه: أن التأمين الصحي في مصر متهالك تمامًا ولا يقدم رعاية صحية للمواطنين، والسبب أنه يغطي 55 مليون مصري، بينما نصيب الفرد به يبلغ 187 جنيهًا في السنة (11 دولار)، موضحًا أن هذا المبلغ لا يكفي ثمن (روشتة) دواء في زيارة واحدة للمريض.

هنا يأتي السؤال الحائر الذي كاد أن يذهب بعقول المصريين، من أين تلك الثقة وهذا التبلد لدى وزارة الصحة المصرية، ولماذا لا نجد مسؤولا واحداً يخرج ليصارح الشعب بحقيقة الوضع؟!

والإجابة ببساطة، تجدونها واضحة أيما وضوح فيما حدث يوم الخميس (13 مارس)، حين تجاوز عدد الضحايا من المصريين، العشرين قتيلا، بسبب أمطار موسمية، تشهد مثيلتها أغلب دول العالم، لكن لدينا، حيث لا توجد شبكة صرف لمياه الأمطار، ولا طرق أو أعمدة كهربائية آمنة على حياة المواطنين، بل ولا توجد النية لدى الحكومة لتغيير هذا الوضع، والحُجَّة كما قال “المتحدث باسم حكومة السيسي”: (أيُعقل أن تنفق الدولة عدة مليارات لإصلاح الطرق في مواجهة أمطار تأتي لبضعة أيام كل عام ؟!)

-أمطار لا تقتل سوى بضع  عشرات من المواطنين ؟!-

بالرغم من أنها نفس الدولة، التي يوجد بها 30 قصرا واستراحة رئاسية، فقامت ببناء 5 قصور جديدة، تكلفت المليارات، من أجل فرد واحد، يشغل منصب الرئيس، كي يقضي في كل واحد منها بضعة أيام كل عام!

إلا أن (مصر السيسي) ليست على استعداد أن تدفع أية تكلفة مهما كانت، سوى من دماء المواطنين.

وما لم تقله وزيرة الصحة المصرية وحكومتها في وسائل الإعلام: أنه إذا كانت الخسائر من الوباء مقتصرة فقط على حصد الأرواح، ولم تضر بالسياحة أو تقلل من الاستثمار …

(فيا مرحبا بالكورونا … صحيح.. صحيح يا مصريين)

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها