هل ستغير العقوبات الأمريكية على تركيا الديناميكيات الجيوسياسية؟

أردوغان وترمب

فرضت الولايات المتحدة عقوبات طال انتظارها على تركيا العضو في حلف شمال الآطلسي  بسبب شرائها واختبارها نظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز S-400.

واستهدفت العقوبات الرئاسة التركية للصناعات الدفاعية، الكيان الرئيسي للمشتريات الدفاعية، وكذلك استهدفت رئيس المجموعة إسماعيل دمير وثلاثة ضباط آخرين. علاوة من ذلك، سيواجه المسؤولون الأتراك قيودًا على التأشيرات الأمريكية وسيتم تجميد أصولهم المالية في الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن الإجراء الذي طال انتظاره سيزيد من تفاقم التوترات مع تركيا، التي هي بالفعل على خلاف مع الولايات المتحدة بشأن عدد من قضايا السياسة الخارجية التي تتودد إليها روسيا بنشاط.

على الرغم من أن العقوبات هي أداة تستخدم لتحقيق هدف، يبدو أنها أصبحت الهدف نفسه بالنسبة إلى الولايات المتحدة. من خلال فرض العقوبات، لم تضعف الولايات المتحدة التحالف التركي الأمريكي فحسب، بل أضعفت أيضًا أوكرانيا ومنحت روسيا نصرًا تكتيكيًا.

كانت قضية S-400 قابلة للحل، ولكن الجانب الأمريكي هو الذي أظهر عدم رغبة للمشاركة في حوار بناء

كان رد الفعل التركي بعد إعلان العقوبات واضحًا. وأكدت السلطات التركية التزامها بتقليل اعتماد صناعة الدفاع التركية على إمدادات الأسلحة الأجنبية. في السنوات الأخيرة، انخفض اعتماد تركيا على الدول الأجنبية لشراء الأسلحة بشكل كبير.

في الواقع، كانت قضية S-400 قابلة للحل، ولكن الجانب الأمريكي هو الذي أظهر عدم رغبة للمشاركة في حوار بناء مع تركيا. ورفضت عدة مقترحات تركية لحل الخلافات وإيجاد حل للمخاوف الأمريكية.

كان على تركيا أن تحمي أجواءها باعتبارها جارٍاً لبعض أخطر الصراعات في العالم، إما من خلال شراء الأنظمة الأمريكية أو غيرها. وكان نظام  S-400 هو الخيار الأخير لتركيا.

وسوف يلقي هذا القرار بظلاله على العلاقات التركية الأمريكية مع بداية إدارة بايدن المقبلة. ورغم أن الولايات المتحدة هي التي لم تكن على استعداد للانخراط في حوار بناء، فإن الإدارة التالية قد تجد نفسها مع مساحة أقل للمناورة في الساحة.

ويتعين على إدارة بايدن القادمة القيام بالعديد من الأشياء.عليها إعادة حساب العديد من قرارات السياسة الخارجية لترمب. بهذه الطريقة، قد تتحول العقوبات الحالية إلى عقبة رئيسية أمام السياسات الجديدة التي تقوم فيها تركيا بدورً مهمً.

ومن خلال تسميم العلاقات مع تركيا، فإن الولايات المتحدة سوف تضعف خياراتها في كل هذه المجالات الاستراتيجية

إذا أراد بايدن وضع أجندته الخاصة بالسياسة الخارجية وأراد أن ينجح، فسيضطر إلى إيجاد حل مع تركيا. سيكون التراجع عن العقوبات الحالية على رأس جدول أعماله إذا أراد تقوية التحالف، ولكن في مثل هذه الحالة، قد يكون مجلس الشيوخ الأمريكي عقبة.

ومن المفارقات، قد يتضح أن تكلفة العقوبات ستكون أعلى بالنسبة للولايات المتحدة مما ستكون عليه لتركيا. وأكدت تركيا دورها في سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان والخليج وإفريقيا وقضية اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي وشرق البحر المتوسط.

ومن خلال تسميم العلاقات مع تركيا، فإن الولايات المتحدة سوف تضعف خياراتها في كل هذه المجالات الاستراتيجية. والواقع أن الولايات المتحدة تدرك جيدًا الأهمية الجيوسياسية لتركيا وحاولت تخفيف المخاطر من خلال فرض “حزمة ناعمة” – لكن هذا قد لا يقنع تركيا.

عندما طور مجلس الشيوخ الأمريكي قانون CAATSA ، تصوره أداةً لمعاقبة روسيا. بعد الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم من قبل موسكو، ردت واشنطن بفرض عقوبات وقانون CAATSA لمواجهة روسيا. كان التضامن الأمريكي مع أوكرانيا مهماً في ذلك الوقت، ولكن في الوقت الراهن، تطور قانون CAATSA إلى شيء مختلف.

فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها وهي تفرض عقوبات دون رؤية جيوسياسية متماسكة. من خلال هذه العقوبات ، لم تواجه الولايات المتحدة روسيا ، لكنها منحت بوتين نصرًا تكتيكيًا. ويخضع ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي لعقوبات من جانب الولايات المتحدة – مما يفتح الطريق أمام روسيا لبناء علاقات أقوى مع تركيا.

وقد منعت تركيا روسيا من قصف أكثر من 3 ملايين مدني في إدلب بسوريا. كما أنها حالت دون التوصل إلى حل عسكري في ليبيا ومكنت العملية السياسية. على قمة تلك، اخترقت تركيا المجال الروسي من خلال دعمها لأذربيجان.

في الوقت الذي تواجه فيه تركيا روسيا بمفردها في العديد من ساحات القتال، مما يحد من التوسع الروسي ويحمي مصالح حلف الأطلسي ، فإن هذه العقوبات تأتي بنتائج عكسية.

عاقبت الولايات المتحدة تركيا، دون أي رؤية جيوسياسية

لوضع مفارقة القرارات الأميركية بشكل أكثر وضوحاً؛ فقد شكلت الولايات المتحدة قانون CAATSA لحماية وحدة أراضي أوكرانيا. الآن وفي نفس الوقت تم إعلان العقوبات ضد تركيا.

ووقعت تركيا صفقة دفاعية أخرى مع أوكرانيا تتنبأ بمشاريع مشتركة في إنتاج الطائرات بدون طيار والسفن الحربية. والصفقة هي خطوة استراتيجية من قبل تركيا لتحقيق التوازن بين روسيا في البحر الأسود ومساعدة أوكرانيا على تعزيز موقفها في مواجهة روسيا. إسماعيل دمير الذي وقع على هذه الصفقة الإستراتيجية تم وضعه تحت العقوبات الأمريكية. باختصار، أدى قانون للدفاع عن أوكرانيا إلى إضعافها.

ماذا لو حالت قيود الائتمان الخاصة بالرئاسة التركية للصناعات الدفاعية دون مزيد من التعاون بين تركيا وأوكرانيا؟ أو ماذا لو أدى حظر تراخيص التصدير إلى إعاقة المزيد من صفقات الأسلحة التركية مع أوكرانيا؟

في الختام، عاقبت الولايات المتحدة تركيا  دون أي رؤية جيوسياسية. إنه لغز ما تتوقع الولايات المتحدة أن تكسبه من خلال عزل تركيا، وإهداء بوتين بانتصار تكتيكيي، ونسف التعاون الدفاعي الأوكراني مع تركيا.