الزعيم محمد فريد: العطاء الذي لم يتوقف

الزعيم محمد فريد

يكاد محمد فريد بك ١٨٦٨- ١٩١٩ يكون  الزعيم المصري المجمع عليه من كل الاتجاهات المختلفة مع بعضها البعض ، فالذين يشعرون ببعض الخصومة مع مصطفى كامل باشا لا يشعرون معه بنفس القدر من الخصومة، والذين يشعرون بالخصومة مع سعد زغلول باشا  لا يشعرون معه بنفس الخصومة فهو متقبل من الوفديين والشيوعيين ومن الذين يقرأون التاريخ في الكتب المتأثرة بالهوى، وهؤلاء جميعا يصورونه أو يبدون وهم  يظنونه أكثر اعتدالا من مصطفى كامل لأن صورة مصطفى كامل في أذهانهم هي الحماس المطلق، مع أن محمد فريد  في الحقيقة لا يقل عن مصطفى كامل حماسا كما أنه لا يقل عنه عطاء، لكن العوامل المصورة لحركيات أو ديناميات العمل السياسي لا تلتزم كثيراً لا بالمنطق ولا التاريخ وإنما هي أقرب في طبيعتها إلى انفعالات متوقعة نتيجة مشاعر متولدة عن رواية أو قراءة.

وهكذا تبدو صورة محمد فريد  وكأنه كان ( وهو كذلك) رجلا ذا عطاء حتى مع نفسه ،  وذا ولاء لصديقه أيا من كان صديقه ، وللدولة العثمانية التي ألّف عنها كتابه الأشهر “تاريخ الدولة العلية”، وذا ولاء أيضا للأسرة العلوية بحكم كتابه الأول الذي الفه عن محمد علي باشا ، وبحكم أن والده نفسه كان ناظراً للدائرة السنية الخاصة بالخديو.

ولهذا السبب فقد كان الآباء أو الأشقاء الصغار في الأجيال السابقة يقولون لمن أصابه حب الوطن إن عليه أن يوازن بين متطلبات الحركة الوطنية و متطلبات حياته الأسرية

من زاوية أخرى تتعلق بالمسلك السياسي المثالي فإن الزعيم محمد فريد  يعد نموذجا للفعل المسئول كما أنه نموذج للقدوة ، كما أنه نموذج للعظة  والاعتبار ، أي أنه نموذج للإيجابين باختلاف طوائفهم و درجاتهم ونموذج أيضا لمن يحرض الناس على ألا يفعلوا فعله الحسن بمثالية زائدة فتؤذيهم الحياة بسبب الإخلاص الصادق ، وهو نموذج احترازي لاولئك الذي يصورون لأنفسهم بعض الصواب على أنه خطأ ، وأنه لا ينبغي لهم أن يقعوا في الخطأ، فقد كان محمد فريد صاحب وظيفة محترمة تدر عليه دخلا كريما، وتتيح له موقعا ممتازاً فلما ترك هذا كله من أجل الوطنية مات شريداً غريبا حتى تبرع تاجر من الزقازيق بأن ينقل جثمانه من ألمانيا إلى مصر على نفقته ، وذلك لأن محمد فريد بك كان قد أنفق كل ثروته على الحركة الوطنية .

ولهذا السبب فقد كان الآباء أو الأشقاء الصغار في الأجيال السابقة يقولون لمن أصابه حب الوطن إن عليه أن يوازن بين متطلبات الحركة الوطنية و متطلبات حياته الأسرية هو نفسه بحيث لا تطغى الأولى على الثانية فيصبح مثل محمد فريد بك ، وأكثر من هذا بالطبع كان الزعيم محمد فريد  نموذجا لكل من ينصح رجل القضاء الوطني الشاب ألا يفقد وظيفته ولا يفرط فيها، فإنه إن كتب رأيه وهو في النيابة التمسوا له العذر ، أما إن كتبه وهو وكيل نيابة سابق فمن الوارد أن ينال حكما أو أكثر بالحبس كما حدث مع محمد فريد نفسه، ولهذا فإننا نلاحظ أن الوطنيين الذين تركوا النيابة ووظائفها أو وظائف القضاء بعد محمد فريد لم يتركوا هذه الوظائف المرموقة  بإرادتهم مثل محمد فريد ، وإنما أتركوها على غير إرادتهم لأنه صدر قرار احترازي من غيرهم بإبعادهم عن سلك النيابة والقضاء.

لم يكن الفراغ الذي تركه مصطفى كامل هينا، فقد كان قد ترك بناء معنويا كبيرا لأنه كان حصيلة سنوات من الاجتهاد المخلص الذي  جعله يتشيد طبقة بعد أخرى ، وهكذا رأى الزعيم محمد فريد  بوطنيته الصادقة ونفسيته السوية أن يشرك معه أقران مصطفى كامل في خلافته، وألا يكون هو الخليفة الوحيد.

هل كان الزعيم محمد فريد أكثر حماسا من مصطفى كامل في بعض المواقف؟

وقد بدأ الزعيم محمد فريد هذا النهج مباشرة بأن أسند رئاسة تحرير اللواء إلى الشيخ عبد العزيز جاويش بدلا من أن يحتفظ بها لنفسه كما أنه أعطى أدواراً متعددة لعلي فهمي كامل بك شقيق مصطفى كامل باشا، ونحن نلاحظ أن هؤلاء كانوا يتعاملون مع محمد فريد بتعاون شديد وإخلاص وحب مما جعل الحزب الوطني يحتفظ بمكانته في السياق الحزبي والسياسي على الرغم من تبدل الظروف ونهاية عهد وبداية عهد جديد، وعلى الرغم من فرض الحماية البريطانية مع ما هو معروف من العداء الأبدي بين الحزب الوطني والإدارة البريطانية في لندن أو القاهرة على حد سواء.

هل كان الزعيم محمد فريد أكثر حماسا من مصطفى كامل في بعض المواقف ؟ نعم كان أكثر حماسا من مصطفى كامل في بعض المواقف أو في معظم المواقف إذا أردنا الحق ، فموقفه في قضية التلغرافات موقف نادر، وكذلك موقفه من قانون المطبوعات وتقديمه لديوان وطنيتي للشيخ علي الغاياتي  الذي لا يمكن وصفه بأقل من جذوة من الحماس المركز النقي .

أما فضل الزعيم محمد فريد على حركة الوفد المصري وعلى سعد زغلول باشا فيجمع بين الفضل المباشر وغير المباشر، فأما الفضل المباشر فيتمثل فيما كان سعد باشا يحظى به من ثناء محمد فريد بك بل مجاهرته بترشيحه لسعد باشا  ليكون من رجال الدولة المنتمين إلى الوطن الذين لا يقلون كفاءة عن الأجانب، ثم تأييده عن بعد لحركة الوفد المصري .

وأما الفضل غير المباشر فإن كل الخبرات المتولدة عن التجارب التي خاضها محمد فريد (في المرحلة السابقة على مرحلة زعامة سعد زغلول ) قد تدفقت على هيئة خبرات في مسيرة الوفد المصري، وعلى سبيل التمثيل فان اكتشاف الطريق المسدود (أي طريق مسدود أينما كان ) قد وفّر على حركة الوفد بقيادة سعد زغلول ما كان يتراءى لها من جدوى الجري وراء السراب، كما ان اكتشاف الطريق المثمر وفر على الوفد الإهمال الذي كان كفيلا بان يضيع الفرص السانحة.. وهكذا.

نذكر أن الرجلين الأولين في البروتوكول في الوفد بعد وفاة سعد زغلول وفي نهاية العشرينيات و بداية الثلاثينيات تخرجا من مدرسة الحزب الوطن

على أن هناك فضلاً ثالثا أهم من هذين الفضلين وهو تزويد الوفد بالكوادر الوطنية التي تربت في الحزب الوطني بالقرب من مصطفى كامل أو محمد فريد أو كليهما والتي أصبحت بعد عدد قليل من السنوات بمثابة أفضل عناصر الوفد في طبعته الشعبية الجماهيرية ذات الروافد التكنوقراطية والفكرية الاصيلة التي تجلت قيمتها بوضوح و إشراق بعد انشقاق الأحرار الدستوريين.

ومن المفيد أن نذكر أن الرجلين الأولين في البروتوكول في الوفد بعد وفاة سعد زغلول وفي نهاية العشرينيات و بداية الثلاثينيات تخرجا من مدرسة الحزب الوطني وهما رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا ورئيس مجلس النواب ويصا واصف باشا .

وقد كان ويصا واصف باشا من خلصاء مصطفى كامل باشا لا من أصدقائه فحسب ، وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإن وجود ويصا واصف باشا نفسه في الهيئة الإدارية للحزب الوطني هو أكبر دليل على أن الحزب الوطني كان يضم الأقباط المصريين وأنه كان لهم مكانة متقدمة فيه وذلك على عكس ما لا يزال يروج زوراً من أن الحزب الوطني كان معاديا للأقباط ، وأنه كان أقرب ما يكون إلى حزب إسلامي متطرف، وهي دعايات عسكرية المنبع على كل حال ، وقد صادفت هوى اليساريين واللا دينيين.

كان الزعيم محمد فريد منتبها بذكاء إلى خطورة استمرار التعاون مع المستعمر على أية صورة من صور السياسات التنفيذية الداخلية ولهذا فإنه كان سابقا لزمنه حين طالب في مرحلة مبكرة بما يسمى بالعصيان السياسي أي أن يمتنع المرشحون للوزارة عن قبولها ، وهي فكرة ذكية تطورت في بداية ثورة 1919 وكانت السيدات المصريات من طبقة الحكام والمرشحين للوزارة هن مَنْ طورنها بحيث اجتمعن و دعين أزواجهن وأصدقاء أزواجهن إلى الامتناع عن قبول الوزارة، أما محمد فريد بك فكان يقول هذا المعنى بكل وضوح قبل 10 سنوات من دعوة عقيلات الوزراء إلى التحمس لهذه الفكرة ، بعد أن تبنتها الزعامات الوطنية ،  وقد قال الزعيم محمد فريد بها صراحة من 1909 ، وقال بكل وضوح إن هذا الإعلان من جانب الوزراء كفيل بأن يجعل السلطة تعلن الدستور وأن ينال المصريون حقوقهم.

والواقع أن الزعيم محمد فريد كان يعول تعويلا ذكيا على مثل هذا السلوك السلمي المنظم الهادف ، ولهذا فإنه كان أيضا من أول من سعوا إلى تشجيع تشكيل النقابات العمالية بل وشارك في دعم تأسيسها وهو ما حدث على يديه في 1909، وقد خطا محمد فريد خطوة أخرى في هذا السبيل السلمي المنظم حين دعا إلى المظاهرات الشعبية المنظمة من قلب مدينة القاهرة.

من إحقاق الحق أن نقول إن محمد فريد كان هو صاحب فكرة التوكيلات التي أخذ بها الوفد المصري في ثورة 1919 وبنى عليها حركته، وكعادة كل رائد فإن ريادته أهملت في ظل الحديث عن أصحاب التطبيق العملي الذي حقق الذيوع والانتشار ، ومع هذا فإن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل أن الزعيم محمد فريد كان ناجحا نجاحاً مذهلا حين بدأ فكرته لأول مرة قبل الوفد بعشر سنوات ذلك أنه استطاع أن يجمع في الدفعة الأولى من الطلبات الموقعة من الأهالي 45 ألف توقيع وهو رقم مذهل في ذلك الوقت.

لم يكن هذا هو كل ما تفوق فيه الزعيم محمد فريد واستغرق وقته ، لكنه كان مشغولا بفكرة نشر المدارس الليلية التي أنشأها في أحياء القاهرة والتي تولت تعليم الفقراء من الصغار كما تولت محو امية الكبار في الوقت ذاته، وقد كان الشعب المصري من الذكاء والعطاء بحيث تطوع أبناؤه القادرون بعلمهم ووقتهم من أجل إنجاح فكرة و أداء هذه المدارس التي شارك فيها المحامون والأطباء مشاركة فاعلة فلم تكن أعداد المشتغلين بمهنة التدريس في ذلك الوقت كافية للقيام بمثل هذا العمل الجبار.

ومن العجيب أن القضاء المصري لم يجد مانعا في أن يحكم على أحد أبنائه بالسجن 6 شهور بسبب مثل هذا النص

ربما كان من المهم أن نسأل عن السبب الذي جعل رجل القضاء والنيابة يرون في مقدمة محمد فريد لديوان شعر الشيخ الغاياتي ما يستلزم محاكمته، والحقيقة أن أفضل إجابة على هذا السؤال هو أن نقرأ فقرات من هذه المقدمة الصريحة التي اتهم فيها محمد فريد الحكم الاستبدادي بأنه أمات الحماس والشعر الحماسي.

ومن العجيب أن القضاء المصري لم يجد مانعا في أن يحكم على أحد أبنائه بالسجن 6 شهور بسبب مثل هذا النص، بل وأن يجعله ينفذ مدة السجن كاملة ، ولهذا فإن محمد فريد خرج من السجن ساخطاً على الحكومة،  وإن كان قد عبر عن الحكومة بلفظ الأمة المصرية لسبب لست أدريه.

يروى أنه كان في وسع الزعيم محمد فريد أن يتجنب السجن بألا يعود الى مصر لكن ابنته فريدة هي التي أشارت عليه بالعودة ، حتى وإن كانت العودة تستلزم سجنه فهذا أشرف في رأيها من أن يقال إنه هرب.

” مضي علي 6 أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر بالضيق إلا بعد اقتراب خروجي، لعلمي أني خارج إلي سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد ويحرسه الاحتلال، فأصبح مهددًا بقانون المطبوعات ومحكمة الجنايات، محرومًا من الضمانات التي منحها القانون للقتلة وقطاع الطرق”.

ومع هذا فإن تجربة السجن جعلت الزعيم محمد فريد يغير رأيه في المرحلة التالية مباشرة، حيث فضل النفي الاختياري وسافر بإرادته حين علم أن الحكومة تنوي اعتقاله ،

غادر الزعيم محمد فريد مصر سرًا في 25 مارس 1912 لتأكده من عزم الإنجليز والحكومة سجنه، فقرر مع قيادات الحزب الوطني أن يغادر مصر لمواصلة كفاحه في الخارج من أجل الاستقلال. وقد ظل في خارج  مصر إلى أن  توفي في 15 نوفمبر 1919 أي بعد يومين من الذكرى الأولى للقاء سعد زغلول باشا وزميليه بالمعتمد البريطاني فيما اعتبر بعد هذا عيداً للجهاد الوطني.

دعواته السياسية
– شارك محمد فريد في مؤتمر السلام في صيف 1912 ولاهاي في 1913.

– اهتم بمعنى سيادة المصريين في حكومتهم معارضا ما صرح به البريطانيون بأن لهم اليد العليا في الدواوين وهو ما يتعارض مع أول مراتب الاستقلال.

– اهتم بحرية الصحافة من خلال مقاومة قانون المطبوعات وما يترتب على نصوصه من تقييد للحرية.

كان محمد فريد يعبر بكل الوسائل عن اقتناعه بضرورة توسيع قاعدة المنتمين للحزب الوطني الذي تأسس قبل وفاة مصطفى كامل بأربعة شهور فقط وعلى الرغم من انتمائه الأرستقراطي فإنه كان مؤمنا كل الإيمان بالعمال والفلاحين والصناع اليدويين الأحرار وطلاب مدارس الشعب والموظفين البسطاء الذين يشغلون الوظائف الدنيا في الجهاز الحكومي المصري الخاضع تماماً لسطوة الاحتلال.

شملت ممارسات محمد فريد  النشطة في الحياة العامة كثيرا من الميادين التي تعبر عن الرغبة العارمة في الاستقلال

من المهم أن نلخص أهداف الزعيم محمد فريد السياسية لأن المراجع التاريخية تناولها بطريقة مختلفة تختزل بعضها بل تهمله (عن قصد معروف وبات أكثر وضوحا الآن بعد مائة عام من رحيل الزعيم محمد فريد ) ويمكن لنا أن نقول إن أهدافه كانت بالترتيب:

–      الجلاء البريطاني عن مصر

–      الدستور والحياة النيابية

–      التمسك بالجامعة الإسلامية

–      توكيد وحدة وادي النيل

شملت ممارسات محمد فريد  النشطة في الحياة العامة كثيرا من الميادين التي تعبر عن الرغبة العارمة في الاستقلال والتقدم ويمكن لنا أن نحصر بعض المجالات التي تطرق إليها محمد فريد بقلمه أو فكره أو جهوده طيلة المدة التي قدر له أن يكون له فيها صوت مسموع من خلال الصحافة ومن خلال الحزب الوطني:

– ناقش مشكلة الرهون الزراعية وقاده هذا إلى ضرورة البحث في نظم التعاون والنظام المصرفي الملائم لمصر.

– اهتم بحقوق العمال وبخاصة حق الإضراب، والحقوق المرتبطة بمخاطر المهنة، كما في مهنة الجزارة.

– دعم الرياضة، وكرة القدم، والنادي الأهلي.

–  دعم فكرة نادي المدارس العليا، ومنتديات التثقيف .

تنطق كتب محمد فريد التاريخية الثلاثة بقدرته على كتابة التاريخ بأسلوب علمي موضوعي بعيداً عن الصيغ البيانية التقليدية، ومنتصراً لتقنية الحديث عن الحدث التاريخي في سياقه، وعلى التسلسل التاريخي، وعلى إدراك روح الشعب والقوى الاجتماعية بعيداً عن المنهج الذي يحصر التاريخ في نزوات الحكام أو أفكارهم، أو المنهج الأخر الذي يحصره في أليات حركة القوى الاجتماعية ، ومع أنه لم يصل إلى المستوى الذي أصبحت تحققه المدارس التاريخية التي انتشرت بعد وفاته فإنه كان في عصره مؤرخا متزنا قادراً على الإنصاف وهو أقصى ما يمكن طلبه من مثقف قانوني مثله في مثل ظروفه.

مؤلفاته
–  “البهجة التوفيقيّة في تاريخ مُؤسِّس العائلة المُحمديّة”، والذي تحدَّث فيه عن أهمّ إنجازات محمد علي باشا، وقد كتب هذا الكتاب سنة 1891

–  تاريخ الدَّولة العلية العُثمانيّة: والذي بيّنَ فيه الدور المُهمّ الذي لَعِبته الدَّولة العُثمانيّة في حماية الدِّين الإسلاميّ، والدفاع عنه، وقد أصدره سنة 1894

–  تاريخ الرومان: عن تاريخ الدَّولة الرومانيّة.

– رحلة إلى بلاد الأندلس ومراكش والجزائر.

– تاريخ الرومانيين.

وصيته
لما ساءت الحالة الصحية لهذا الزعيم المجاهد، وأدرك أن ساعة الموت اقتربت، قال لمن حوله ومنهم صديقاه  الدكتور عبد العزيز عمران وإسماعيل لبيب: «قضيت بعيدا عن مصر سبع سنوات، فإذا مت فضعوني في صندوق، واحفظوني في مكان آمين، حتي تتاح الفرصة لنقل جثتي إلي وطني العزيز، الذي أفارقه وكنت أود أن أراه”.

وفاته وجنازتاه
روى الرافعي أنه  دخل في غيبوبة وأسلم الروح في منتصف الساعة الحادية عشرة من مساء السبت 15 نوفمبر، عام 1919.. و يؤكد الرافعي أنه في اليوم التالي شيع المصريون جنازته بما يليق بمنزلته، وتم وضع جثمانه في تابوت حديد لكي يمكن نقله إلي مصر عند سنوح الفرصة عملا بوصيته، وتم حفظ التابوت في كنيسة بالقرب من المقبرة، وبقي وديعة لدي حارس الكنيسة ، وفي يونيو 1920، سافر الحاج خليل عفيفي التاجر بالزقازيق وعاد بالجثمان علي نفقته الخاصة.

ولد كما يولد أبناء الأمراء في فمه ملعقة من ذهب، عاش كما يعيش أبناء الحكام الكبار، بين القصور العالية المليئة بالخدم والحشم

من الإنصاف أن نشير إلى أن الحاج خليل عفيفي التاجر في الزقازيق لم يكن موسراً للدرجة التي تجعله يتكفل بنقل جثمان محمد فريد من أوربا إلى مصر على نفقته بل إنه باع كل ما يملك من أجل هذا الهدف النبيل وسافر بنفسه فأحضر الجثمان ، وعاد به إلى مصر.

كتب الأستاذ صبري أبو المجد في كتابه «محمد فريد، ذكريات لا مذكرات»: “…… من الشخصيات النادرة الفذة التي تشرق بها صفحات التاريخ من جيل إلي آخر، ولد كما يولد أبناء الأمراء في فمه ملعقة من ذهب، عاش كما يعيش أبناء الحكام الكبار، بين القصور العالية المليئة بالخدم والحشم، لا يعرف وما ينبغي له أن يعرف شيئًا عن الشعب أملًا وألمًا، وتدرج كما يتدرج أبناء الكبراء والحكام الإقطاعيين الكبار في الوظائف التي تقربه من طبقة الحكام، غير أنه بعد فترة طويلة من الدراسات والقراءة والتأمل وطبيعة تكوينه الشخصي والنفسي قربته تمامًا من الشعب وآمال الشعب وآلام الشعب”..

“كان لوالده ألف ومائتان فدان، وكان له هو قصر في شارع شبرا مساحته 5 أفدنة من أراضي البناء، وعمارتان بشارع الظاهر، وأنفق كل ذلك علي الحركة الوطنية، ومات فقيرًا في غربته” .