أيمن عبد الغني.. حبيب الشباب

المهندس أيمن عبد الغني مع الرئيس محمد مرسي

حين يكون الموت حياة، والنهاية بداية، والحصاد غرس؛ فلابد أن يكون للناظرين وقفة وللمعتبرين اعتبار.

شيعت القلوب منذ أيام قلبا يمشي على الأرض، رجلا من طراز فريد، عملة ندر وجودها في ظل الحياة المادية والافتراضية، نقطة ضوء في حالك الظلام، دفئا إذا ما اشتد برد الغربة، ونسمة إذا اشتد حر البعاد.

هو حبيب الشباب المهندس أيمن عبد الغني (أمين عام الشباب بحزب الحرية والعدالة سابقا)، والذي أفنى حياته داعيا وعاملا بين الشباب ومعه محبا لهم قبل أن يهاجر مضطرا إلى إسطنبول، وهناك لم يستسلم لأحزانه التي هاجرت معه، ولكنه أكمل المسيرة؛ فكان للشباب أبا وأخا ومعلما في وقت قلت فيه القدوات.

إنه من الصعب أن تكتب عن شخص لم تسمح لك الظروف بمعاملته ومقابلته أكثر من مرة، وكل ما تتذكره من الحوار الذي دار في هذه المرة بلاغة بسمته وفصاحة سلامه، ولكن الذي دفعني للكتابة هذا الحب المتناثر على مواقع التواصل الاجتماعي من شباب مكلوم على حبيب قريب.

كان متخصصا في غرس بذور الحب في قلوب الشباب؛ متعهدا ما غرسه بالتربية والعطاء والتقدير؛ فأثمر ذلك أشجار ود وأغصان محبة وثمار عرفان.

إن صدق مشاعر الشباب التي ودعت هذا الرجل النبيل لتبرهن على صدق فعاله وأصالة معدنه؛ فالناس شهود الله في الأرض، فكأني بالشباب يودعون طيف أمل تعلقوا به أو يدفنون حلمًا عاشوا عليه، وكأنهم في المشاهد التي انتشرت من جنازته يدفنون قطعة من قلوبهم في قبره ويحفرون للفقيد في قلوبهم.

وما كان هذا الحب ليكون لولا أنهم شعروا أنه يشعر بهم، يعيش همومهم، يمسح دموعهم، يخفف من آلام غربتهم، يعاملهم بأخلاق النبلاء؛ فقذف الله حبه في القلوب “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا”، كان متخصصا في غرس بذور الحب في قلوب الشباب؛ متعهدا ما غرسه بالتربية والعطاء والتقدير؛ فأثمر ذلك أشجار ود وأغصان محبة وثمار عرفان.

كأني أراهم في يوم ميلاده الجديد – فمن زرع كل هذا الحب لم يمت – أشجارًا واقفة وأغصانا حائرة وثمارًا ناضجة تودع جذرها التي ترعرعت عليه متعجبة كيف تعيش دونه؟!

إن موت المهندس أيمن حياة له؛ فالذكر للإنسان عمر ثان، ولو عاد للدنيا لحظة واحدة ورأي هذا الحب المنثور والعرفان المنشور والتقدير المعلن، ورأى صوره المعلقة في قلوب الشباب قبل صفحاتهم، والمنقوشة في قسمات وجوههم قبل وضعها على حالاتهم الافتراضية؛ لفضل الموت من جديد؛ لأنه سيوقن في هذا اللحظة أنه لم يمت، بل هو حي مرتاح من عناء الحياة.

هذا الرجل الصابر حرمه الظالمون من زوجه وفلذات كبده سبع سنين عجاف، والذي ضنوا عليه حتى بوداع شقيقيه بعد أن قتلوهما غدرا وإهمالا في سجونهم، ومع كل هذا الحرمان وكل هذا الألم كان مندوبا للأمل ومسوقا للتفاؤل وداعيا للثقة في سوق المطاردين.

كان الشباب يبحثون عنه في جنازته؛ ليخفف عنهم وطأة المصيبة؛ فلقد اعتادوا منه على هذا الدور

ما أجمل هذا القلب! يقطر دما من شدة العناء ولا يظهر للمحيطين به إلا غيث الأمل والعطاء، يزرع الابتسامة في القلوب وهو مكلوم حزين، فلا تشعر من ابتسامته بدموع قلبه، ولا من أمله بشدة ألمه، ولا بسعادته بالرفاق الذين معه بحزنه على أهله الذين ليسوا معه.

كان الشباب يبحثون عنه في جنازته؛ ليخفف عنهم وطأة المصيبة؛ فلقد اعتادوا منه على هذا الدور، ولكن كيف وهو الفقيد؟! فلقد كانوا يرونه في كل شيء، ومنهم من شعر بأنه يخفف من حزنهم قائلا:” رأيتك في مآقينا / ترد على مراثينا / وتوصينا على البُنيان / رأيتك واقفا فينا /تواسينا / فمن ذا قد دفنا الآن ؟!”

وداعا يا حبيب الشباب ويا صاحبهم، ألبستهم بلباقتك وذوقك ثياب أناقة وجمال، وعطرتهم بأخلاقك عطر محبة وإجلال، هنيئا لك الجنة التي تزينت للهينين اللينين، الثابتين الصامدين، المحبين الخلوقين، آن لك أن ترتاح من عناء الغربة والبعاد عند رب العباد:

وأعرج بروحك للخلود مرددًا          اليوم أمضى للجنان مخلدا

إن شاء ربي أن أعيش بقربه          فلطالما عشت الحياة مشردا

وأنتم يامن لازالت دموعهم تروي جفاء الواقع ، وتقلل من شوائب الخلافات ، نعزيكم ونواسيكم ونتعزى بكم ؛ فلا تدفنوا الأمل معه ؛ ففيكم ألف أيمن ، ولم لا وأنتم تتلمذتم في جامعة أخلاقه وأخلاق أمثاله ، كونوا قدوة لغيركم مثلما كان قدوة لكم ، كونوا شامة في الأخلاق ، كونوا لغيركم كما كان لكم ، كونوا صدرا حانيا للمكلومين ،غيثا للظامئين ، شعلة للمهتدين ، يدا حانية تخفف من آلام المعذبين ؛ لتتركوا بصمة في جدار الحياة ، ولتنقشوا حبكم في صفحات القلوب كما نقش صاحبكم بأقلام أخلاقه في قلوبكم ، وليكن حبكم لفقيدكم حبا عمليا منفذين وصاياه ، سائرين على دربه ، ناصرين لدعوته ، داعين له ، ذاكرين له ، مرددين عمليا قول الشاعر:

سيظل حبك في القلوب مسطرا         وسناك في الألباب واسمك في الفم