هل يستطيع الدكتاتور مكافحة الفساد؟

الاحتجاجات في شوارع لبنان مستمرة حيث يتظاهر اللبنانيون ضد الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية

ابتلت بلادنا بسبب طبيعية النظام الذي يحكمها بكل آفات الفساد؛ من رشى إلى شراء الذمم، واختلاس للمال العام والمحسوبية إلى ظلم والإفتراء على الناس ففسدت الحياة الاجتماعية.

سنوات طوال ونحن ننتظر تحقيق شعار مكافحة الفساد في بلادنا؛ حتى وقعت الطامة الكبرى وأخرجنا الفساد والإفساد من أوطاننا لنرى في البلاد الديمقراطية .

كيف تكون مكافحة الفساد دون تهريج وتطبيل؟ ودون شعارات جوفاء عصية عن التطبيق؟

فقد ابتلت بلادنا بسبب طبيعية النظام الذي يحكمها بكل آفات الفساد؛  من رشى إلى شراء الذمم ، واختلاس للمال العام والمحسوبية إلى ظلم والإفتراء على الناس ففسدت الحياة الاجتماعية بعد الحياة السياسية ونقولها مجازا فالحياة السياسية أصلا مفقودة في بلادنا.

وعندما تُبتلى الدول بالفساد بأوجهه المختلفة؛  يبدأ المتسائلون يتساءلون ويبحثون عن أفضل ألية لمكافحة هذا الفساد …

بالطبع معالجة الفساد في الأنظمة الدكتاتورية مسرحية هزلية؛ وتستخدم لغايات براغماتية للتخلص من الإتباع الذين انتهت مدة صلاحيتهم .

وعلى مدى أكثر من نصف قرن من تفشي الرشى في المؤسسات الحكومية في بعض البلاد العربية، والإعلانات المتكررة عن عزم  الحكومات القضاء على هذه الظاهرة؛ إلا أن ذلك لم يتحقق بل زاد حجم الفساد إضعافا مضاعفة.

والسبب أن الأنظمة الدكتاتورية لا تمتلك أي آليات حقيقية لمعالجة الفساد لأن هذه الأنظمة تقوم على المحسوبية والولاء، والاعتبارات القانونية والأخلاقية مجرد شعار يطلق لإضفاء الشرعية على المصائب التي يخلفها ذلك النظام …

أما في البلاد الديمقراطية يكون انتشار الفساد أقل و القضاء عليه أسرع؛ وذلك بسبب ألية المراقبة الطبيعية التي يوفرها النظام الديموقراطي.

فهناك دائما شخص يحكم وأخر يراقب أفعال الحاكم؛  وحكومات الظل لعبت دورا حاسما في القضاء على أشكال الفساد في البلاد الديموقراطية التي أخذت عن قصد أو بدون قصد بمضمون الآية الكريمة في سورة البقرة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين)

ابتلت بلادنا بسبب طبيعية النظام الذي يحكمها بكل آفات الفساد؛  من رشى إلى شراء الذمم ، واختلاس للمال العام والمحسوبية إلى ظلم والإفتراء على الناس ففسدت الحياة الاجتماعية بعد الحياة السياسية

فالتدافع أداة فعالة لمكافحة الفساد؛ حتى ولو كانت آلية التدافع تتم بصورة سلمية طالما أنها قانونية وملزمة.

وهذه الألية تتمتع بها الدول الديمقراطية من خلال تدافع الأحزاب والكتل السياسية فيما بينها بطريقة سلمية في إطار الحياة السياسية النشطة حيث يتم كشف الفساد وفضحه ومحاربته بوسائل وأليات قانونية ملزمة وسهلة وسريعة.

وتدعم هذه الأليات الصحف والرأي العام الحر المناهض لأي شكل من أشكال الفساد وإضافة  لآلية التدافع التي يتميز بها  النظام الديمقراطي هناك آلية التداول السلمي القائم على مبدأ سيادة القانون.

وليس على مبدأ سيادة القوة. هذا التداول يمنع نمو العفن والفساد الإداري والمالي والسياسي  في مؤسسات الدولة حيث أن عملية الاستلام والتسليم تكشف الكثير من وقائع الفساد التي تحدث لأنها بصورة اتوماتيكية هي عملية للمحاسبة فالوزير الذي يريد أن يتسلم مهامه يقوم بشكل طبيعي بعملية جرد للوقائع التي حدثت أثناء تولي الوزير السابق لمهامه وهكذا تكشف أي واقعة أو تصرف يخفي فساد ..

في البلاد الدكتاتورية لا توجد هذه الأليات فلا تدافع ولا تداول وعلى الغالب أن يبقى المسؤولون في مناصبهم فترات تمتد لعشرات السنوات كما هو حال رئيسهم.

في البلاد الدكتاتورية لا توجد هذه الأليات فلا تدافع ولا تداول وعلى الغالب أن يبقى المسؤولون في مناصبهم فترات تمتد لعشرات السنوات كما هو حال رئيسهم.

هنا يعشعش الفساد وينمو دون حسيب أو رقيب؛ وتجتمع السلطة والثروة في يد فاسدة واحدة ويصبح ثمن الإصلاح باهظا جدا قد يصل إلى حد دمار الأوطان … لأن هذا النهج يخالف سنن الحياة التي سنها الله سبحانه.. قال تعالى (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)  …

فالتداول ألية من آليات كشف الظلم الذي هو أخطر نتيجة من نتائج تفشي الفساد.

فإذا جلس الدكتاتور على السلطة دهرا؛  ممسكا هو و أتباعه بكل جوانب الحياة في الأوطان فأن من يقع عليه الظلم أو تضيع حقوقه بسبب الفساد لن يستطيع رفع الظلم واسترجاع حقوقه؛  وقد يموت قهرا وهو ينتظر سقوط الظالم وتبدل المشهد أما في البلاد الديمقراطية فإن تداول السلطة ينصف كل مظلوم ويعيد الحق لكل ضحية فساد أو إفساد..

لذلك نرى أن البلاد الديمقراطية نهضت وازدهرت فالبناء يتلوه بناء بينما البلدان الدكتاتورية كانت كقصور رمال على شاطئ بحر؛  كلما شيدت جاءت موجة من البحر لتدمرها ليدفع الناس الثمن مرتين بعد الهدم وعند إعادة البناء ويعيشوا في حلقة مفرغة لا تخرج عن دائرة من بناء وهدم واعادة بناء..

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها