رحيل روبرت فيسك مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم!

الصورة التي نشرها حساب الرئاسة الفلسطينية

تصادف ذكرى مرور 103 أعوام على وعد بلفور المشؤوم، ففي الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1917 وخلال الحرب العالمية الأولى أصدرت الحكومة البريطانية من خلال وزير خارجيتها أرثر بلفور، رسالة  إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أبرز كبار المجتمع اليهودي البريطاني اشتهرت بإسم “وعد بلفور”.

تعلن فيه دعمها لإقامة “وطن قومي للشعب اليهودي” في أرض فلسطين، وبعد تلك الرسالة بثلاثة أعوام احتل الجيش البريطاني فلسطين وبقي فيها حتى عام 1948 حيث سلمت الأراضي الفلسطينية في ذلك العام لمنظمات صهيونية مسلحة، إرتكبت أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح بهدف التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم فيما يعرف “نكبة فلسطين” وأكتمل احتلال العصابات اليهودية لأرض فلسطين عام 1967 فيما يسمى “النكسة”.

تتزامن الذكرى هذا العام مع رحيل الصحفي البريطاني روبرت فيسك؛  وهو الذي ارتبط اسمه بالعديد من قضايا الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن الماضي حتى رحيلة الأسبوع الجاري.

وقد كان داعما لحق الشعب الفلسطيني في قضيته وحقه في وطنه، وربط ذلك الوعد المشؤوم بمأساة اللاجئين الفلسطينيين المستمرة حتى اليوم.

نشر روبرت فيسك مقالا جريئا في صحيفة الاندبندنت سخر فيه من موقف رئيسة وزراء بريطانيا في حينه “تيريزا ماي” التي عبرت عن شعورها بالفخر في ذكرى وعد بلفور، وألتزامها الصمت تجاه كلمة سفير الكيان الصهيوني في بريطانيا مارك ريغيف الذي وصف وقتها من لا يؤيد ذلك وعد بلفور من البريطانيين بأنه “متطرف”.

ويرى فيسك في مقالته تلك بأن نهاية الكيان الصهيوني ستكون بتدمير نفسه بنفسه بناء على رؤيته لتصرفات رؤساء وزراء الكيان الصهيوني في مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات لليهود.

ويحسب للراحل وضوح موقفه من الوعد بأنه “مشين” بحق بريطانيا، وكذلك موقفه من الظلم الذي يتعرض له الإنسان الفلسطيني ومساهمة بريطانيا المستمرة في ذلك من خلال دعمها الكيان الصهيوني وفق أولوية علاقاتها التجارية، وأيضا رؤيته بأن الكيان الصهيوني سيبقى في حالة حرب وخوف في المنطقة لأنها موجود وسط أعدائها.

يرى فيسك بأن نهاية الكيان الصهيوني ستكون بتدمير نفسه بنفسه بناء على رؤيته لتصرفات رؤساء وزراء الكيان الصهيوني في مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات لليهود.

وتحدث فيسك أيضا عن الكذب الذي يتضمنه الوعد المشؤوم، وهو “عدم التعدي على الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطينين (الفلسطينيين)” التي كانت في حينها تشكل ما نسبته أكثر من 93% من سكان فلسطين بينما يشكل اليهود وقتها من 6-8%، بينما قامت العصابات الصهيونية بتنفيذ أبشع المجازر من أجل تهجير أهل فلسطين.

من مفارقات ذكرى وعد بلفور، الجملة الشهيرة لرئيسة الكيان الصهيوني جولدا مائير: ” الكبار يموتون والصغار ينسون” وبجملة أخرى حسب بعض المؤرخين ” اقتلوا كبارهم فينسى صغارهم” .

ولكن وبعد مرور 103 أعوام لا يبدوا أن الأجيال تنسى شيئا بل يمكن القول إنها مستمرة في توريث كل التفاصيل التي تتعلق بفلسطين وتقاليدها وتراثها من ناحية والاحتلال الصهيوني وتوثيق جرائمه من ناحية أخرى وتستمر مقاومة وجود هذا الكيان بكل الأشكال سواء في داخل فلسطين أو خارجها، فمن غادر أجداده يوما ما مرغمين أصبح أحفادهم مقاومين ومتمسكين بحقهم بما هو متاح لهم من سبل.

وعد بلفور الذي صدر ممن لا يملك “بريطانيا لمن لا يستحق “العصابات اليهودية” لازال وصمة عار في تاريخ بريطانيا الحديث ورغم ذلك تحتفل به سنويا، ورغم ذلك لا يمكن أن تسقط حقوق الفلسطينيين بالتقادم، فالعودة لأرض فلسطين هي حق مقدس لكل فلسطيني طرد أو خرج من موطنه في عام 1948 أو أي عام لاحق بسبب الاحتلال.

وحسب الإحصائيات الفلسطينية الرسمية فإن حرب عام 1948 قد نتج عنها تشريد وطرد أكثر من 714 ألف فلسطيني عن أرضه نحو مخيمات اللاجئين في داخل فلسطين وخارج فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا ومصر.

مع مرور أكثر من قرن من الزمان على وعد بلفور المشؤوم، فلم ولن ينجح أي حل للقضية الفلسطينية إلا بما يقبله الشعب الفلسطيني الذي بقي متمسكا لغاية الآن بحقة في أستعادة وطنه فلسطين.

وتعود ذكرى وعد بلفور المشؤوم هذا العام وسط ظروف صعبة حيث تزايدت الخلافات والانقسامات العربية؛ وتعددت التحالفات الإقليمية وأتجه بعض العرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والاحتلال الصهيوني يستمر في مصادرة الأراضي الفلسطينية.

ولكن وبالرغم من هذه الظروف يبقى هنالك دائما بارقة أمل بأن الظلم لا يدوم، وقد سقط العديد من الظالمين نتيجة ظلمهم، ويسجل التاريخ أن القائد المسلم سيف الدين قطز (في فترة انكسارات مريرة للدولة الإسلامية) قد هزم جيش المغول الذي كان في قمة عنفوانه وظلمه وجبروته في موقعة عين جالوت شمال بيت المقدس في فلسطين.

رحل روبرت فيسك عن عالمنا قبل يومين وقد ترك خلفه أثرا طيبا ووثق الكثير من تفاصيل الحرب الأهلية اللبنانية ومذبحة صبرا وشاتيلا ومجزرة حماة في سوريا وغيرها من الأحداث الكبرى في المنطقة العربية، ومما يسجل له لقاءاته الصحفية مع أسامة بن لادن.

وقد عاش معارضا لسياسة بلاده وأمريكا في المنطقة العربية، بينما يبقى أسم أرثر بلفور ملطخا بالخزي والعار، ومع مرور أكثر من قرن من الزمان على وعد بلفور المشؤوم، فلم ولن ينجح أي حل للقضية الفلسطينية إلا بما يقبله الشعب الفلسطيني والذي بقي متمسكا لغاية الآن بحقة في أستعادة وطنه فلسطين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها