مكاسب تركيا من انتصار أذربيجان على أرمينيا

الرئيس التركي ونظيره الأذربيجاني

بعد 44 يوما من العمليات العسكرية الأذرية لتحرير إقليم كاراباخ المحتل، أعلنت أرمينيا استسلامها وتوقيع اتفاق ثلاثي مع كل من روسيا وأذربيجان صاحبة الحق في الإقليم؛ وهو الحق الذي لاقى دعما من عدد من الدول وفي مقدمتها تركيا.

في المجال السياسي قامت تركيا بتحييد جميع الضغوط السياسية الدولية التي كانت تمارس على أذربيجان، خلال عمليات تحرير كاراباخ، بينما على المستوى الميداني فقد غير ما يمتلكه الجيش الأذري من المسيّرات التركية، مسارات المعارك لصالح أذربيجان.

وبالعودة للاتفاق الثلاثي، فقد كرس بشكل واضح الانتصار العسكري النوعي الذي حققه الجيش الأذري على قوات الاحتلال الأرميني في إقليم كاراباخ.

ومن أهم بنود الاتفاق إعادة فتح الطريق إلى إقليم ناخيتشيفان الأذري، الذي كانت تفصله أراضٍ أرمينية بالقرب من الحدود مع كل من تركيا وإيران.
وللتعرف على أهمية إقليم ناخيتشيفان الأذري، إذ هو منطقة تتمتع بحكم ذاتي بين تركيا وأرمينيا وإيران، تبلغ مساحته نحو 5363 كيلومترا مربعا.

الإقليم منفصل جغرافيا عن بقية الأراضي الأذرية، ويبلغ عدد سكانه نحو 450 ألف نسمة.

هذا الانفصال كان سابقا لاتفاق ربط الأراضي الأذرية بعضها البعض، حيث كان قبل الاتفاق لابد من المرور بالأراضي الإيرانية ليصل أهالي أذربيجان إلى الإقليم، والعكس صحيح.

اليوم، نحن أمام انتصار أذري؛ وبالتالي أصبح إقليم ناخيتشيفان متصلا جغرافيا بأذربيجان، كذلك ربط جغرافيا بينها وبين تركيا .

وهنا تكمن أهمية ما نناقشه بالتحديد، إذ إن هذا الانتصار التاريخي ستكون له فوائد جمة على الطرفين التركي والأذري، سياسيا واقتصاديا.

كما أن انعكاساته على السياسة التركية ستكون كبيرا جدا، مزيدا من القوة والثبات والتطور.

 الدور التركي غير المعادلة على الأرض لصالح أذربيجان، وساهم بعودة الحق إلى أهله بعد استعادة أذربيجان لأراضيها التي كانت تحتلها أرمينيا.

ومن أهم ما حققته تركيا من خلال هذا الانتصار، تعزيز وجودها في القوقاز وشراكتها هناك مع روسيا، وكذلك توجيه ضربة قوية لفرنسا التي كانت تدعم بقوة أرمينيا واحتلالها للأراضي الأذرية.

وكذلك هناك فائدة اقتصادية مهمة جدا نتجت عن هذا الانتصار التاريخي، وهي أن التواصل الجغرافي الاقتصادي وغير الاقتصادي قد فتح بين تركيا وأذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان، وصولا إلى طاجيكستان وأفغانستان وباكستان، وكل ذلك بدون المرور عبر إيران، أي أن تركيا أصبحت اليوم أكثر قوة وتحررا إذا أرادت أن تصل إلى كل العالم التركي في وسط آسيا، وهي تريد فعلا.

لقد كان هذا التواصل ممنوعا قبل أن تحرر أذربيجان أراضيها المحتلة، ولكن اليوم أصبح حقيقة مبشرة لتركيا والعالم التركي وكذلك العالم الإسلامي، أي نحن أمام مرحلة اقتصادية كبرى في هذه المنطقة ستكون تركيا ومن معها أكبر المستفيدين منها.

وربحت تركيا أيضا عسكريا وتكنولوجيا، إذ أثبتت أن تدريباتها للجيش الأذري كانت قوية ومثمرة، وكذلك أثبتت أن تكنولوجيا طائراتها المسيرة من أفضل التكنولوجيا في العالم بهذا المجال، فالنقطة الأولى تعزز من مكانة جيش تركيا، والنقطة الثانية ترفع من قدر ما صنع في تركيا.

وكذلك حققت تركيا مكسبا مهما واستراتيجيا من انتصار أذربيجان على الاحتلال الأرميني، وهو أنها أثبتت لحلفائها ولأعدائها مبدأ في غاية الحساسية، ألا وهو أنها حليف صادق مع حلفائها لا تتخلى عنهم وقت الشدائد ولا تتهاون مع من يحاول الإضرار بحلفائها.

تركيا دعمت أذربيجان ـ كما ذكرنا ـ بقوة وفي مختلف المجالات، سياسيا وإعلاميا وعسكريا وأمنيا وإغاثيا وغذائيا وصحيا ودبلوماسيا، وهكذا يكون الحليف مع حليفه.

وبالتالي اليوم يستطيع حلفاء تركيا أن يطمئنوا أنهم متحالفون مع دولة قوية كبرى مؤثرة قاردة على تغيير المعادلات الصعبة، بل دولة صادقة بتحالفاتها، وبالتالي إن احتاجوا أي دعم في أي وقت من حليفهم التركي فسيجدون تركيا معهم وإلى جانبهم، ورما أمامهم تدافع عنهم وتنصرهم بوجه الأعداء.

وكذلك على أعداء حلفاء تركيا أن يحسبوا ألف حساب قبل الاعتداء على أي حليف لتركيا، فهم أصبحوا يدركون الآن أن تركيا قوة لا يستهان بها تدعم حلفاءها بجد وصدق، وتغير المعادلات.

إذن نحن أمام انتصار تركي واضح، فالانتصار لم يكن محصورا عند أذربيجان.. لقد انتصرت تركيا سياسيا وعسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا واستراتيجيا وجغرافيا، ونحن اليوم أمام دولة هي اليوم أقوى مما كانت عليه قبل انتصار كاراباخ، وهذه الدولة هي تركيا.