قاموس على لطفي لا يعرف (طق مات)

هكذا كان السياسيون والصحفيون يقربون الصورة بأن علي لطفي هو عبد العزيز حجازي ، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الأول أقل تسامحاً وأكثر حدة واعتزازا وأسرع غضباً.

أبدأ حديثي عن الدكتور علي لطفي  ١٩٣٥- ٢٠١٨  بقصة من قصص القصور المعبرة أو الكاشفة و الدالة، وقد سمعتها بأذني من راوي القصة الذي كان طرفاً فيها، بل كان هو طرفها الأساسي إذا جاز هذا التوصيف في طرف يحضر موقفا و طرفاه الآخران هما رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء…

 كان هذا الطرف هو أمين رئاسة الجمهورية الذي يتولى صُحبة الرئيس حتى إلى الاجتماعات الكبرى في قصره الرئاسي.
 وقد روى لي عن تصرف كان يحرص عليه الدكتور علي لطفي( رئيس الوزراء المصري الأسبق )  إذ  دُعي هو ومجموعة من الوزراء إلى اجتماع من الاجتماعات الرئاسية؛  التي كان الرئيس حسني مبارك يعقدها للوزراء المتصلين بقضية أو مجموعة من القضايا دون حاجة إلى عرض الموضوع على مجلس الوزراء كله ..

 

 

كان هذا التصرف الذي تكرر بحيث لم يفت الأمين ولا الرئيس (بالطبع) أن يدركا مغزاه هو أن يستأذن في لقاء منفرد لمدة دقيقة بالرئيس قبل الاجتماع، وبالطبع فإنه لم يكن يعدم سببا لمثل هذا اللقاء المنفرد؛ بل من الطبيعي أنه سيكون هناك أكثر من سبب لأشياء يريد رئيس الوزراء أن يستأذن فيها الرئيس أو أن يأخذ رأيه على انفراد أو أن ينهيها إليه على انفراد..
كل هذا طبيعي ومفهوم لكن الرئيس حسني مبارك (وكذلك أمين الرئاسة وهو من أصل يميل إلى العسكرية) كانا يفهمان الموقف بطريقة مختلفة، وهو أن رئيس الوزراء كان يريد أن يوحي للوزراء أنه قادم إليهم مع الرئيس، وليس قادماً معهم إلى الرئيس ….
وسواء أفهم الدكتور علي لطفي أن هذا يضايق الرئيس حسني مبارك أم لم يفهم،  فإن مبارك لم يكن سعيداً بهذا على أي حال؛ كما أن لطفي لم يكف عن هذا ..

ولأني لا تربطني بالرجلين إلا العلاقة الجيدة فإني أستطيع أن أقول وكلي اطمئنان إن الدكتور علي لطفي لم يكن يمانع في أن يسبب تصرفه هذا ضيقا للرئيس؛  ما دام سيعود عليه بدرجة من النفع المعنوي أو بدرجة من الرضا النفسي الذي كان حريصا على أن يحققه لنفسه.
وعلى خلاف كل الذين تعاملوا مع الدكتور علي لطفي من الوزراء فإني أراه كان محقا في مثل هذا التصرف .
بل إنني أستطيع أن أقول باطمئنان إن هذا السلوك قد بقي معه طول العمر، وقد ساعده على طول العمر.
 وأنه لولا هذا السلوك لأصيب بالموت من أزمة قلبية من التي تعتري العاطفيين أو الحساسين حين  تُساء معاملتهم على يد العسكريين ….

علي لطفي لم يكن يمانع في أن يسبب تصرفه هذا ضيقا للرئيس؛  ما دام سيعود عليه بدرجة من النفع المعنوي أو بدرجة من الرضا النفسي الذي كان حريصا على أن يحققه لنفسه.

 وباختصار شديد و دون دخول في معنى الأثر العصبي والقلبي لمثل هذه السلوكيات؛ فإن التصوير الشعبي هو الأصدق تعبيراً عن هذا الموقف بكلمة من حرفين يستعيرها العامة من اللغة الفصحى فيعبروا بها أبلغ تعبير عن الحقيقة حين يقولون “طق مات“….
 ففي هذا الفعل “طق” كل التعبير المطلوب عن حالة الانفعال الزائد أو التقلص أو التشنج أو الضيق أو القفش أو التقلص الذي يعتري عضواً من الأعضاء [الخطرة] بدرجة خطيرة تكون قاتلة….
 ويصبح الوصف التشريحي هو نزيف المخ أو توقف القلب لكن الوصف الفسيولوجي السيكولوجي الدقيق هو: طق مات.
وبهذه العقلية الحريصة على القرب من مواقع النفوذ مع الاحتفاظ بهامش من تدليل النفس وتضخيم الذات استطاع الدكتور علي لطفي أن يعيش مع نظام عسكري منذ أصبح وزيراً للمالية (1978 ـ 1980)، ثم رئيساً للوزارة (1985 ـ 1986) ثم رئيسا لمجلس الشورى (1986 ـ 1989).
 وقد احتفظ لنفسه طيلة هذه الفترة بوجوده أستاذاً في تجارة عين شمس حتى إنه في وقت من الأوقات طلب أن يكون من المرشحين لرئاسة الجامعة إذ لم يكن قد بلغ الستين رغم المناصب التي مرّ بها.
كان الدكتور علي لطفي أستاذاً للمحاسبة التي يعتبرها المصريون أو الطلاب المصريون بمثابة المادة الأولى في كلية التجارة (وليس الاقتصاد ولا الإدارة بما فيها من علوم التسويق)؛ ولا يزال هؤلاء الطلاب مع اختلاف أجيالهم على هذه العقيدة.
 ومن ثم فإن اسم أستاذ المحاسبة وكتاب أستاذ المحاسبة وامتحان أستاذ المحاسبة ومحاضرة أستاذ المحاسبة كل هذا مما يشغل بال طلاب سبعين ألفا من الطلاب في السنة الواحدة (تصل دفعات كلية التجارة إلى حدود 18 ألف طالب في الدفعة الواحدة) …

وهكذا كان أسم أستاذ المحاسبة في كلية التجارة (أية كلية للتجارة) من أسماء المجتمع الشبابي في مصر على الدوام.
وقد جاء الدكتور علي لطفي إلى منصب الوزارة في 1978؛ وقد سبقه مجد الدكتور عبد العزيز حجازي الذي كان قد تولى الوزارة نفسها في 1968 وظل في الوزارة إلى أن أصبح رئيسا لها في 1974 .

وهكذا كان السياسيون والصحفيون يقربون الصورة بأن علي لطفي هو عبد العزيز حجازي الثاني، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن علي لطفي أقل تسامحاً وأكثر حدة واعتزازا وأسرع غضباً ، كما أنه أكثر كلاماً وحديثاً وجدلاً.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها