عن قوة الرأي والقرار

طفل فلسطيني يحمل علمه الوطني بالقرب من الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل

الشورى؛ هي طلب الرأي من الآخر أو الآخرين في أمر لا يستطيع فيه الفرد اتخاذ القرار جملة واحدة، ولا يبلغ الاطمئنان فيه إلا بمشاركة الآخرين .
ما هي إلا قيمة أساسية من جملة القيم التي على أساسها يتم التحكم فيها في الصراع بدرجة عالية، وتوجه القوة فيه توجيها سليما.
 لأن امتلاك القوة وزيادتها وإظهارها هو الضامن لحماية الأفراد والدولة وبقاء أركانها، ولا قيمة للنشاطات الاجتماعية الأخرى  في التنبؤ بعلاقات الدول بعضها ببعض أو على الأقل بمستوى دراسة الصراع والقوة.
ورغم أنه ليس للصراع صفات الثبات والدوام؛ إلا أنه متفاوت الدرجات بين الأطراف؛ بحسب حيثيات الهدف المتصارع عليه.
فعلى سبيل المثال؛ الصراع في فلسطين بين اليهود والمسلمين، يمكن أن يصنف من أطول أنواع الصراع في الوقت الراهن كمثال، بل أنه يخرج من اعتباره صراعا إلى اعتباره قضية إسلامية يهتم بها كل مسلم .

مسن لفلسطيني وهو يحمل علم بلاده أمام قوات الاحتلال

قال “ابن كثير” في كتاب (البداية والنهاية) عن ابن إسحاق  ”تحدثنا عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله، أهذا المنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه؛  ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:” بل هو الرأي والحرب والمكيدة “.
فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فأمض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد أشرت بالرأي“؛ إن المنزل الذي حدده الصحابي “الحباب بن المنذر” رضي الله عنه الذي هو أدني وأقرب ماء من معسكر المشركين؛  يمثل رأيا فرديا يصب (تبعا لتقديره) في مصلحة الجماعة، وقد تأكد صحة هذا التقدير  والرأي بعد أن رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولاحقا بعد انقضاء الحرب في بدر الكبرى.
 إن قبول النبي صلى الله عليه وسلم لرأى الصحابي “الحباب بن المنذر” في حد ذاته رسالة بليغة لكل القادة في ملاقاة الحروب ومواجهة الأعداء فلا استبداد وإنفراد بالرأي والقرار.

يمثل قبول واستئناس  قائد الجيش لرأى جند من جنوده دفعة معنوية عالية لذلك الفرد و لكل أفراد الجيش.

 الرأي السديد أو مراكز البحث تمثل قوة يعتمد عليها الجيش في حروبه؛  أو يفترض الإعتماد عليها في مقابلة التهديدات العسكرية للدولة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، والتي  تعتبر عاملا وسببا رئيسا لفقدان إتزانها واستقرارها الطبيعيين.
مع هذا فلنا أن نأخذ  عددا من الفوائد، أو بالأحرى  الدروس والمبادئ التي يقرها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم:
1_ أن الصحابي” الحباب بن المنذر ” أشار بالرأي باعتباره فردا من الأمة والجيش.
2_لم تكن اعتبارات صغر سن الصحابي” الحباب” لتمنعه من إبداء الرأي .
3_أنه لم يكتم رأيا  يتوقع فيه أن يكون سببا في النصر وإلحاق الهزيمة بالعدو.
4_الإحساس الكبير بالمسؤولية والانتماء للدين والدعوة.
5_لم تكن أخلاق وسلوك جيش الإسلام فوضوية كأن تتم المشاورات ووضع الخطط دون الرجوع إلى قائد الجيش، بل على العكس من ذلك تماما فإن إبداء الصحابي لرأيه تمثل قمة الانضباط والربط.
6_يمثل رأى الصحابي” الحباب” قوة سخرها الله له.
7_قبول النبي محمد صلى الله عليه وسلم لرأى “الحباب بن المنذر” يعني إشراكه صلى الله عليه وسلم لكافة أفراد الجيش في صنع القرار.
8_يمثل قبول واستئناس  قائد الجيش لرأى أحد  من أفراد جنده دفعة معنوية عالية لذلك الفرد بل لكل أفراد الجيش.  

مصلحة الفرد هي مصلحة الدولة ومصلحة الدولة هي ذاتها مصلحة الفرد ، وأهداف الفرد هي أهداف الدولة والعكس

9_قبول قائد الجيش مبدأ الشورى والأخذ به، يدل على وجود المبادئ الإسلامية السامية مثل مبدأ المساواة والعدل والإنصاف والتكامل والتكافل بين الجميع.
10_يمثل قبول قائد الجيش محمد صلى الله عليه وسلم لرأى الصحابي”الحباب بن المنذر” إشراك كافة أفراد الصف الإسلامي في القرار وتحمل المسؤولية.
11 _يمثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لرأى الصحابي”الحباب بن المنذر” تقديرا من القائد الأعلى  للجيش لكافة أفراد الصف الإسلامي ومساواتهم في الحقوق والواجبات.
12_ يمثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لرأى الصحابي”الحباب بن المنذر” تطبيقا  فعليا لقيمة الشورى في الميدان.
13_قوة الرأي من شأنها تحديد الأهداف بصورة عالية الدقة.
14 _الرأي يؤخذ من الصغير مثلما يقبل من الكبير سواء بسواء.
15_مصلحة الفرد هي مصلحة الدولة ومصلحة الدولة هي ذاتها مصلحة الفرد ، وأهداف الفرد هي أهداف الدولة وأهداف الدولة هي ذاتها أهداف الفرد.
16_تمازج الكل في الواحد والواحد في الكل، وتفكير وتخطيط الواحد هو تفكير وتخطيط الكل بما تكون محصلته إرادة واحدة وثابتة لا متعددة ومتباينة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها