ابدأ الآن

كم من مرة عزمت أن تبدأ في اكتساب مهارة جديدة، أو عادة إيجابية، ووضعت برنامجا فيه خير الدنيا والآخرة، أو ممارسة رياضة، أو قراءة كتاب، أو تَعَلُّمِ لغة، أو مباشرة مشروع معين….
لكن سرعان ما خَبَتْ جذوة حماسك، وتراجعت قوة رغبتك، أم بدأت في تنفيذ ما بدأته ولم تُتمه، أم لم تبدأه أصلا وبقي حبرا على ورق.
في كل مرة استيقظ فيها أنا وأنتم، نحتاج أن نواجه التحدي الشامل ذاته: أن نتغلب على الخمول، ونعيش مستثمرين كل إمكاناتنا.

 

إنه أكبر تَحَدٍّ في تاريخ البشرية: تجاوز المبررات التي نصادفها، والقيام بما هو ملائم، وتقديم أفضل ما لدينا وتحقيق حياة تستحق الدرجة التامة التي نتمناها فعلا”.
وكثيرا ما يتعلل الناس بأعذار واهية
سوف أبدأ حينما أنهي الدراسة
حينما تأتي العطلة
حين يأتي الربيع
حينما يأتي الصيف
حينما يأتي الخريف
حينما تتقاعد
حينما تموت
ما سر إعتقادك هذا؟
فالأمر بالنسبة لهم أن الغد من المفترض أن يكون أفضل، دون أن يكون لديهم أي استراتيجية لجعله أفضل.
والواقع أنه كلما زاد شعور الناس بالإحباط تجاه اليوم، زادوا تَوهُمًّا بأن الغد سيكون أفضل.
وهؤلاء لم يستفيقوا إلا بعد أن علموا أن المستقبل صار ماضيا”

أكثر ما يُحزن في الحياة هو أن يلتفت المرء في نهايتها، ويعرف أنه كان  بُوُسعه أن يعيشها أفضل، ويعمل أفضل، ويحظى بالأفضل

يهمُّ المرء أنْ يعمل عملاً صالحًا يعودُ عليه بالخير في الدُّنيا والآخِرة، فيوسوس له الشيطان قائلاً: لماذا لا تؤجِّل هذا العمل إلى أوَّل الأسبوع؟ ويستَجِيب له الإنسان، ويأتي أوَّل الأسبوع ويشغل صاحبنا ولا يعمل شيئًا؛ فيضيع عليه ثوابُ ذلك العمل الصالح.
ويقول روبين شاورما” “أكثر ما يُحزن في الحياة هو أن يلتفت المرء في نهايتها، ويعرف أنه كان  بُوُسعه أن يعيشها أفضل، ويعمل أفضل، ويحظى بالأفضل”.
لكن للأسف ومن سوء الحظ تقول بعض الإحصائيات أن حوالي 95% من الناس يعيشون بما هو دون طموحاتهم، ويتقدمون بأقل من قدراتهم بكثير، ويواجهون مصاعب في معظم المجالات. وأن حوالي 5% فقط هم الذين يعيشون وفق طموحاتهم وهم المؤثرون في العالم.

سارعوا إلى القرآن الكريم، حيث نجد آيات كثيرة تدعو إلى المسارعة إلى فعل الخيرات واغتنام الفرص النافعة.
قال الله -تبارك وتعالى -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
ففي الآية الكريمة دعوة إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات. (تفسير ابن كثير)
وقال -سبحانه -: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21].
ففي الآية دعوة إلى “المسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع” تفسير السعدي
وفي السنة النبوية نجد نفس الأمر، نجد أحاديث كثيرة تدعو إلى المبادرة إلى فعل الخيرات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريبٌ، أو عابر سبيلٍ)).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر الـمساء، وخُذْ مِن صحتك لِمرَضِك، ومن حياتك لِمَوتك)؛ رواه البخاري.

نحن في سباقٍ مع الأجل والأشغال، والمرض والصوارف الكثيرة؛ فعلينا أنْ نغتَنِم الفرصةَ المتاحة لنا الآن، فما ندري هل تبقى مُتاحةً لنا؟!

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: فما أجمَعَ هذا الحديث لمعاني الخير وأشرفه (شرح الأربعين لابن دقيق العيد (126).
نحن في سباقٍ مع الأجل والأشغال، والمرض والصوارف الكثيرة؛ فعلينا أنْ نغتَنِم الفرصةَ المتاحة لنا الآن، فما ندري هل تبقى مُتاحةً لنا؟!
لذلك لا داعي للتسويف والمماطلة في البدء بالأعمال المهمة والمفيدة
وقد عقَد الخطيب البغدادي بابًا في كتابه “اقتضاء العلمِ العملَ” بعنوان: باب ذم التسويف[ص113.]، وقد جاء فيه:
قِيلَ لرجلٍ من عبد القيس: أَوْصِ، فقال: احذروا (سوف).
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “فَدَحَنِي عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتَمَع عليَّ عملُ يومين؟ “سيرة عمر بن عبدالعزيز”؛ لابن عبد الحكم صـ57.
إذن يجب أن تبذلوا 100% من جهدكم يوميا. وما تقصرون في بذله اليوم، لن تعوضوه غدا. فإذا بذلتم 75% اليوم، فلن تستطيعوا بذل 125 % من جهدكم في اليوم التالي.
وأحد مفاتيح الحياة الرائعة، والسيرة الناجحة والشعور بالمتعة حُيال ذلك، هو أن تطور عادة البدء وإنهاء الأعمال الهامة. إن هذا السلوك سَيَقْوَى ويصبح لك عادة، وستجد من الأسهل إنهاء الواجبات المهمة.
لا تَنْسَ
ابدأ الآن وليس غدا
اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا، واجعل خيرنا في دنيانا وآخرتنا واحشرنا في زمرة المتقين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها