تجرعوا السم أو انصرفوا

 

بعد تمكن العراق في عهد صدام حسين من إحراز انتصارات مهمة في السنة الثامنة من الحرب العراقية الإيرانية مكنته من استعادة السيطرة على المدن الحدودية التي احتلتها إيران قبلت إيران في أغسطس/آب من عام 1988 بوقف إطلاق النار وحينها قال الخميني قولته المشهورة “لقد تجرعت كأس السم “

وهي عبارة تُلخص مدى المرارة وخيبة الأمل التي ألمت بالخوميني بعد شعوره بخيبة الخسارة وقتذاك ولكنه اضطُر للمهادنة مع ألد أعدائه في ذلك الوقت الرئيس العراقي صدام حسين ليُنهي معاناة شعبه على مدار ثماني سنوات هي عمر تلك الحرب ، وفي ديسمبر من عام 1995 اضطر زعيم البلقان وفيلسوفه رئيس البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش لتوقيع اتفاقية دايتون للسلام حقناً لدماء شعبه رغم ما حققه من انتصارات في المرحلة الأخيرة من الحرب ورغم أن هذه الاتفاقية وضعت البوسنة والهرسك تحت الوصاية الدولية ولم تحقق لها الاستقلال الكامل إلا أن الرئيس الراحل علي عزت بيغوفيتش وقعها حقناً لدماء المسلمين.

 وحتي لا يذهب قارئ هذه السطور بعيداً فأنا هنا لا أدعو الى حوار أو مصالحة مع السيسي ومن حوله لأن هذا لن يحدث فالسيسي ليست مهمته تهدئة الأوضاع في البلاد أو إعادة الطمأنينة وإنهاء الانقسام وإنما مهمته إشعال فتيل الحرب الأهلية والانقسام المجتمعي والتوترات على كافة الأصعدة فهو ماضِ في مسيرة الدماء التي بدأها بانقلابه العسكري في الثالث من يوليو عام 2013 ولن يتراجع عنها لأن وجوده مرتبط باستمرار القتل والتوترات والانقسامات تحت شعاره المزعوم (الحرب على الإرهاب)، ولكن كلامي موجه الى المعارضة المصرية بمختلف أطيافها والمناهضين للحكم العسكري فإذا كان الأعداء الذين دخلوا في مواجهات عسكرية وحروب طويلة يتجرعون السم ويجلسون ويتفاوضون ويوقعون الاتفاقيات التي قد تكون مجحفة حقناً لدماء شعوبهم  وتحقيقاً لمصلحتها العليا في الاستقرار والرقي فلماذا لا تتجرعون أنتم أيضاً السم وتتناسوا خلافاتكم ومصالحكم الضيقة لتُصيغوا مشروعاً وطنياً جامعاً يستنقذ البلاد والعباد من الحكم العسكري الذي أذل الشعب وبدد مقدرات الوطن وأخضعه لأعدائه بدلاً من الانقسام والتراشق وتبادل الاتهامات والدخول في جدل عقيم يُضيع الوقت والجهد ويُسرب اليأس والإحباط لكل من لديه أمل بتغيير الأوضاع وإصلاح أحوال البلاد والعباد ،فلا يخفي على أحد ما تعيشه مصر من فشل سياسي واقتصادي واجتماعي وتراجع لدورها الإقليمي وخضوعها لأطراف إقليمية تحت قاعدة (الرز) وتحولها الى ألعوبة بيد الكيان الصهيوني يحركها كيف يشاء وفق مصالحه وأهوائه وكذلك ما يعانيه الشعب من أزمات متلاحقة وفقر وقهر وتكميم للأفواه في ظل جمهورية الخوف التي أعادها السيسي وسلطته العسكرية بوجهها الأشد قبحاً بحكم الحديد والنار، كل ذلك يُحتم على كل وطني غيور وعلى كل القوي السياسية بمختلف انتماءاتها أن تتوحد على أرضية مشتركة وهي ضرورة “إزاحة السيسي وحكمه العسكري البغيض” الذي دمر البلاد وأرهق العباد وكفاكم كل هذه السنوات من الانقسام والتشرذم فكل يوم يمر يزداد فيه الدعم الإقليمي والدولي لهذا الحكم العسكري وجميعكم شاهد وتابع ما حدث في شرم الشيخ من حضورٍ لافت لزعماء الاتحاد الأوربي ليباركوا قمع السيسي وبطشه وسلطويته رغم أن دماء المظلومين التسعة الذين أعدمهم السيسي لم تجف بعد جاء زعماء أوربا وقد ألقوا وراء ظهورهم كل شعارات الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ظناً منهم أن السيسي يحافظ على مصالحهم ولأن الواقع على الأرض يُشير الى أن السيسي يُحكم قبضته علي البلاد وليس هناك ما يشير الى حركة على الأرض من مناهضي السيسي توحي بأن ثمة تغييرا سيحدث في المدي القريب، لذلك فالوحدة والالتقاء على أرضية مشتركة وصياغة مشروع وطني جامع بخطط وفترات زمنية وأهداف واضحة والتحرك بناءً عليه خارجياً وداخلياً لاشك سيُحدث شيئاً على أرض الواقع وسيجعل الغرب وحتى الدولة العميقة يُعيدون حساباتهم إزاء دعمهم للسيسي وسلطته العسكرية ،

اصنعوا بوحدتكم واقعاً جديداً يجعل العالم يشعر بوجودكم وبأن ثم إرادة حقيقية تجمعكم لتغيير هذا الواقع المصري البائس أو انصرفوا مشكورين واتركوا الساحة لغيركم يرحمنا ويرحمكم الله.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها