صباحات ساو باولو

 

ليست كأي صباحات، مشرقة ملبدة بالغيوم، باردة دافئة شديدة الحرارة، شمسها ساطعة متوارية عن الأنظار

هذا بالضبط ما أردت قوله

هي صباحات غير متوقعة تستيقظ كل يوم متسائلاً: ما الجديد؟؟ لتجيبك السماء بمشهد لم تره عين من قبل.

فكل يوم هو مشهد جديد

تتحلى السماء تارةً بالسحب وتارة أخرى تتلحف بها

وأحياناً ما تبدو تلقائية طبيعية نقية حتى ترى الشمس والقمر معاً في نفس الصورة

ويكتمل المشهد بجبالٍ خضراء كثيفة وأشجار عالية

ولمزيد من الألوان تظهر الأكواخ والبيوت برؤوسها الحمراء

في ساو باولو، أنت مجبر على حب الحياة

تطاردك دقات الطبول والموسيقى الصاخبة أينما ذهبت، وتجبرك المدينة على أن تفتح أعينك باكراً لتهب للحياة

أنت مدفوع دفعاً لاستنشاق الصباح ولتناول حمام دافئ في الشمس أو بارد تحت المطر

في ساو باولو تُلهَم التسبيح وتُؤمن بعظمة الخالق.. لا داعي لتعكير المزاج، فأنت في ساو باولو

الكثير من البؤساء حولك يبتسمون بتلقائية ويتراقصون على أنغام الصباح

حب الحياة نشأ هنا، التسعينيون يملؤون المدينة ولا يكفون عن الرقص

البسطاء يُسرون عن أنفسهم بالغناء والصفير حتى إذا جاء المساء لملمت الشمس أشعتها ومظاهر زينتها وولت في مشهد ساحر ملهم وحينها ترى الوجه الآخر للمدينة

ستتحول الجبال الخضراء إلى أشباح تداعب مخيلتك وستتوه الأنوار الصفراء للمدينة في أحضان الأشجار الكثيفة وسترى كل البشر كأفراد عصابات مسلحة ينوون القضاء عليك في هذه الليلة وستنتظم الحياة في روتين مرسوم

لحظات العودة للغائبين.. نباح الكلاب في استقبال أصحابها.. أصوات المائدة ونفس الروائح تقريباً.. هدير المياه وتناول حمام المساء.. أنوار خافته في المنازل وأنوار أكثر خفوتاً خارجها

تستمر الطبيعة في لعب لعبتها فقد تمنحك ليلاً هادئاً أو تنام على صوت الرعد والمطر

هكذا ستتأرجح في ساو باولو بين الحب والخوف.. بين البرد حد التجمد والحر حتى الاحتراق في نفس اليوم

هكذا ستعبث بك ساو باولو، وسترى التناقض فيها كل يوم، وستبصر ألوان الحياة كلها،

فهي مدينة عملاقة متناهية الصغر شعبها أصيل بلا جذور خليط من كل شيء واللاشيء

الذوق والعنف يتصاحبان في ساو باولو

الأشد فقراً والأكثر غنى يتجاوران في ساو باولو

الأفارقة والآسيويين يتزاوجون في ساو باولو

والهنود والأوربيون

اللغات تنسى جميعها وتتوه الكلمات ولا تنطق إلا البرتغالية

تنطقها برقة إجبارية مهما كانت فجاجة مشاعرك

أنت مجبر على التلطف في ساو باولو

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها