وعود خزعبلية بإصلاح سياسي مأمول!
وبطاقات تموينية حُذفت ،ثم قيل : إنها ستعود!
وتخفيض فكاهي ، بضعة قروش نزلت من سعر الوقود!
ووزير بالحكومة، يَعِد الشعب، بأن ينظر لهم نظرة إحسان وجود!!
متى يقول السيسي للمصريين: أنا فهمتكم ؟!!
متى يدرك أن أدنى مطالب الجماهير الثائرة رحيله، وسقفها المحاسبة والقصاص الموعود؟!
ولتستبين لنا النهاية ، علينا أولا متابعة هذا المشهد التاريخي القديم :
ضربه بعصاه ؛ فإذا البحر ينشق لموسى عليه السلام ، وها هو ذا طريق ممهد يظهر فجأة فوق الماء، معجزة تخرق كل الأعراف والقوانين، أمر جلل ، لا يحدث كل يوم ، فماذا كان يا تُرى، رد فعل الفرعون؟!!
هل أصابه الذهول؟! هل صرخ ملتاعا؟!!
هل توقف لحظات ليستوعب ما حدث؟!
ربما، ربما فعل الجميع ذلك، فرعون وجُنده وبنو إسرائيل، فالأمر جد عظيم،
ازداد المؤمنون إيمانا بنصر الله، تيقن فرعون من أن موسى نبي الله، وأن دعوته هي الحق، فماذا فعل حينها؟!!
هل آمن بالله؟!!
هل نادى على موسى عليه السلام وأخبره؟!!
أم هل منعه الكبر من إعلان الإيمان ؟!!
بالتأكيد ، الطاغية المتجبر الذي رأى في نفسه كل شئ الحاكم والوطن والإله ، قد بلغ العند منه مداه؛ وقد أتى له موسى من قبل بتسع آيات بينات، معجزات لا تخطؤها عين، فكفر بهم جميعا.
قال تعالى: “وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” .
* كانت آية العصا إرهابًا لفرعون وملئه، ليمتد الصراع مع موسى عليه السلام إلى السحرة، الذين يستنجد بهم فرعون، على مشهد من الناس، فيؤدي ذلك لتطهير مصر من سطوة السحر وأهله .
*وكانت آية اليد حفظًا لموسى عليه السلام، من بطش فرعون، فإن كانت العصا يمكن سحبها وإبعادها عنه، فإن يده لا يمكن نزعها منه.
قال تعالى: “فَأَلْقَى عَصَاه فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ”
*وأما الآية الثالثة فهي السنين؛ وأخذهم بالقحط، والأمة المصرية وقتها كانت تعتمد على الزراعة، وفي القحط هلاكهم وضيق عيشهم.
*أما الآية الرابعة فهي نقص الثمرات و عدم اكتمال الثمر ووصوله إلى تمام نضجه،
قال تعالى: “وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ”
*وبعد سنين القحط جاءت الآية الخامسة وهي الطوفان؛ والطوفان حادث يتكرر في أرض مصر، وفيه خير كبير، ولكن إذا كان زائدًا عن حده، وطال الزمن قبل انحساره، أصبح نقمة بدلا من أن يكون نعمة،
*ثم جاءت الآية السادسة : الجراد؛ والذي قضى على أحلامهم بإتلافه الزرع من بين أيديهم.
* ثم الآية السابعة وهي القراد ( القمل) ؛ الذي يكثر ويزاد في الأرض الرطبة، فكان مصدر قلق وعذاب كبير .
*أما الآية الثامنة فهي الضفادع؛ فبعد انحسار الطوفان، تكونت الترع والبرك وكثر وجود الضفادع، فزاحمتهم في أماكن عيشهم و مياه شربهم، وعكرت صفو أيامهم.
*ثم كانت الآية التاسعة وهي “الدم” حيث ابتُليت أرض مصر بانتشار مرض البلهارسيا بسبب قواقع تعيش في المياه الراكدة ، فسببت لهم نزف الدم مع البول، وقد جُمعت تلك المعجزات الخمس في آية واحدة ؛ قال تعالى: “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ” (4)
كل تلك الآيات المزلزلة لفرعون وجنده وقومه ، لم تزد فرعون سوى تجبرا وإجراما،
*لكن اليوم، الأمر جلل، قال تعالى: “فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم”
صار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق، وصار فيه فتحات ، ينظر بعضهم إلى بعض، وقام الماء على حيله كالحيطان.
كان الأولى بفرعون بعد أن رأى الآية المعجزة تلك، أن يفر هاربا مذعورا ،
هذا هو التصرف الوحيد المنطقي ، بخلاف طبعا الإيمان بالله ونبيه صاحب المعجزات العجيب، أنه لم يفعل أيا من ذلك، بل وكعادة الطغاة والفراعين، سار باطمئنان الجاهل، واستخفاف الغافل يريد اللحاق بهؤلاء الفارين، تصور المغفل أن البحر الذي انشق بهذه الصورة المعجزة لينجي موسى وبني إسرائيل، سينجيه معهم، بل وسيمكنه من الإمساك بهم!
وجد الأحمق نفسه فجأة وسط الماء، فأدرك مصيره المحتوم؛ وحاول أن يستدرك ما فاته، ولكن الله العدل لم يمكنه من النطق بكلمة التوحيد، سوى في اللحظات الأخيرة ، حيث لا ينفع نفسا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل.
وهل يمكن لجرائم الطغاة أن تسقط بالتقادم عند إله اسمه “الديّان” ؟!!
* غرق فرعون بجهله وغبائه ، وتحقق أمر الله العظيم، حين قال : “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء”
يُضل الله الظالمين؟!!!
نعم، يسلط عليهم الغفلة والغباء، فتكن بها نهايتهم، وراحة البلاد والعباد من شرورهم ومصائبهم.
*غرق فرعون، في اليوم العاشر من شهر محرم ، وأمرنا الرسول الكريم، أن نصومه كل عام احتفالا بهلاك الطاغية.
وبين فضله بالقول : “وصيام يوم عاشوراء إنى أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله ” (7)
قيل إن السبب فى تعظيم ذلك اليوم والأمر بصيامه ، يعود إلى ماله من تأثير كبير على حياة المسلمين، إذ تظل ذاكرة الأمة يقظة ومتوقدة للمواقف الفاصلة بين الحق والباطل ، وليستشعروا دوما وحدة المعركة ، فهلاك فرعون موسى بشرى بهلاك فرعون كل أمة في أي حقبة من حقب التاريخ.
وذلك التاريخ ، هو ما يؤكد لنا ، عبر أحداث مضت منذ آلاف السنين ، وأحداث نعيشها اليوم ، وبلادنا تقاسي آلام مُخاض لـ”ربيع عربي” جديد ، أن الفرعون لا يعلنها لشعبه قائلا : أنا فهمتكم ، إلا حين يدركه الغرق.
ولن يختلف “السيسي” حتما ، عمن سبقوه من الطغاة والمستبدين.
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها