الاصطفاف واجب وطني

 

 هل حان الوقت لالتفاف قوي الثورة ورموزها والاتفاق فيما بينها الآن على كيان جامع؟ أم أنهم سيظلون مشتتين ومتفرقين الي الأبد؟
إن قوى الثورة لم تكن متجانسة، ولم تكن لها قيادة موحدة آن ذاك، بل يمكن القول إن الثورة انطلقت في بدايتها تلقائيا، أو شبه تلقائي.
والتف الجميع حول مبادئ بعينها. وتم تشكيل مجموعات صغيرة داخل الميدان لإرشاد الثوار.
كانت الظروف الثورية ناضجة بسبب السخط المتراكم على هيمنة نظام العسكر ممثلا في (حسني مبارك) على الفكر والمجتمع، وعلى مسالك السلطة، وكذلك السخط على أرستقراطية الأرض، التي كانت تسحق النخبة والعمال والفلاحين.

  في الوقت الراهن لو نظرنا الي خطوات الثورة المصرية سنرى أن الحالة متشابهة قليلاً أو أكثر من الثورة الفرنسية. التي قامت علي الملك والكنيسة في آنٍ واحد.
يقول “روبرت دارنتون” أستاذ تاريخ أوربا الحديث في جامعة “برنستون” في ذكرى احتفال فرنسا بمرور مائتي عام على قيام الثورة الفرنسية: إذا كانت فرنسا تحتفل بمرور مئتي عام على سقوط الباستيل، وإزالة الإقطاع، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن، فإن الوضع في فرنسا في الفترة التي قامت فيها الثورة لم يكن في حقيقة الأمر على كل ذلك القدر من السوء كما يعتقد الكثيرون. فالباستيل كان خاليًا تقريبًا من السجناء وقت الهجوم عليه يوم (14 يوليو 1789م) كما أن الإقامة فيه لم تكن سيئة تمامًا كما يتصور الناس، ولكن ذلك لم يمنع الثوار من أن يقتلوا مدير السجن لا لشيء إلا لأنه من النبلاء، ثم طافوا بعد ذلك بجثته في الشوارع. كذلك كان الإقطاع قد انتهى بالفعل وقت أن أعلنت الثورة إلغاءه أو لم يكن على الأقل موجودا بمثل تلك الدرجة الفاحشة. 
تعكس تماماً كلمات (روبرت دارنتون) الحالة المصرية التي تعيش أسوأ فتراتها في حقوق الإنسان والحريات وغلاء المعيشة وانعدام الأمن وكذلك الحريات الأساسية، بما فيها الحريات الضرورية للديمقراطية، وسجن المعارضين السياسيين على نطاق واسع، وأحكام الإعدام الجماعية، وغياب المحاسبة على القتل خارج القانون بل وصل الأمر الي التفريط في الأراضي المصرية مثل (تيران وصنافير).
إن السيسي يعتمد على الجيش كداعم أساسي له ويتقن جيدا كيف يتلاعب بالقيادات ويخدعهم. على عكس الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي كان يعتمد على عدة دعائم في حكمه، منها: الجيش والحزب الوطني ورجال الأعمال والقضاء والشرطة.
حيث نرى تغلغل الجيش في النواحي الاقتصادية والسياسية كافة، بطريقة لم يسبق لها مثيل. بعد انقلاب 3/7
ليست هذه المرة الأولى التي ستستفيد فيها جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست عام 1928، من تقلبات السياسة في مصر؛ فمنذ عهد جمال عبد الناصر والسادات وحسني  مبارك، كانت هناك مقولة كلما انقلب الجنرالات علي  بعض ، فإن الرؤساء يتجهون إلى الإخوان المسلمين للحصول على الدعم السياسي.
لذا فإن الجماعة لها دور كبير في اي مصالحة وطنية جامعة. عكس ما يقوله البعض بأنه لابد من الابتعاد عن السياسة هذه الفترة.

لماذا المصالحة؟

هذه السلطة ترفض أي حديث عن المصالحة وتراوغ لإفشاله  لكن مهما تتعدد اسباب وطرق الاصطفاف فإنه  يصب في اتجاه واحد وهو التغيير إلى الأفضل والتخلص من الديكتاتورية، وهناك العديد من العوامل الأخرى، التي يمكن النظر إليها كالرغبة في القضاء على الحكم المطلق والاستياء من الامتيازات الممنوحة للقطاعات الرسمية  وطبقة العسكر والجيش والشرطة والتخلص من استياء تأثير  القوات المسلحة  على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية والتخلص من الأرستقراطية التقليدية وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية

بين النفي والتأكيد.

منذ عام 2014 بعد عام أو يزيد عن الانقلاب العسكري. الذي تم علي الرئيس محمد مرسي وهو أول رئيس مدني منتخب جاء في تاريخ مصر. من قِبل الجنرال عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب .تتوارد أنباء عن أن هناك مصالحات وتسوية للأوضاع السياسية  في مصر (يمكن ان تكون شائعات)  يتم الحديث عنها في الأماكن المٌغلقة بين نظام السيسي والإخوان تنزل علي مسامع الناس هذه الأخبار بين مؤيدٍ لها وبين مٌعارض
رغم هذا إلا أنها باءت جميعها بالفشل وكٌتب لها الدفن قبل خروجها الي النور  إلا أنه تبين للجميع مؤخرا أن عبد الفتاح السيسي هو المانع الوحيد لأي مبادرة أو حلول للأزمة المصرية.
في ظل كل هذه الأحداث. تبقى المعارضة المصرية خارج تلك الحسابات. فلاهُم على كلمة سواء ولاهـُم يملكون من أمرهم شيئاً سوي النحيب والاستنكار. بين جلب ما مضى وما كان من المفترض أن يتم. خرجوا من وطنهم متمنين العودة إليه بعد سقوط الانقلاب.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السُفن فالسيسي خرج معهم أيضاً إلى ما هم ذاهبون إليه فوسط كل مجموعة من المعارضة هنالك (سيسي) صغير. استخدم معهم نِظام فرقْ تسُد فشتتهم ومن بعدها أوهمهم بأن كل مجموعة من بينهم هي من تمتلك الحل، حيث استطاع من خلال ذلك كسر صفوف المعارضة.
بل وصل الأمر الي أكثر من ذلك. واستطاع السيسي ونظامه أن يلاحق المعارضين خارج الوطن كما يفعل داخله .
بالمقابل حاولت فرقُ المعارضة توحيد صفوفها من خلال تأسيس عدة كيانات تجمعها تحت كيان جامع، والمضي قدما نحو خطوات أفضل لمقاومة الانقلاب. واتخاذ إجراءات جدية. للوقوف على معاناة الشعب المصري. والمعتقلين.
إلا أنها باءت بالفشل. فهي كالهواء ذهبت مع الريح ولم يبقَ غير اسمها.  ومع تزايد الأصوات المناهضة للسيسي وحكم الفرد داخل مصر وخارجها. ورغم اعتقال السيسي وإهانة كل من تسول له نفسه أن يقف أمامه سواء داخل المؤسسة العسكرية كأمثال (سامي عنان) و(أحمد قنصوة) و(احمد شفيق) أو خارجها مِمن ينتقدون النظام المصري.
فهناك اشخاص قرروا أن ينزلوا بحر السياسة المٌعقد ليسبحوا منفردين ضد التيار مؤملين بانفراجة قريبة. وتغير تلك الأوضاع. 

مبادرة معصوم

 
مؤخرا كتب السفير (معصوم مرزوق) تسعة بنود لحلحلة الوضع السياسي في مصر وتحريك السياسة الراكدة  تحت عنوان
نداء حل الأزمة في  مصر.  أتذكر و إياكم أهمها:
1. إجراء استفتاء شعبي عام وفقاً للمادة 157 من الدستور للإجابة على سؤال واحد: ” هل تقبل استمرار نظام الحكم الحالي في الحكم؟ ” .
2. إذا وافقت الأغلبية البسيطة ( 50% +1 ) علي استمرار النظام الحالي ، يعد ذلك بمثابة إقرار شعبي بصلاحية هذا النظام في الاستمرار
3. إذا كانت الإجابة بنفس أغلبية الأصوات رافضة لاستمرار نظام الحكم ، يعد ذلك بمثابة إعلان دستوري يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور الحالي ، وتنتهي ولاية الرئيس الحالي ويعتبر مجلس النواب منحلاً ، وتعلن الحكومة القائمة استقالتها ، ويتولى أعمال الحكم والتشريع مجلس انتقالي يكون مسئولاً عن تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أعوام .
4. يتشكل المجلس الانتقالي من ثلاثة عشر عضواً يمثلون بشكل متوازن المحكمة الدستورية العليا ، مجلس الدولة ، الأحزاب السياسية
5. يتولى المجلس الانتقالي الحكم من خلال مجلس وزراء
6. يحظر المشاركة علي كل من اشترك أو ساهم في ولاية عامة في مؤسسات الحكم أو البرلمان خلال الأعوام العشرة السابقة علي الاستفتاء .
7. بمجرد بدء ولاية المجلس الانتقالي  يتم إصدار قانون عفو شامل يتضمن تحصينا قضائيا كاملا لكل من تصدي لمهام الحكم والتشريع ما بعد 25 يناير 2011 وحتي بداية ولاية المجلس الانتقالي ، مع تقنين لأحكام عدالة انتقالية في الحقيقة ومصارحة ومصالحة ، والإفراج الفوري عن كل المحبوسين في قضايا الرأي ، وتعويضات عادلة ومجزية لكل ضحايا هذه الفترة بواسطة لجنة قضائية مستقلة يحددها المجلس الأعلى للقضاء ،
8. تكون أول مسئوليات المجلس الانتقالي الإشراف على مراجعة شاملة لكل القوانين واللوائح التي صدرت خلال السنوات التي تلت ثورة 25 يناير 2011، وكل سياسات نظام الحكم السابق واتخاذ اللازم لإعادة الدعم للفقراء وسن ضرائب تصاعدية عادلة، والتوقف عن مواصلة سياسة الاقتراض، وإعادة التفاوض مع المؤسسات المالية المقرضة، وكذلك يتم مراجعة كل الاتفاقات الدولية التي أبرمتها السلطة الحالية خلال الأعوام الماضية وخاصة تيران وصنافير، واتفاق الخرطوم، وترسيم حدود مصر البحرية في البحرين الأبيض والأحمر.. وتتحمل أي جهة أجنبية مسؤولية أي تعاقد أبرمته مع هذه السلطة ويثبت مخالفته للدستور المصري أو أحكام القضاء النهائية الباتة أو القوانين السارية وقت التعاقد .
9. يعد كل بند من البنود السابقة جزءا لا يتجزأ من هذا النداء ،
وختم بنود النداء قائلا إنه إذا اختارت سلطة الحكم الحالي عدم الموافقة علي هذا النداء ، فعليها أن تتحمل نتائج الانسداد الكامل في الأفق السياسي وما يمكن أن يترتب عليه ، وفي هذه الحالة يتم عقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير لدراسة الخطوات التالية ، وذلك من بعد صلاة الجمعة يوم 31 أغسطس 2018 وحتي الساعة التاسعة مساء نفس اليوم .

خوف السلطة

كل تلك البنود لاقت ترحاباً كثيراً من معظم رموز الثورة والمعارضة المصرية سواء في الداخل او الخارج.
لكن هذا لم يعجب النظام المصري. حيث إن الالتفاف حول هذه البنود يهدد عرشة. فسرعان ما قام باعتقال السفير معصوم مرزوق وأشخاص آخرين كانوا قد أبدوا موافقتهم على البنود التي طرحها السفير. داخل مصر  وهذا الاعتقال جاء ثالث أيام عيد الأضحى.
هذا النظام. رغم جبروته. وقوته لكنه يعلم جيدا أن تجمع المعارضة صفاً واحدا سينهي حكمة الي الأبد هذا النظام يخشى أي صوت. يدعو المصريين للخروج علية. أو الخروج للمطالبة. بأي من مطالب ثورة يناير.
على الرغم من كل تلك الاعتقالات والتصفيات. وتكميم الأفواه.
لا زلنا نأمل الخير في هذه المعارضة المصرية. وشعب مصر الذي أصبح لا يطيق النظام. بالمعني التي تحمله هذه الكلمة.
وسيظل السؤال المطروح و الذي يحاول المصريون أن يجدوا إجابة له،
هل يجتمع المعارضون في الداخل والخارج لهذا النظام علي كلمة سواء بينهم. ويسعون للتجمع والالتفاف حول مشروع وطني جامع. وتعرية النظام أكثر فأكثر أمام المجتمع الدولي. والمنظمات الحقوقية.
أم أن للمعارضة المصرية رأي آخر واستمرار للوضع الحالي. كما هو مع تزايد معاناة المعتقلين وذويهم وأهالي الشهداء التي تزداد يومياً…؟؟

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها