هنيئاً تركيا

كيف لا نفرح وقد أنسانا الظلم طعم السعادة، وأورثنا الاستعباد والحزن والكآبة، وفتت الطغاة عضدنا وعظامنا، وألهبت الحرية جوارحنا؟! فحق لنا أن نفرح!

يقول ربنا عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة). ويقول نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم: “مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ”.

 فأخوة الدين متينة بل أمتن من أخوة الدم، وهذه الأخوة تجعل أفراح المسلمين وأحزانهم وهمومهم واحدة، فلا يستطيع عامل تقويض هذه الروابط، وحلّ هذه العرى، فقد وثّقها ديننا بحبل الله المتين. ومن مشاعر الحب والود بين الأخوة المشاركة بأفراحهم، والمبادرة بتقديم التهاني والتبريكات في أعيادهم وحفلاتهم ومسراتهم، لذا وجب علينا مشاركة إخواننا في تركيا الحبيبة فرحتهم في نجاحهم الانتخابي، لرئاسة الجمهورية والبرلمان، بعملية انتخابية نزيهة، بل من أفضل مراتب النزاهة والحرية في اختيار الشخص والحزب المناسبين لقيادة دفة سفينتهم.

أتقدم بالتهنئة الخالصة إلى العالم الإسلامي عموماً، وإلى الشعب التركي بشكل خاص، على هذا النصر التاريخي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفوز الرئيس رجب طيب أردوغان سدده الله. وأقول لهم: باسمي وباسم كل مسلم يحب الخير لبلاد المسلمين، وباسم كل من تاق إلى الحرية في ظل العبودية، وباسم جميع السوريين داخل وخارج تركيا، وباسم كل مظلوم وشريد ومُهجّر، ومكلوم ولاجئ ويتيم، وأرملة وثكلى وصاحب حاجة أغاثته تركيا فآوته ونصرته، وما توانت في رفع الظلم عنه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، مبارك لكم في رجبكم وهنيئاً لكم في عدالتكم، وأحمد الله على فضله وكرمه في نجاحكم فيما أردتموه، وفوز من رجحتموه واخترتموه.

إن الله تعالى أنعم على الأمة الإسلامية قاطبة، برجل مسلم أمين (ولا أزكي على الله أحداً)، نظرته عالمية حاذقة، يعمل في رفعة بلده، وعينه على جميع أبناء أمته.

رجل اخترق حبه قلوب الفقراء والمحتاجين في أفريقيا، وشرق آسيا، وقلوب بلاد الشام واليمن والعراق، بل وبلاد الخليج، مع أنّ أكثرهم لا يستطيعون البوح بذلك. رجل دعت له قلوب الملايين في الداخل السوري المضطهد، والداخل المصري والعراقي واليمني والفلسطيني وغيرهم، وأغلبهم لا يستطيعون الجهر بما يضمرون خوفاً من سوط جلادهم، وألهبّ حناجر أهل العلم في الدعاء له، وأسال عيون محبيه رجاء لله في نصره وفوزه.

رجل تعلقت به آمال الأمة الإسلامية (بعد ربها) الحالمة بعودة رشيدة للخلافة الحاضنة لجميع المسلمين وبلادهم، فقد سعى لبعث روح الخلافة العثمانية من جديد، ولكن بشكل مختلف عما كانت عليه.

رجل عمل أكثر الحكّام العملاء الأجراء الخونة على عرقلته، فعملتْ جاهدة في تفخيخ سبيله والغدر به، وتكالبت عليه شرار أهل الأرض شرقاً وغرباً في محاربته والنيل منه وإفشاله، فحماه ربه ونجّاه. رجل عملت الماسونيّة العالمية بما أتيت من قوة على خلق الأعداء والمعوقين المثبطين له من أبناء جلدته، في الداخل التركي فأخزاها الله. وحَيّر الساسة والدهاة، فأجبر كبار الدول بحنكته على متابعته مكرهين. رجل لا يخلُ كلامه من ذكر الله وشكره، وذكر أنبيائه ورسله، والاتعاظ بالصالحين والمصلحين، واقتفاء أثر أصحاب الخير، والاقتداء بالدعاة والفاتحين والأبطال الأوائل. رجل رسم الابتسامة على وجوه اليتامى، ومسح دموع الفقراء والثكالى، وداوى جراح المرضى والضعفاء، وحضن المشردين، وآواي المهجّرين، وأطعم الجياع، وكسا العراة. رجل ساهم في رفع شأن العلم والعلماء، فشجّع أصحاب الفكر والأدباء، وسمى بتركيا درجات العلى بين الأمم، بعد أن كانت دار وباء ترزح بالجهل والجرائم والتخلف والفساد، ودفع بلاده اقتصادياً فنافست الدول المتقدمة وسبقتها.

 رجل أعطى الثقة بالنفس لأبناء بلده، وجعلهم أحراراً لا يكبتهم ظالم، ولا يكمّ أفواههم مستبد، فلا يسكتون عن خطأ، ولا يتغافلون عن إساءة ودنيّة. رجل نسج حجاب المرأة المسلمة بيده، بعد أن مزقته أيد الكفر والضلال، وأحيي الروح في المساجد فأعزها، ووقّر القائمين عليها وأكرمهم. رجل كسر تلك الحدود الوهمية المصطنعة بين الدول المسلمة (سورية والعراق)، في سبيل حماية بلاده، وإغاثة الملهوف الذي استغاث به، فما التفت إلى اتفاقيات المستعمرين وقراراتهم. رجل تاقت نفوس الشعوب المظلومة، ليكون لهم حاكم عادل مثل الرئيس رجب طيب أردوغان سلمه الله.

وهذه الشهادة التي عبرتْ عنها كلماتي، نسجها قلبي قبل قلمي، وفكري وعقلي قبل عاطفتي ومشاعري، وأستغفر الله أن أتألى على الله، وسيكتبها ربي غداً في صحيفتي يوم القيامة، وهي شاهدتي على ما علمته ورأيته وسمعته من رجل أتعب من بعده.

أرجو الله عز وجل أن يثبّته ويقويه، ولا يزلّ قدمه، فالسيادة والشهرة مزلقة خطرة، أعانه الله وسدده، وهيئ له بطانة صالحة،

تعينه وترشده وتنصحه، إنه سميع مجيب والحمد

لله رب العالمين.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها