نواقض الحكم.. نموذج العدالة والتنمية بالمغرب

المقاطعة تدخل شهرها الثاني وتتحول إلى أداة سياسية قوية بيد المواطن، فأحسن استعمالها، ووجه سهامها إلى كل من أخذ منه عزته وكرامته وعلى رأسهم حكومته.

حين يتوضأ الساسة بماء الانتخابات، ويستقبلون قبلة البرلمانات، ويؤمون الشعوب تحت قبب الحكومات، آنذاك يؤذن الإعلام للصلاة، فتخشع من المصلين الأصوات، وتنصت خاضعة للقوانين، وتعلن الولاء للحكام والولاة.

لكن كما أن للحكم أركانا لا يستقيم بدونها، وشروطا لا يطلب إلا بها، له أيضا نواقض ومبطلات، غير أنها في مجال السياسة قد لا تجيز إعادة الصلاة.

وفي المغرب، كان للربيع العربي شكل آخر، فآثر المغاربة التغيير عبر صناديق الاقتراع، صوتوا على “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي أملا في غد أفضل، سيما أن شعار المرحلة كان “صوتك فرصة ضد الفساد والاستبداد”، وتزامن ذلك مع أول دستور للمغرب بعد الربيع العربي والذي عوض مؤسسة “الوزير الأول” بمؤسسة “رئيس الحكومة” بصلاحيات أوسع.

بدأت السنون تمضي تباعا، وأحوال المغاربة تزداد سوءا وضاقت بهم أرض المغرب بما حبت، حيث إن “الإسلاميين” رفعوا الدعم عن الفقراء بإلغاء “صندوق المقاصة” الذي أسسه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله لدعم الطبقة الفقيرة، كما رفعوا الدعم عن المحروقات ليحرقوا آمال الشعب في العيش الكريم، فاشتعلت الأسعار والتهبت الأسواق، وجمدت الرواتب، وتوقف التشغيل وجمدت المناصب، وتدهور التعليم بالخصخصة وبالتعاقد، وكذلك الصحة أسوأ حالا، أما العدل فيشكو فسادا واستبدادا ورشوة ومحسوبية أكثر من العهود الماضية، يحدث هذا في عهد ” الحكومة الإسلامية “.

مضت الولاية الأولى والشعب المغربي يرزح تحت ضغط الفساد، والاستبداد اللذين سقطا من شعار الحزب الإسلامي ليرويا الأرض التي أثمرت مسؤولين عاثوا فيها فسادا ونهبا لثروات البلاد والعباد، ومرت السنة الأولى من الولاية الثانية للحكومة الإسلامية والأوضاع تزداد سوءا، والمواطن يرى ثروة هائلة تتداول بين الساسة التجار أمام عينيه، وهو لا يملك منها ما يسد به رمقه ويذهب غيظ نفسه.

وحين خرج هذا المواطن البئيس محتجا، انهالت عليه الحكومة بعصي القمع، والسجن ومارست عليه كل أشكال “إرهاب الدولة”، فهداه ذكاؤه إلى خلق نوع جديد من الاحتجاج، فصوب سهام مقاطعة السلع إلى ثلاثة رؤوس للفساد والاستبداد، وهي شركة “أفريقيا للغاز” وشركة “سنطرال دانون”، وشركة “سيدي علي” للماء المعدني، وأعلنها حربا لا هوادة فيها، لكن الحكومة المفترض فيها أنها صديقة للشعب الذي أبلغها مركز القرار وصدارة المشهد السياسي، غطت في سبات عميق نقض وضوؤها الذي هو عهدها وميثاقها الذي عاهدت عليه الشعب غداة الربيع العربي.

ثم استفاقت الحكومة الإسلامية على خسائر تكبدتها الشركات الثلاث، فبدأت تهذي بكلمات السب والشتم للمواطنين من قبل “المداويخ” و”الخونة” فأجابها المواطنون بحضارة ووعي عن طريق استمرارهم في المقاطعة.

وها هي المقاطعة تدخل شهرها الثاني وتتحول إلى أداة سياسية قوية بيد المواطن، فأحسن استعمالها، ووجه سهامها إلى كل من أخذ منه عزته وكرامته وعلى رأسهم حكومته التي نقضت حكمها فبطلت صلاة “محاربة الفساد والاستبداد”.

إن نواقض حكم العدالة والتنمية بالمغرب تمثلت، إضافة إلى نقض وضوء العهد، في اصطفاف الحكومة إلى جانب الشركات ضد إرادة الشعب والمواطن، واستخدامها للغة التهديد والوعيد ضد شعب “المداويخ”، ولن تهدأ ثائرة المقاطعين حتى يطيحوا برؤوس الفساد ممن نقضوا العهد، ويؤسسوا لمغرب جديد طاهر طهارة المقاطعة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها