أبواب الجنة مفتوحة في رمضان ولكن أين إذن الدخول؟

شاءت إرادة الله ألا يكون نيل الجنة بالتمني، ولا الوصول إليها بالرجاء، إنما لابد من الجد والاجتهاد، والصدق والإخلاص.

جاء في الحديث: “ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة”. (رواه الترمذي).  ولأن الله تعالى هو خالق الإنسان، ويعلم تَشَوّفه الفطري للتقدير والثناء، وحاجته النفسية للمكافأة والأجر؛ وجدنا تكليفات الإسلام وأوامره ترتبط دائمًا بثواب الجنة أو بالأجر الذي يؤدي إليها.

ومن أعظم ما يدل على ذلك ما ذكر عن نفحات شهر رمضان المبارك، من ذلك ما جاء في الحديث: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار..”(رواه مسلم). يقول القاضي عياض: “فتح أبواب الجنة على الحقيقة وليس مجازاً”. وليس هذا التفسير بمستبعدٍ في شهرٍ تعددت فضائله ومكرماته، وتجاوزت ما ألفه الناس؛ ففيه جعل الله ليلةً واحدةً خيراً من ألف شهر، وأنزل فيها الملائكة ومعهم الروح الأمين جبريل عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم.

ولكن يجب أن ينتبه العابدون الحريصون على نيل فرصة فتح أبواب الجنة في هذا الشهر الكريم إلى أن الباب قد يكون مفتوحًا، ولكن لا يُؤذن بالدخول لفقدان التصريح، أو لعدم امتلاك حق العبور؛ ولهذا كان من واسع فضل الله وزيادة كرمه في شهر رمضان أنه لم يفتح فيه أبواب الجنة فقط، إنما زوّد عباده الصائمين فيه بتصاريح متعددة تعينهم على الدخول، وأمدهم بوسائل متنوعة تيسر لهم العبور، وتدلّهم على أيسر طرق الوصول.

 من أهم هذه التصاريح: أنه شرع في شهر رمضان من أنواع العبادات المفروضة والمسنونة ما يصل بالصائمين إلى امتلاك السبب الأعظم للفوز بالجنة وهو (التقوى). يقول تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” (آل عمران،133). فالآية تشير إلى أن الجنة بهذا الوصف المهيب، ستكون لمن تحلى بالتقوى، وأدى أفعالها، وحقق صفات أهلها؛ ومن هنا نفهم لماذا جعل الله تعالى هدف الصيام الأكبر هو تحقيق (التقوى) في قوله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”؟ (البقرة،183) أي لتكونوا من المتقين المستحقين للجنة.

وليس الصيام العبادة الوحيدة في شهر رمضان التي تُدرب على التقوى، وتُعد المتقين، وتؤهل للعبور إلى الجنة، بل هناك عدة قربات وطاعات يجب الانتباه إلى إتقان أدائها والتأكد من امتلاكها في هذا الشهر الكريم حتى يؤذن بدخول الجنة المفتحة أبوابها. منها ما يأتي:

  •  (سنة قيام الليل في رمضان) وهي من أهم عبادات المتقين التي يصفهم الله بها عند دخولهم الجنة. يقول تعالى: “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”(الذاريات،15-19). ويلاحظ أن الآيات تشير إلى التهجد وقيام الليل، ولا تَقْصر الآيات أمرهما على الصلاة فقط، إنما تحث فيهما على كل أنواع عبادات الليل من الاستغفار والدعاء… وغيرهما. ولا يخفى على العابدين كيف تكون ليالي رمضان، وبخاصة العشر الأواخر منه حيث يقلّ في لياليها النائمون، ويكثر المتهجدون والمستغفرون بالأسحار.
  •  (الإنفاق في سبيل الله) نجد في الآيات السابقة نفسها وصف المتقين -أيضاً- بالإنفاق وإعطاء السائلين ومراعاة المحرومين، والمعروف أن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، حيث لا يكتفي فيه الصائمون بإخراج زكاة أموالهم المفروضة، إنما يقوم كل المسلمين بإخراج زكاة الفطر، حتى الفقراء والمحتاجين يدفعون زكاة فطرهم من الصدقات التي تُعطي لهم، وفي ذلك إشارة إلى أهمية تعود الأمة بكل شرائحها -الفقراء والأغنياء- على خلال العطاء والإنفاق المؤهل للتقوى التي من خلالها يجد العبد طريقه إلى أبواب الجنة المفتحة.
  •  (الحلم والعفو، والتسامح وكظم الغيظ)، كلها من أجل الصفات التي يتحلى بها الصائمون خلال صومهم، بغية الرقي بالنفس، وإلزامها مستوى الإحسان في جميع شؤون الحياة، وهي أيضًا من أهم صفات المتقين في آية سورة آل عمران السابقة عند قوله تعالى: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” فالجنة أعدت وفتحت أبوابها لهؤلاء الذين تحلوا بهذه الصفات الراقية، وجاهدوا لامتلاك هذا التصريح السامي.
  • (مغفرة الله) وهذه من أعظم تصاريح دخول الجنة التي يحصل عليها الصائمون في شهر رمضان؛ فالكريم الجليل إذا غفر لا يعذب، بل يبدل السيئات حسنات، ويرفع بمغفرته العبد مزيدًا من الدرجات.

    ومن دون المغفرة لا يمكن أن يلج الإنسان الجنة وإن كانت أبوابها مفتحة، ولذا يأتي ذكر المغفرة في القرآن -كثيراً- قبل ذكر الجنة، مثل قوله تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ…” ويأتي شهر رمضان في كل عام بهذه الفرص المتنوعة لنيل المغفرة من الذنوب السابقة. من ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم:” من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”:”(رواه مسلم).

    وقوله صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقد من ذنبه”:”(رواه مسلم). وقوله صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”(رواه مسلم). فهذه بشارات نبوية مؤكدات أن من قام بواحدة من هذه الأعمال بأوصافها وشروطها المذكورة فقد حصل على المغفرة التي هي أسرع طريق إلى الجنة، ونلحظ تعدد الأعمال وتنوعها حتى تشمل هذه المغفرة كل أصناف العابدين: السابقين في فعل الخيرات دون تقصير أو تفويت، والمقتصدين الذين قد تفوتهم بعض القربات، وكذلك الظالم لنفسه لعله يفيق حتى وإن كان في قيام ليلة القدر من شهر رمضان، فمن فاته واحدة أدرك الأخرى، ولا خير فيمن فقد الفرص الثلاث كلها. جاء في الحديث: “رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له”. (رواه ابن حبان). ومن هنا لزم العابدين الصادقين أن يهبوا مثنى وفرادى عندما يعلمون أن الجنة مفتحة أبوابها، مرددين قول الصحابة عندما وصف النبي لهم الجنة ونعيمها: (نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ (قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللهُ). (رواه ابن ماجة).

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها