عيد “التهجير بالتنسيق”

يجري الآن على أرض سيناء ما لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين مصريا، ولا أكثر المتفائلين عبريا (التهجير بالتنسيق).

بفكرة التاجر اليهودي الذي يجمع البضاعة من السوق حتى يندر وجودها ثم يرفع أسعارها وينزل منها كميات كبيرة لكنها تحافظ على حالة الطلب وارتفاع السعر ما يسمى تجاريا ( تعطيش السوق )، بنفس الفكرة الخبيثة جعل النظام المصري الخروج من مدينة العريش أو الدخول إليها أمرا في غاية الصعوبة، حتى ترددت صرخات المحجوزين في الجانبين لا يستطيعون الدخول أو المغادرة، وخرجت المرأة المصرية عن شعورها وقد اصطفت الباصات محملة بالركاب وغير مسموح لها بالمرور لأنه لم يحدث تنسيق وهي تصرخ وتطلب من الدولة أن تعامل المنتظرين إلى جوار الباصات معاملة البهائم، لكن لا مجيب لأنه لم يحدث (تنسيق أمني)!

“تنسيق أمني”، عبارة سيئة السمعة مرتبطة بحصار غزة الجائر فلكي يمر الغزاوي منها أو إليها فإنه يحتاج إلى عمل ما يسمى بالتنسيق الأمني فإذا جاءت الموافقة فعليه أن ينتظر فتح المعبر، لكن أغلب من يتم إرجاعهم على المعبر يكون بحجة عدم وجود تنسيق أمني، وبحكم الارتباط العميق بين أهل غزة وأهل سيناء درجت هذه الكلمة على الألسنة عند كل حالة منع وما أكثر هذه الحالات.

فلما حدث الحصار على مدينة العريش وشرقها وأصبح الدخول والخروج منها صعبا وبدأت المحافظة تسمح للبعض بالمرور من العريش وإليها سٌميَ هذا الإجراء بالتنسيق الأمني، واستمر منع دخول الناس إلى المنطقة أو الخروج لمدة قريبة من الشهرين مع منع دخول الاحتياجات اليومية للمنطقة وبشكل فج حتى خرجت صور الطوابير البشرية تعبر عن حالة العوز الشديد التي يعاني منها المجتمع في الاحتياجات الأساسية اليومية من خضار وفاكهة ولحوم ودواء وخلافه، وإن كان التعتيم الإعلامي على المعاناة القاسية والمميتة في ربوع المنطقة شديدا، إذ لم تصل إليهم كاميرا ولم ينقل صوت صرخاتهم ميكروفون.

وبعد أن تشبعت المنطقة من الحرمان الذي يبدأ من القلق من عدم توافر الطعام والشراب حتى هاجس استمرار الحصار وسلب حق التنقل وحرية الحركة، فجأة ابتدعت الإدارة المصرية فكرة التنسيق الأمني لمن يريد أن يغادر.

كان ذلك في بدايته كأنه استجابة لحالات العالقين والطلاب والمرضى ولكن الأمر اتسع لتصبح حالات التنسيق الأمني اليومية قريبة من الألف، وهو ما ينفي عنها تماما جدوى المراجعة الأمنية، لكنها صارت طريقا للهجرة والهروب من قسوة الحياة في المنطقة.

وأخطر ما في هذه الهجرة أنها طواعية ومدفوعة الثمن من أصحابها ولا تصاحبها صرخات واستغاثات، وعلى أفضل الاحوال ينتظر الناس تحسن الأحوال الذي لا تلوح بشائره أو انتهاء الإجراءات الأمنية، لكي يتمكنوا من العودة أو الدخول في دوامة التنسيق الأمني من جديد في طريق العودة والذي غالبا ما يتأخر ويتأخر كثيرا.

مهم جدا أن ننتبه لهذه الحيلة الخبيثة، وأن ندرك حجم المؤامرة التي تحاك وبمكر حول مدينة العريش لتلحق بأختيها الشيخ زويد ورفح، عيد جديد يأتي على سيناء ولم تقف بعد مسيرة الهجرة العكسية وتفريغ سيناء من أهلها، ولكن هذه المرة باسم “التهجير بالتنسيق”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها