ماذا تَعرِفُ عن الثورة الصناعية؟

شهِدت أوربا على مرِّ تاريخها عددا كبيراً من الثورات التي خلَّفت آثاراً لا يزالُ صداها يتردَّدُ في آذان الأوربيين، من أبرز هذه الثورات هي الثورة الصناعية؛ التي غيَّرت مجرى حياة الإنسان.

الثورة الصناعية هو مصطلحٌ يطلقُ على استبدال العمل اليدوي بالماكِينات والآلات، كما يعني أيضاً الفترة التي شَهِدتها بلدان أوربا الغربية، والتي حدثت فيها نهضة نوعيّة شمِلت هذه النَّهضة مختلف فروع ومجالات الحياة.

امتدت فترة الثورة الصناعية بين عام 1760 إلى حدود سنة 1840، واندلعت شعلة الثورة الصناعية بشكلٍ فعلي في أوربا بعد اختراع الآلة البُخارية في إنجلترا خلال القرن الثامن عشر.

اشتغلَ معظم النَّاس في الحقول والمزارع التي لم يكونوا يمتلكونها، حدث هذا بالضبط في سنة 1700. أصحاب الأراضي يُدعون الأستقراط، عاشوا حياةً هنيئة وسعيدة في منازل راقية، فتكلَّف الخدم والعمال بتربية أولادهم والقيام بالأعمال المنزلية الشاقَّة.

كان هذا النظام غير العادل بالمَرَّة وسائداً منذ قرون، تميَّزت به المدن في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية باختراعات استثنائية ومتميّزة، فغيَّرت هذه الابتكارات حياة الناس وعملهم في السنوات القادمة.

وجد المُخترعون طرقا جديدة لاستغلال مصادر الطاقة الطبيعية، وأنشأوا أنواعاً جديدة من الآلات باستخدام طاقة المياه والبُخار، مما أدى إلى احتلال الآلات مركز اليد العاملة والأشغال اليدويّة، فأصبحت الآلات تقومُ بنفس العمل بطريقةٍ أسرع وأرخص.

لقد بدأت المكننةُ فعلياً في معامل النَّسيج بإنجلترا، حيث صارت الآلة تقومُ بعملِ خمسين شخصاً في ظرفٍ وجيز، وأصبحَ الوقودُ والطعام والملابس متوفرين بكثرة.

ومع تطور قاطِرات السكك الحديدية، أصبح من الممكن بيع البضائع الصناعية في جميع أنحاء العالم، وهاجرت العائلات من قُرى أجدادهم صوب المدن الصناعية الجديدة، إضافةً إلى ذلك ظهرت طبقة جديدة في المجتمع الإنجليزي وهي الطبقة العاملة التي أنتجت البَضائع.

شَغَّلَ الصنَّاع أصحاب المعامل المئات، بل أحياناً الآلاف من النَّاس، وحققوا أرباحاً مهمّة في مراكزهم الصناعية، لكن بينما حقَّقت الثورة الصناعية الغِنى للبعض؛ وهناءة لآخرين، خلَّفَ هذا ثمناً باهِظاً.

ولعل أبرز هذه المخلفات الكارثية نجد: التلوث الجوي من مداخِن المصانع الذي حَوَّلَ المُدن إلى سَواد، ثم عدم توفر السكن اللائق وبذلك تمَّ إنشاء أحياء فقيرة مُهمّشة تنعدِمُ فيها الإنسانيّة، كما أنَّ الطلب لمزيد من السلع والربح أكثر، أنتجَ ظاهرة استغلال العمَّال بما في ذلك الأطفال.

عرفت معاملُ إنجلترا في تلك الفترة أسوأ الظروف، ففي سنة 1830 كانت فتاة قاصرة لا يتعدى عمرها عشر سنوات تعملُ في مصانع البريد. وخلال سنوات 1800 وأوائل سنوات 1900، كان قد أثَارَ غضب المجتمع الإنجليزي تشغيل الأطفال الذين بلغَ أصغرهم سنَّاً خمسُ سنوات. مما دفع العمال والإصلاحيون إلى تشكيلِ نقابات وجمعيات التي طالبت الحكومة بتغيير القوانين وذلك بالحدِّ من ساعاتِ العمل وحماية الأطفال، هذه القوانين ساهمت في تهذيبِ الفئة الطاغية الذين جلبتهم الثورة الصناعية.

حالياً، عرف العالم تطوراً عجيبا في شتى المجالات، وصرنا نعيشُ في وسطِ ثورةٍ مغايرة، وهي الثورة التكنولوجية، فنحنُ نعيشُ الآن فيما يُطلقُ عليه بالقرية الصغيرة، حيث بإمكاننا التواصل مع الأفراد أينما كانوا في أرجاء العالم، كما لو كانوا بجانبنا، ويمكننا أيضاً العمل في أي مكان ونعمل فيما نُريد، أي نتمتعُ بهامشٍ من الحرية. ما علينا سوى الانتظار إلى أيِّ اتجاهٍ ستقودنا إليه الثورة الحالية.

إن عصر الأنوار كان مرحلة مهمة في تاريخ أوربا، إذ كانت أفكار فلاسفة الأنوار (جون جاك روسو، فولتير، ديدرو، مونتسكيو…)، هي الممهدة لاندلاع الثورات الأوربية. إن لعصر الأنوار فضلٌ كبير على أوربا، فلولاهُ لما كانت أوربا على ما عليه الآن من ازدهارٍ على جميع المستويات: ثقافيا، فكريا، صناعيا، واقتصاديا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها