الغوطة والعار الذي نرتكبه بحقها

هؤلاء ليسوا مجرد أرقام بل أرواح جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، مدنيين عزل لا يملكون أدنى مقومات الحياة، يواجهون قصف الطائرات بدعائهم ودموعهم.

” اتركوه يودع ابنه اتركوه اتركوه” مشهد من مشاهد الغوطة الشرقية، لم يكن المشهد الأول ولا الأخير، يصرخ المصور “اتركوه يودع ابنه”؛ ليحمل الأب ابنه الشهيد ويحتضنه بدموع وحرقة قلب يمشي في مكانه ويشم رائحة ابنه مودعاً إياه الوداع الأخير، كان المصور يبكي ويقول: “الله يصبرك يا رب”، ويكررها مع غصة ودموع.

كان يوثق ما يجري، ليس وداع الأب لابنه فقط، بل كانت أمامه سيارة مليئة بالشهداء مرتبة في صف واحد بجانب بعضهم بعضا بلا أكفان، أجسادهم مغطاة بأغطية، ويقول المصور هذه هي الدفعة الثانية من الشهداء في بلدة بيت سوى في الغوطة الشرقية.

الغوطة الشرقية الجريحة تعيش أوضاعاً تحتاج لكلمات جديدة لوصفها من صعوبة وقسوة ما تمر به، لا يوجد أي وقت للحياة فيها. الموت يجول في شوارعها فقط وقت القصف والقتل وهذا ليس شيئا جديدا تعيشه الغوطة منذ أيام أو أسابيع بل منذ ما يقارب  5 سنوات بحصار مطبق تعيشه مع الألم والمعاناة ، والرعب و الموت فوق كل ذلك يواجهه 400 ألف مدني محاصر.

هؤلاء ليسوا مجرد أرقام  بل أرواح جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، مدنيين عزل لا يملكون أدنى مقومات الحياة يواجهون قصف الطائرات بدعائهم ودموعهم، وباستنجادهم بربهم يعيشون بصبر وليس أي صبر، صبر على ما يجري أم صبر على الضمائر النائمة أم على خذلان العالم لهم، صبر خمس سنوات لو كانوا حديدا لذاب تحت ما يهوي عليهم من السماء من كل أنواع الصواريخ والقذائف عندما يتهم الإنسان بأنه إرهابي، ويُقتل الطفل والمرأة والكهل، وكل مدني بتهمة الإرهاب دون أي رادع لهذا  الفعل الشنيع بحق الإنسانية والدين.

تأكد أن الجميع تعرى من إنسانيته وشارك في الجريمة، يقتل من لا يملك كسرة خبز يقيت بها نفسه وعائلته بتهمة الإرهاب، يا الله ما هذا الصمت الذي يعيشه العالم  فكم يستهان بنا وبأرضنا، كم هي دماؤنا رخيصة لدرجة أن تسفك بسهولة والجميع يشاهد بضمير نائم وقلب لا يبالي تاركين هذه المناظر خلف ظهورهم لا يحملون في قلوبهم هما أو غما يعيشون حياتهم بمتعتها، ونحن نفتقد حياتنا التي سلبت وتبدلت بالموت والألم.

امتلأت الصحف والمحطات بالصور والمشاهد القاسية التي لا يتخيلها عقل ولا يتحملها قلب إنسان، امتلأت بصور الأطفال الذين غادروا الحياة وهم لم يعلموا عن الحياة سوى صوت الطائرات في السماء، وأن وراء هذا الصوت هناك كارثة قادمة، كل ما في الغوطة الآن من بشر لا يبحث عن طعام أو ماء بقدر ما يبحث عن أمان وضمان حياته.

لم يبق بيت عامر، ولا منطقة خالية من الدمار ولا بقعة من الأرض خالية من الدماء، لم يبق طعام ولا ماء وإن وجد لانغمس بالدماء، يعانون من الجوع والبرد والعطش، وباتت باطن الأرض جنة للأحياء والأموات، ومفرا من هدير الطائرات وصواريخها.

لو كانت مباراة كرة قدم لتحدث الجميع عنها في شبكات التواصل وحلل وشارك، وانتقد وامتلأت القنوات بالمحللين الرياضيين لتحليل ما يجري في المباراة، لكن ماذا لو كانت إبادة جماعية ضحيتها شعب مظلوم وسلمي، ماذا لو كانت جريمة ضد الإنسانية بحق شعب أعزل، لم يعد يعرف الحياة فوق الأرض بل أصبحت بالأنفاق والملاجئ، ماذا لو كانت تُشَرْعن جريمة القاتل وتبرؤ القاتل من فعلته، يقتل المظلوم بتهمة الإرهابي، لو كان أطفال الغوطة في برنامج “ذا فويس” للغناء؛ لهلل لهم العالم، لكن تحت جحيم الطائرات لا يوجد حتى من يتعاطف معهم ويستمع إلى صرخاتهم كما يستمع الى الغناء في “ذا فويس”.

الغوطة تباد، الغوطة تحرق، الغوطة تعيش حرقة كبيرة، الغوطة أصبحت أرضا لابتلاع البشر أحياء وأمواتا،  كل هذا يمر أمام أعين الجميع من مشاهد وكلمات وصور، وقد يكون تخطيه بسهولة عند الغالبية بمزاعم أنهم لا يتابعون السياسة، لكن الإنسانية لا يوجد لها وقت محدد لإيقاظها في قلوبنا وأنفسنا.

سيكون مشاركا بهذه الجريمة كل من برأ نفسه بحجة أنه لا يملك من الأمر شيئا ، فعلى كل إنسان له ضمير وقلب وغيرة على دم كل مسلم يسفك ظلما أن ينطق ولو بكلمة لنصرته، كلمة  تكتب وتقال بضمير حي، تضامنا قد لا يغير الواقع المأساوي بقدر أن تكون في سبيل أن يصحو كل ضمير نائم.

انتهى  الكلام، ومات الوصف كما فعلت منظمة اليونسيف عندما أخرجت بيانا فارغا من الكلمات احتجاجا وإشارة الى ما يحدث في الغوطة الشرقية، لقد كان تعبيرا جيدا عن فظاعة ما يجري، ولكن هذا لا يبرر صمتهم  ويكتفي الجميع ببيانات فارغة دون كلام.

المنظمات من أمم متحدة ويونسيف يجب أن تكون عينا ومصدرا لكل حدث يحصل في الغوطة، وألا تبقى صامتة لأن البيانات الفارغة ليست تبريرا مقنعا، وكذلك المنظمات الإنسانية عليها ألا تنسى واجبها من هذه القضية، وإلا فإن لقب الإنسانية سيكون غير مناسب بجانب مسمياتهم.

المحرقة الحاصلة في الغوطة الشرقية مستمرة أمام عجز دولي، ولكن لا تقع على عاتق الشعب السوري فقط بل على عاتق الجميع في هذا العالم، وبالأخص على عاتق كل مسلم، وعلى الجميع أن يلبي مناشدات الاطفال والمدنيين و ألا نكون كالأحجار الصماء، ولنركز على هذا الوصف وألا نكون كذلك، الغوطة الشرقية تحتاج لعزيمة حقيقية تنصرها وليتخلص الجميع من عار الصمت الذي فيه ويتحرك، أهل الغوطة الشرقية يُبادون أنقذوهم أرجوكم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها