تشاد بلاد الطيبين

كيف يكون انطباعك عندما يكون حديثك مع أي مسؤول في دولة مثل تشاد، هو الكلام عن ثوابت الأمة، الإسلام واللغة العربية والقضية الفلسطينية والتنمية، والتكامل بين السلطة والمجتمع المدني؟

بلد المليون حافظ للقرآن الكريم دخلها الإسلام في القرن السابع الميلادي عن طريق الصحابي الجليل عقبة بن نافع منطلقا من الجزائر، وعانت من الاستعمار الفرنسي حتى نالت استقلالها عام 1960م.

ما أسعد أن ترى من يدافع على هوية الأمة وثوابتها في وقت تعاني فيه الهوية من خذلان أهلها، وحرب من أعدائها.

وكيف يكون انطباعك عندما يكون مفتاحك الأول للحديث مع أي مسؤول في دولة مثل تشاد، هو الكلام عن ثوابت الأمة، الإسلام واللغة العربية والقضية الفلسطينية والتنمية، والتكامل بين السلطة والمجتمع المدني فيعود لك الأمل في مستقبل الأمة، وتوقن أن مستقبل هذا البلد واعد. وكان هذا حال دولة تشاد العربية المسلمة، وسلطتها التي تلاحمت مع الشعب من أجل أمن واستقرار البلد والحفاظ عن الهوية، ومواجهة تحدي التنمية رغم أنها بلد مهدد في أهم عنصري الحياة: الأمن، والجوع.

وهي خامس دولة أفريقية من حيث المساحة بأكثر من مليون متر مربع، و11مليون نسمة وليس له أي منفذ بحري.

أما اللغة العربية فإن تشاد هو البلد الأفريقي الوحيد الذي يعتبرها لغة رسمية بجانب اللغة الفرنسية، وتتم المراسلات الرسمية لزوما باللغتين الفرنسية والعربية، ولديهم ما يسمى بالمؤسسات الداعمة للغة العربية وهي جمعية معتمدة. وكم سررنا عندما كانت أول هدية نتلقاها من وزير الثروة الحيوانية الدكتور محمد نظيف وهي كتاب عن تاريخ الأدب والشعر العربي في دولة تشاد.

وأما الإسلام الذي يشكل معتنقوه قرابة الـ 70 % فهو التحدي الذي تحمل السلطات الرسمية مسؤولية انتشاره وأنشأت ما يسمى بـ “المجلس الاسلامي الأعلى للشؤون الإسلامية” الذي يعمل على نشر الإسلام بمقابل المسيحية التي يرعاها الغرب، في تشاد والدول المجاورة، وتعطي بالمقابل دولة تشاد نموذجا للتسامح الديني والتعايش مع المسيحين، بمقابل ما يعانيه المسلمون في الدولة الجارة “أفريقيا الوسطى”، وهناك جامعة الملك فيصل، وهي أكبر جامعة في البلد، وتعمل على تدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية، وكم سررنا بموافقة الجامعة على إدراج موضوع المعارف المقدسية في مذكرة التفاهم التي عقدناها معهم.

أما قضية فلسطين فهي الثابت عندهم، منذ قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني عام 1973، ويبادرك كل مسؤول تلتقي به بالحديث عن القضية وتعلق التشاديين بفلسطين، وكانت استجابتهم سريعة عندما طلبنا منهم تمثيل لجنة فلسطين في البرلمان التشادي، وكلفوا لنا نائب رئيس البرلمان والأمين العام المساعد للحزب الحاكم ممثلا للقضية الفلسطينية، كما وقف الشباب التشادي وقفة واحدة وشكلوا تحالفا يضم أكثر من 28 جمعية سموه “تحالف شباب جمعيات المجتمع المدني من أجل التصدي لقرار ترمب”.

أما التنمية فهو التحدي الكبير الذي يواجه الدولة، جعل من هذا البلد أكبر مصدر للحوم في دول غرب أفريقيا ويملكون 94 مليون رأس حيوان، وجعل هذا البلد يفتح ذراعيه لكل الدول والمؤسسات بتسهيلات من أجل الاستثمار. وقد بذلوا جهدا مضنيا من أجل استردا الأمن والاستقرار رغم ما يعانيه محيطه الدولي من انتشار للإرهاب يهدد استقراره.

أما التحام السلطة بالمجتمع المدني فظاهر للعيان من خلال كثرة الجمعيات وتنوعها، والعمل النسوي نموذجا، ويحظى برعاية مميزة من الدولة، وقد بنت لهم مجمعا نسائيا كبيرا خاصا بالعمل النسائي التشادي، يضم الجمعيات النسوية، وترأس السيدة الأولى في البلاد زوجة الرئيس “جمعية القلب الكبير”، وهي الرئيسة الشرفية للاتحاد النسائي العالمي، وما يلفت الانتباه أن التشاديين يحتفلون بما يسمونه باليوم العالمي للحجاب.

كل هذه المعاني لخصتها لنا السيدة الأولى عند زيارتنا لها في القصر الرئاسي في أربع كلمات: الأولى عندما احتجنا إلى مترجم للغة الفرنسية من أجل مستشارة الرئيس المسيحية التي كانت حاضرة معنا، حين خاطبتا السيدة الأولى بدعابة بقولها:” لابد أن تكوني مزدوجة اللغة” إشارة الى ضرورة تعلم العربية أيضا.

والثانية: عندما تطرقت إلى موضوع زيارة أردوغان إلى تشاد، وذكرت محل إعجابها بالرئيس في نقطتين: الأولى: أنه يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، والثانية: أنه زعيم وصاحب قرار، وقد لمحنا من خلالهم حرصهم الشديد على استقلالية قرارهم وهي النقطة الثالثة، والرابعة: هي الانفتاح على التعاون والتواضع الشديد من أجل مصلحة بلدهم عندما عرضنا عليهم التعاون مع مجلس التعاون الأفروأسيوي الذي نمثله فكان جوابها واضحا ومرحبا وقالت: لو يعطينا أحد حتى قطعة خبز فإننا نقبلها ونعطيها لمن يستحق من أبناء شعبنا.

وكم كانوا ينظرون إلى الجزائر بإكبار واحترام شديدين، لكنه ممزوج بألم وأسف لتراجع دورها في القرار بمقابل تزايد اهتمام دول شقيقة وصديقة وأخرى عدوة بهذه القارة الواعدة. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها