أرطغرل والشباب العربي

أبطال المسلسل التركي أرطغرل

إن روح اليقين والتوكل على الله التي كانت شعار المحاربين في المسلسل من القيم التي نحتاجها في ظل تلقينا للضربات الموجعة هذه الأيام؛ فالبطل نجا بيقينه وتوكله على الله وأخذه بالأسباب.

مسلسل تركي جذب أنظار الملايين من العالم العربي ونال استحسانهم، جعل الناس تترك همومها خلفها وتشاهده بعزة وفخر، عالج فيهم قصور جيلهم، وضمد فيهم جراح أمتهم، إنه مسلسل “قيامة أرطغرل”.   لا تتعجب وأنت تتصفح العالم الأزرق وتجد انتشار صور مسلسل أرطغرل وحلقاته وصور ممثليه؛ فالشباب يتنافسون في تحليل إعلانات الحلقات وتوقع الأحداث قبل عرضها، بل ويفتخرون بوضع صور أبطال المسلسل على صفحاتهم، وهذا يؤكد أن المسلسل مس قلوبًا قد هدتها الهزيمة وأنهكتها الجراح وآلمها الإخفاق، وأن شباب الجيل يبحثون في الأعمال الدرامية عن قدوة منتصرة يلتفون حولها طالما أن الحياة الواقعية الحالية-في ظنهم- عقرت على إنجاب هذا القدوة.

إن وقوف حزب العدالة والتنمية خلف هذا العمل الرائع، وزيارة أردوغان للممثلين أبان تصوير العمل لهو أكبر دليل على أن هذا العمل يرتجى منه خير كبير؛ فلن يجد أردوغان وحزبه أفضل من هذا العمل ليربط شعبه بهوية كادت العلمانية أن تطمسها؛ فمسلسل كهذا يغني عن ألف محاضرة عن الهوية وآلاف الندوات عن الانتماء، ولعل تعامل أرطغرل مع الخونة يروق لأردوغان الذي يعاني منهم مثلما عانى من أشباههم جده أرطغرل؛ وبهذا جند أردوغان أرطغرل بطريقة إبداعية، وأراد بالمسلسل أن يذكرهم بتاريخهم العريق الذي يتشرف به كل من يعرفه:

ملكنا هذه الدنيا قرونا              وأخضعها جدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضياء     فما نسي الزمان ومانسينا

يحكي المسلسل قصة البطل أرطغرل (1191- 1281م) ابن سليمان شاه (1178- 1236) ووالد عثمان مؤسس الدولة العثمانية (1258 – 1324م)، وكيف أن أرطغرل انتصر على الصليبيين في الجزء الأول ثم يوضح كيف اكتشف ألاعيب الخونة وانتصر على المغول في الجزء الثاني، وفي الجزء الثالث يغادر القبيلة التي لا تُرضى غرور طموحه ب 400 مقاتل ليكونوا نواة لدولة تحكم العالم ما يزهو عن ستة قرون، وفي الجزء الربع يتوج أرطغرل نجاحه بفتح قلعة الصليبين كاراجيسار وتوسيع رقعة ملكه.

إن الشباب العربي وجد ضالته في المسلسل؛ فزمان العزة نسمع عنه ولا نراه، وكثيرًا ما نقرأ في تاريخ الأبطال العظماء بعض الوريقات رغم أن شخصياتهم تحتاج كتبًا وروايات، لقد نجح المسلسل في إظهار شخصية المحارب القوي الذكي الطموح الذي تشتاق الأمة لأمثاله في هذه الآونة -التي لا تتشرف الأمة بها -.

لقد أضاف المسلسل لقواميسنا أسماء أبطال لم يسمع عنهم كثيرون أمثال أرطغرل وسليمان شاة، وأظهر المسلسل كيف للإنسان أن يتجاوز كل أحزانه وينتصر على محنه؛ ليخرج منها المنحة، مثلما فعل أرطغرل في كثير من مواقف المسلسل رغم تأكد الجميع من أن الدراما أضافت لشخصية أرطغرل ما لم يجرؤ التاريخ على كتابته؛ فلقد بالغ الكاتب في كثير من المواقف التي قربت شخصية البطل للأساطير الخارقة، ولكن هذا لم يضرب العمل في جودته ولم يعق المسلسل من انتشاره.

إن روح اليقين والتوكل على الله التي كانت شعار المحاربين في المسلسل من القيم التي نحتاجها في ظل تلقينا للضربات الموجعة هذه الأيام؛ فلقد نجا البطل بيقينه وتوكله على الله وأخذه بالأسباب من كثير من المنعطفات والمأزق، وهذا ما نحتاجه في هذا الزمان الذي نشبت فيه العولمة أظفارها في صدر الأمة وقلوب شبابها.

إن ذكر الله زين ألسنة الممثلين في كثير من المشاهد غير المفتعلة؛ فسبحان الله، واستغفر الله، وبأمر الله سمعناها في جميع حلقات المسلسل؛ لهذا وجب علينا أن نعلم أن للمحاربين والأبطال حال مع الله يختلف عن أحوال غيرهم.

أرجو أن يكون المسلسل بداية جيدة لسبر أغوار التاريخ الإسلامي والتعرف على أبطاله، ونستفيد من الإعلام بدلا من أن يأخذنا إلى جحر الضب الغربي؛ فندخله نحن في قلاع تاريخنا الإسلامي.

لقد تفاعلت مع المسلسل لقناعتي أنه يحاول زرع وردة أمل في صحراء اليأس، يحاول مسح دمعة الأمة المكلومة بإعادتها إلى تاريخها الناصع وإلى بطولاتها العظيمة وإلى أبطالها العظماء؛ لنتذكر كيف كنا وكيف سدنا:

سلوا كل الدنا عنا    وعما كان أو كنا

إن الآباء وجب عليهم مدارسة تاريخ أمتنا مع أبنائهم؛ فقد يحقق الولد مالم يحققه الوالد؛ وهذا ما فعله أرطغرل تربية سليمان شاه وما فعله عثمان (أبو الملوك) تربية أرطغرل، وما فعله بعد ذلك الفاتح الذي فتح القسطنطينية حلم والده مراد الثاني؛ ولذا أنصح الآباء بجعل المسلسل باكورة تربية الأبناء الجهادية القوية؛ فالمسلسل أوضح أن العالم يحترم القوي ولا يعطف على الضعيف مثلما يقولون في المسلسل ” لا تنظر لدموع عينيه”.

علموا أبناءكم أن هذه الحقبة التي نمر بها أمتنا ستنتهي ؛ فمن ينهض لإنهائها؟، ذكروهم أن بيننا ألف ألف أرطغرل، وستحين الفرصة لرؤية إنجازاتهم ، فكثيرون يمرون في سجون السيسي أو بشار بما مر به أرطغرل في سجون نويان، وسيخرجون مرفوعي الرأس نافعين أمتهم وأوطانهم، فلو كان أرطغرل بيننا لكانت مجموع أحكامه قرن من المؤبدات وسيل من الإعداماتّ!!، ومع ذلك فإن حكمة الله باقية ونصره قادم ووعده لعبادة المؤمنين دائم ” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ…”

لقد نجح المسلسل في جذب شريحة من المشاهدين ؛فالمهتمون بالدراما يعرفون مدى جودته، والملتزمون لم يمنعوا أبناءهم من مشاهدته ؛ لأنه لا يحوي المشاهد الحقيرة التي يتكسب بها إعلامنا – رغم ما نسمعه عن الدراما التركية – بالإضافة إلى أن الإتقان هو شعار المسلسل بداية من السيناريو القوي بحبكاته المتعددة المعقدة مرورًا بجودة التصوير وبإجادة الممثلين الذين تشعر أنهم الأشخاص الحقيقيون للأحداث ؛ فكأن الأم هايماه هي أم أرطغرل الحقيقة وكأن سليمان شاة يجسد نفسه، وكأنك ترى حقيقة الطموح الذي في عين أرطغرل في أرطغرل الحقيقي .

بقى أن نعد للأمة أبطالا يحتذون حذو الأبطال، يضيئون للأمة طريقها، ينقذون الغرقى من غرقهم، يحملون مصابيح العزة، ويجاهدون لنصرة الأمة، وكفانا بكاء على أطلال أمتنا؛ فلقد أغرقت العيون الدامعة ما عندنا من عزة باقية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها