أثر غياب الثقة على المجتمع

لو افترضنا أنك كنت في يوم من الأيام راجعاً إلى منزلك في يوم عاصف، ماطر، على طريق طويل منعزل وبعيد عن المدينة. في تلك اللحظة وأنت ماشٍ تبحث عن سائق أجرة ليقف لك ملبياً طلبك بتوجهك للمنزل، وقفت لك سيارة فيها ثلاثة ركاب لا تعلم هوية سائقها ولا حتى أية نبذة عن ركابها، فكلهم مجهولو الهوية، هل سترضى بأن تكون الراكب الرابع راجياً من السائق مجهول الهوية أن يأخذك إلى المكان الذي تنتمي إلى المدينة التي تقطن بها، إلى البيت الذي تحيا به؟
 سؤال سيثير الرعب في نفوس من يتلقونه لأول وهلة، حتماً سنتردد في الإجابة حينها، ستبدأ غريزة الخوف تحذرنا من عديمي الأخلاق والضمير في بلادنا، لنتخذ بعدها قرارا جازما، ألا وهو “لا”!
إن محور الإجابة “لا” هي نتيجة تكمن في مدى ثقتنا ببعضنا البعض، في مدى حبنا لبعضنا البعض، وفي مدى قدرتنا على الشعور ببعضنا البعض. قد تثق في ذلك الموقف الذي طرحناه في سائق الأجرة لأنها وظيفته، فأنت معتاد على رؤيته وهو يقوم بها، ولكنك لن تثق بالأخرين، لأنك غير معتاد على رؤيتهم يساندون بعضهم البعض، ولا وهم يقفون بجانب بعضهم البعض، وهنا يقع سر معاناة سقوط مجتمعاتنا المتمثل في زوال الثقة بين بعضنا البعض.
 إن وجود الثقة بين أبناء المجتمع أهم شيء يجب أن نجده في المجتمع إن أردنا أن نحيا حياة قيمة. عندما نبني الثقة على الصعيد المجتمعي سنبدأ في ملاحظة الأمور وهي تتغير. عندما تثق في الشخص الذي تتعامل معه، ستجتاز العديد من المراحل التي اعتدت على المرور بها، ولن نهتم كثيراً بحالته الاجتماعية عندما يمد يد العون لنا، لن نسأل عن سوابقه في الوقت الذي نحتاج فيه شخصا يساندنا أو نحتاجه في وقت العسرة كالحالة التي طرحناها في المقدمة.
إن أردنا أن نبني هذه الثقة بين أبناء وطننا فإن علينا البدء في طرحها في منصات التعليم لدينا؛ المدارس والمراكز ودور الرعاية تفتقر للأعمال التي تعزز بناء الثقة في نفوس بعضنا البعض. الأعمال التطوعية هي الطريق الأقصر والأسرع التي من خلالها نستطيع إعادة بناء الثقة في المجتمع من جديد. فنحن إن جعلنا التطوع جزءا من نظام تعليمنا وشرطا لتخرجنا من المدارس، سنكون قد ساهمنا بذلك نشر هذا الطبع في طلابنا، سنكون قد نشرنا الثقة بين أبناء الوطن الواحد وعندها سيكون المجتمع معتادا على رؤية أناس يساعدون بعضهم البعض و رجالا كانوا طلاباً في الأمس يتبادلون المساعدة. بناء الثقة في المجتمع يبدأ بأفراد المجتمع نفسه، والشيء المشترك في أفراد المجتمع هو المدارس. فإن طورنا المدارس في بلادنا لنجعلها شاملة لأعمال الخير بالإضافة إلى التعلم، سنكون قد أضفنا بذلك سمة جميلة في نسيجنا المجتمعي، ألا وهى وجود الثقة. مدارسنا ممتلئة بالعلوم ولكنها تفتقر للقيم والمبادئ والتي هي أساس وجود الثقة بيننا. حتى وإن كان ليس من اليسير على مدارسنا أن تعلم الثقة لأبنائها بسبب الكم الهائل من الضغوطات التي تواجهها المدارس، فلماذا لا ننشر هذه الثقافة بيننا على الأقل، بين إخوتنا وأصدقائنا، بين من تصغي آذانهم لنا؟ علينا نشر ثقافة عمل الخير والأنشطة التطوعية بين الأفراد قبل أن نطالب بإقرارها في منصات التعلم في بلادنا. علينا نحن كأشخاص أن نساهم في بناء تلك الأفكار في المجتمع من خلال الحث عليها وبيان عوائدها العظيمة على المجتمع.
لو افترضنا أن مجتمعنا هو مجتمع مبني على الثقة وعلى الإخلاص في العمل، هل سنضطر يوماً إلى مواجهة بعض الأمور العسيرة وحدنا؟ بالتأكيد لا! لأن في ذلك الوقت ستكون الدائرة المحيطة بك كلها عونا لك، ستلتقط العون من الغريب والقريب لأن الجميع اعتادوا على فعل ذلك، فيصبح العسير يسيرا في غضون وقت قصير جداً. هذا المجتمع سيجتاز كل العواقب التي سيواجهها في المستقبل، لأن الأفراد فيه أفراد متماسكون لا منفصلون، أفراد تجمعهم الوحدة في العمل ونشر الخير، وليس التفكير المقتصر على الذات فقط. إن لوجود الثقة بين أفراد المجتمع أثرا عظيما. وهي أساس نجاح كل عمل، هي أساس ارتقاء الفرد والمجتمع، فالثقة هي العامل الأساسي للنمو والتطور في كل مجالات الحياة. ثقتنا بأنفسنا وبالعلاقات التي نخلقها مع غيرنا هي التي تزرع وتنشر الثقة في المجتمع. وجود الثقة في المجتمع هو العامل الأساسي للنهوض بالوطن، وهو العامل الرئيسي الذي يوحدنا.  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها