سراب نتنياهو

في الأيام القليلة الماضية شهدت العلاقات العربية الإسرائيلية أيام عسل لم يكن العقل العربي يستطيع تخيُّلها ناهيك عن أن يستوعبها، يبدو أن العديد من البكارات إنفضت والأستار هتكت والسبب طبعاً “أنه لم لا…. فإسرائيل حقيقة يجب أن نتعامل معها ….” ، فلا يوجد ما يمنع أن نعترف بإسرائيل ما دام شعبنا العربي مقيّد ولا يئن رغم أنه  تحت أقدام من هم تحت الأقدام من أتباع الحكام ، وكانت تتبع هذا التصريح الفج تبريرات ساذجة وغير منطقية بل وفي أحيان مضحكة لأنها كانت تخرج من أفواه من كنا نعتقد أنهم مخضرمون في السياسة ورواد اللباقة والكياسة وكان الإستماع لهم تسلية مؤلمة كإنسانً ينبح أوخروفٍ يغني موشحات الرحابنة فالمنظر غريب ومثير للضحك في آن معا ….

فوز اللاعب الاسرائيلي

إقتراف للممنوعات وإرتكاب للمحظورات في العلاقات الخارجية الإسرائيلية المعلنة مع العالم العربي فقد حضرت وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريجيف البطولة الدولية للجودو في أبو ظبي حيث عُزِف النشيد الوطني الإسرائيلي، بعد فوز اللاعب الإسرائيلي كان المشهد يصور هزيمة مزدوجة ولكمتين متتابعتين ، وزارت أثناء وجودها في أبي ظبي مكان من أمكنة نباح كلاب محمد عفواً على التعبير فهو خاص بها تصف به مساجد الله ، ورغم ذلك تم إصطحابها لمسجد الشيخ زايد ولكن الحق يقال كانت قد غطت رأسها ولو جزئياً وتخلصت من ثوبها القصير المثير الذي كانت ترتديه أمام العربان في إجتماعاتها الرسمية الحميمة !

رئيس وزراء إسرائيل  بنيامين نتنياهو  زار عُمان ، وهي سلطنة ملكية عربية  تفتقر إلى العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع إسرائيل في الظاهر ، ولم يعرف أحد كيف تم حجز الموعد وترتيب اللقاء وبرنامج الزيارة رغم عدم وجود أي سفارة أوممثلية لإسرائيل في السلطنة .

بطولة الجمباز

ومشاركة الوفد الإسرائيلي في بطولة العالم للجمباز الفني في نسخته الثامنة والأربعين التي أقيمت في الفترة ما بين 25 أكتوبر و3 نوفمبر 2018 في قبة أكاديمية التفوق الرياضي في الدوحة عاصمة قطر ولحسن الحظ لم يفز أي رياضي إسرائيلي بأي ميدالية ولذا لم تتلوث أجواء الدوحة بأنغام النشيد الوطني لإسرائيل بعد!

ولكن لعل الزيارة إلى عمان كان أحد أهدافها هو قرع باب السلطنة والدخول إليه بهيلمان إعلامي مقصود لأن السلطنة تعد من أقوى حلفاء إيران في الخليج.

ولكن على الرغم من الاستقبالات الحارة في عمان وأبو ظبي والدوحة، لا ينبغي على إسرائيل الذكية الحصيفة أن تبالغ في تقدير قيمة هذه العلاقات وتبني آمال على تحالفاتها الخليجية التي إستطاعت أن تجعلها تصب في خانة الوقوف أمام العدو المشترك إيران. فبنفس الحرارة تستطيع إيران بعلاقاتها التاريخية مع دول الخليج أن تقوم بزيارات ودية وتلتقط صوراً وأفلام تبثها وسائل الإعلام العالمية، هذه الزيارات التي ستشوبها نفس السخونة وتتخللها القبل والعناقات الحارة، كما أن هناك حقيقة لا تخفى على أحد وهي أن إيران لها تواصل تاريخي وإقتصادي وديموغرافي مع دول الخليج لا تحلم إسرائيل بالوصول إلى مستواه كما أن عدد غير قليل من مواطني هذه الدول تعود أصولهم إلى إيران .

وقد استبشر بعض الإسرائيليين من هذه التطورات خصوصا مع إزدياد تعنت الحكومة الإسرائيلية في الوصول إلى حل مع الفلسطينيين الذين يبدوا أنهم صاروا على الهامش المشترك بين إسرائيل و أحبائها الجدد ،  ويبدو أنه هناك تناسب عكسي بين برود العلاقة الإسرائيلية مع الفلسطينيين ودفئها مع  أشقائهم العرب ، ومن الغريب أن علاقات إسرائيل مع العالم العربي تزدهر ، بدلاً من أن تنحسر أو تتضاءل، ليس بسبب عدم إحراز أي تقدم في حل المشكلة الفلسطينية فقط بل مع تسارع وتيرة ووحشية القمع والحصار ضد الفلسطينيين ويبدو أنها تكتسب زخماً مخملياً ناعماً حين تقوم دولة خليجية ببادرة تقارب ولو رمزية تجاه الدولة اليهودية.

ضد الاجماع العربي

هذا التقدم الذي أشادت به العديد من الدول وشعرالبعض الآخر بالإحراج من شدة حرارته دول غربية كانت تعد نفسها في خندق واحد مع الحق الشرعي وأصحابه فإذا بها تُترك لوحدها في موقف محرج تقف ببلاهة ضد الإجماع العربي الجديد وبالتالي أصبح موقف إسرائيل في العالم اليوم أقوى مما كان عليه في تاريخها.

ولابد لنا هنا من تذكير ومراجعة الموقف الدولي الغريب لإسرائيل والذي لا يشبه وضع أي دولة في العالم ، فإسرائيل ظاهرياً لا تزال الدولة الوحيدة التي تقاطعها أكثر من خمسة وثلاثين دولة من المجتمع الدولي ، منها من تنكر وجودها أصلاً ومنها من تعترف فيها ولكنها لا تقيم معها أي علاقات ، من هذه الدول يوجد تقريباً خمس عشرة دولة كانت لها مع إسرائيل علاقات بصورة أوبأخرى ولكن قطعتها لأسباب مختلفة كعدوان 67 أوحرب 73  مثل تشاد وكوبا وغينيا  ومنها من قطع علاقته معها نتيجة الإنتفاضة الأولى أوالثانية  لما رأى من تعامل وحشي مبالغ فيه ضد العُزّل وآخر أسباب قطع العلاقة كان حرب إسرائيل على غزة في 2009 مثل قطر والمغرب وفنزويلا …. ولكن ما هو موقف أشقائنا العرب إذا علموا بعض الحقائق الصادمة وهي أن الدول غير العربية التي تقاطع إسرائيل أكثر من الدول العربية التي تقاطعها ويعلموا أن  روسيا -الاتحاد السوفييتي وقتها –  وحلفائه من الأوروبيين (ما عدا رومانيا) قطعوا كل العلاقات مع إسرائيل في أعقاب نكبة 67 ، وقطعت 25 دولة أفريقية –  أي أكثر من نصف القارة – العلاقات معها بعد حرب 73  وإسبانيا لم تعترف بإسرائيل حتى عام 1986 ولم تقم  أي من القوى الإقتصادية  الآسيوية الكبرى مثل الهند وجمهورية الصين الشعبية أي علاقات رسمية مع إسرائيل حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي .

لن يهنأ لك بال

أي أن الوضع  الدولي للدولة اليهودية قد تغير منذ فترات قريبة ويمكن أن يتغير أيضا بسرعة بسبب سياسات إسرائيل الظالمة وتعنتها الواضح وقوانينها العنصرية الذي كان آخرها قانون الدولة اليهودية وعلى نتنياهو ورفقائه أن يعلموا أنه مهما كان إتساع  الإبتسامات وحرارة الترحيبات ودفء المحبة التي يتلقاها في البلاد العربية التي يزورها فعليه أن يتأكد ويعلم أنه هناك مئات الألوف من الوجوه العابسة والكارهة له في تلك الدول وهناك الملايين من الشعوب الحاقدة عليه وعلى كل ما يمثله ومهما كانت حرارة اللقاء في صالات القصور فبرودة الكراهية له مزروعة في كل زوايا الشوارع المكسرة وأركان الغرف الضيقة التي تسكنها شعوبنا الشريفة  المطحونة التي تبكي مع الفلسطينيين وتجزع لمصابهم فلا تدع السراب يغرك فلو رضي عنك كل أهل الأرض ورحبت بك كل دولها وأحبك كل بعيد وريب فلن يهنأ لك بال ولن تنعم بنوم مادام جارك اللصيق الذي يفصلك عنه جدار رقيق  وأعمدة نحيلة حالكة تصلها شائكة  لم يرض عنك واعلم أن رضى كل سكان الأرض لن يغني عنك  كل ذلك أمام الفلسطينيين الذيف فقدوا أرواحهم وأرضهم وأهل غزة الذين تبتر أطرافهم برصاص حقدك وأعلم أنه لن يروي عطشك  للأمان  أبداً من هذا السراب …..

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها