اغتيال جمال خاشقجي: أسئلة وتكهنات!

 

لا شك في أن جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بهذه الصورة تمثل صدمة غير مسبوقة، فالرجل ظل لسنوات قليلة خلت أحد ألسنة النظام السعودي الحالي ووُصِف بالمقرب من رأس النظام حينها، كما أن المتابع لمسار الرجل يؤكد أنه كان متوازناً في نقده لتحولات المملكة وسقطات نظامها السياسي، ولم يتورط قلمه ولا لسانه في اجتراء حاد على شخوص المشهد السعودي على نحو يستدعي ذلك السلوك الشاذ ولا تلك النهاية الأليمة.

أعتقد ان السعودية لن تخرج من المغامرة كهذه بمكاسب تُكَافِئ كُلفتها، كما أنها لن تستطيع أن تجاهر أو تنتشي بانتصار ما في هذا الملف، لذا ستظل مكاسبها مكتومة بتخويف معارضتها، وكان في مقدور النظام السعودي أن يحقق هذا بإجراءات أقل كلفة وخطورة.

مقتل المعارض السعودي بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول يفتح الباب لسؤال مشروع عن كُنْه هذه الرسالة ومن المقصود بها.

هل المقصود فعلاً هو شخص جمال خاشقجي؛ صاحب المعارضة الهادئة الوقور،  أم أن المقصود هو تركيا الدولة المضيفة والتي وقعت على أرضها أحداث الجريمة وتفاصيلها؟

وهل فيما حدث إحراج لتركيا يبرر حدث كهذا؟ وهل ستجني المملكة فائدة ما من هذا الإحراج؟ وهل يتحمل النظام السعودي كُلفة التصادم مع نظام تركيا جراء هذا الحادث، أم أنه نوع من المغامرات التي يقدمها محمد بن سلمان لجهة ما أو دولة لتقديم فروض الولاء واعتماد أوراقه لقبول نقل السلطة اليه ملكا جديدا وريثا لأبيه؟

نعم إن الحادث مليء بالرسائل الموجهة لمعارضي الخارج وللشعب السعودي في الداخل وحتى إلى معتقلي الرأي في زنازينهم، لكن ضوضائية الحدث وتداعياته وكُلفته ستتعدى بمراحل هذه المُستقبِلات، ما يجعلنا نذهب الى أُطُر أبعد وأعمق.

أسباب كثيرة تجعل من هذه المغامرة المتهورة عملاً بالغ الخطورة والأثر، ما يدفع الى التساؤل: هل تم ذلك من دون إذن ولا تنسيق مع أمريكا وترامب وإدارته؟ بمعنى: هل يمكن قراءة مغامرة كهذه بعيداً عن سياقات التآمر على تركيا والتحريش ضدها وتعطيل مسيرتها؟

سؤال آخر ينبغي طرحه هل لإسرائيل يد في الحادث مصلحة أو تخطيطاً أو تنفيذاً؟

الحقيقة الثابتة أن أخوف ما تخافه إسرائيل في واقعنا اليوم هو تركيا، فالعالم العربي تم تدجينه أو بالأحرى تدجين حكامه منذ زمن بعيد، ويمكن القول أن العرب – خاصةً في نسختهم الحالية وتحت حكامه المعاصرين – لا يمثلون تهديداً للكيان الصهيوني بل أصبحوا رافعة دعم وتأييد واستسلام لكل مخططات إسرائيل في الإقليم والعالم.

حقيقة أخرى هي أن مصلحة إسرائيل الآنية والمستقبلية تقتضي وضع الألغام والعوائق في طريق أي تعاون أو التقاء بين العرب والأتراك، وفي حالتنا هذه تظل مصلحة الكيان الصهيوني في تلغيم أي انتفاع من رأس المال السعودي لصالح الزعامة السياسية التركية أو كخادم للانطلاقة التقنية التركية، وما حدث يمثل تلغيما طويل المدى لأي تقارب في هذا الصدد.

الحادث وإخراجه بهذه الصورة الفجة يشير الى أن إسرائيل هي العقل المدبر للجريمة، والسعودية لم تكن في أدوات الحادث أكثر من لافتة، ومن يتذكر حادث اغتيال المبحوح في دبي على يد عناصر الموساد الإسرائيلي يجد تشابها حد التطابق، مع اختلاف ما مرجعه فقط في طبيعة الشخصيتين والجهات التي ينتميان اليها، ومما يُضاف في هذا السياق أن تنسيق أبو ظبي ـ الإمارات ـ ربما كان ظاهراً في المشهد الحالي كما كان حاضراً في الجريمة الأولى.

أعتقد أن هذا التوجه الشاذ لنسخة آل سعود المتمثلة حاليا في الطائش محمد بن سلمان يتماهى مع مسلك المملكة في الهرولة تجاه إسرائيل، ويجعل من الخضوع لابتزاز ترمب وإدارته ومضغ المزيد من إهاناته أمراً مقبولاً ومبرراً.

إن مرور هذا العمل الاجرامي والاكتفاء بتصريحات هنا وهناك أو حتى تهديدات والاكتفاء بالجلبة والضوضاء الإعلامي يمثل نذير شؤم على الإنسانية وحرية الرأي والكلمة، بل وعلى الحق في الحياة ابتداء في منطقتنا العربية، وربما يُفْضِي ذلك إلى تطور نوعي في الخساسة والإجرام تجاه أي مُعَارِض حالم بالحرية والكرامة، وقسوة حدية تجاه الشعوب، وإخصاء مُذِّل لقطعان النخب العربية.

 يقيني أن الرسالة الأخطر في اغتيال خاشقجي؛ أن العالم يعيش وهدة أخلاقية وأن الحديث عن الضمير العالمي ومبادئ حقوق الانسان والمواثيق الدولية لا تعدو عن كونها أكاذيب استهلاكية، وأن المجتمع الدولي شريك في تسليم معتقلي الرأي – في الداخل السعودي خاصةً وفي المعتقلات العربية عامة – ليس لقبضة نظام سياسي يختلفون معه، بل لسلطات دموية انتقامية متوحشة.

وأخيراً ؛ يمكن القول أن الرداء الإسلامي المحافظ الذي سعت أنظمة آل سعود أن تُغَلَّف به استبدادها سقط مع هذه الجريمة وبدا نظام أل سعود في نسخته الحالية أشد دموية من عصابات القتل والإجرام وأشد توحشاً من داعش. 

وتظل الحلقة القاسية والسؤال المعتبر في المشهد؛ لماذا تتبدى صورة من صور الضعف التركي والتردد تجاه العبث الاماراتي السعودي بالأمن الداخلي؟ وما الذي يغل يد تركياً وزعيمها القوي أردوغان في مواجهة صبيان إسرائيل وأمريكا الطائشين “ابن سلمان وعيال زايد ومن حذا حذوها”؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها